
لا تُقاس صعوبة المهنة بما يظهر على الشاشة، ولا بعلو الصوت داخل المحكمة، بل بثقل ما يحمله صاحبها عند العودة للمنزل. في بعض الوظائف القانونية، لا تُمارس الدور فحسب، بل تُدرب نفسك على تحمّل ما لا يراه أحد. أن تدافع عن إنسان تتعارض روايته مع مشاعرك، أو أن تحفظ سِراً يهزُّ أعماقك، أو أن تربح مرافعة بينما قلبك لا يحتفل. كل ذلك ليس مشهداً درامياً، بل واقعاً يتكرّر بهدوء وبدون جمهور. فهل هي مهنة؟ أم معركة داخلية مستمرة؟ المحامي والمستشار القانوني عمادالدين خليل يتحدث في عدة نقاط عن تفاصيل لم تُروَ من قبل، بحسب سيدتي.
المحامي الذي يُدافع عن متهم لا يتفق معه
أصعب ما قد يواجهه المحامي هو أن يُكلّف بالدفاع عن شخص لا يشبهه في التفكير أو التصرف، وربما تتعارض معه قيمياً أو إنسانياً، ومع ذلك يُطلب منه أن يُمثّل قضيته باحترافية. هنا تبدأ رحلة الفصل بين الإنسان والمهني، بين ما يشعر به داخلياً، وما يُفترض أن يعرضه بوضوح خارجياً. هذه الازدواجية تُرهق النفس، وتجعل المحامي في حالة من التوتر الأخلاقي المستمر، خاصة إن كان عليه أن يستخدم مهاراته لصالح من لا يثق فيه على المستوى الشخصي. ومع تراكم القضايا، يُصبح هذا الصراع الداخلي جزءاً من يومياته، ويُشعره أنه ينفصل تدريجياً عن ذاته الحقيقية.
كيف يتعامل المحامي مع شعور التناقض العاطفي؟
المحامي الذي يعيش مع تفاصيل لا تُنسى
ليست كل المعلومات التي يقرأها المحامي في الملفات مجرد بيانات. أحياناً تحمل الشهادات والملاحظات والأدلة مشاهد تظل عالقةً في الذهن، حتى بعد انتهاء الجلسة. هذه التفاصيل تُشكّل عبئاً نفسياً غير معلن، لأنها تتسلل من الأوراق إلى الذاكرة، ومن الذاكرة إلى الأحلام وحتى العلاقات الشخصية. المحامي الذي يُمضي سنوات في سماع وقائع مؤلمة دون تفريغ عاطفي حقيقي، يبدأ تدريجياً بفقدان طاقته النفسية، ويُصبح أقل تفاعلاً مع نفسه ومع مَن حوله.
لماذا تُعد التفاصيل الدقيقة عبئاً نفسياً طويل الأمد؟
المحامي الذي يعيش تحت المِجهر، في كل كلمة وحركة
في المهن القانونية الحساسة، لا مجال للتصرّف التلقائي. كل إيماءة، كل نبرة، كل مصطلح يُستخدم، قد يكون له أثر في مسار القضية. هذا الحذر المستمر يجعل المحامي يعيش في بيئة مهنية خانقة، حيث يتعلّم كيف يزن كلماته بميزان الذهب، ويحسب خطواته بدقة حتى لا تُؤخذ عليه مستقبلاً. ومع الوقت، يصبح الحضور الجسدي في المحكمة سهلاً، لكن الحضور الذهني يتطلّب جهداً نفسياً مُرهقاً.
ما أثر العمل تحت مجهر دائم على أداء المحامي؟
المحامي الذي ينتصر في المحكمة ويُهزم داخلياً
حتى حين يُحقق المحامي إنجازاً قانونياً مميزاً، قد يُلازمه شعور غريب بعدم الراحة. لأنه يعرف أن النتيجة قد تكون قانونية تماماً، لكنها لا تُرضي ضميره بالضرورة. بعض المرافعات تُربح، لكن أثرها يبقى، ويجعله يتساءل ليلاً إن كان قد ساعد في تحقيق العدالة أم التفافاً عليها. هذا التوتر بين المبدأ والنص، بين الشعور الإنساني والانتصار المهني، يخلق مسافةً داخليةً يصعب جَسرها.
لماذا لا يكون الفوز في بعض القضايا انتصاراً نفسياً؟
المحامي الذي لا يسأله أحد: كيف تشعر اليوم؟
لا توجد مساحة في هذه المهنة لمكالمة تقول: أنا متعب. لا جلسات دعم، ولا أدوات تفريغ للضغوط. بل يُتوقع من المحامي أن يستمر دون أن يتحدث عن الإرهاق، وكأن التعب جزء من طبيعة المهنة لا يُناقش. ومع الوقت، يعتاد على الصمت، ويخفي انكساره خلف مهنيته. لكنه، دون أن يشعر، يتحول إلى شخص يُتقن الدفاع عن الجميع.. ما عدا نفسه.
كيف يُفاقم الصمت المهني من الإرهاق النفسي؟