
إن العناوين التي تختارها مؤلفة الكتاب لما تقدمه من تحليلات لها دلالتها الكبيرة على محتواه، كما على الذهنية الكامنة وراء هذه التحليلات. هكذا نقرأ: «التغيير المناخي، وضع لا سابق له في عام 2030» و«مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية: واقع أم سراب» ؟ و«الثورة الخضراء» و«هل ستنقذنا التكنولوجيات» ؟ و«سوق ـ بازار ـ الطاقة الكبير، تهديد للسلام» و«آسيا في ساعة الحلم الأميركي» و«خطة مارشال من أجل حماية البيئة»، الخ.
بالمقابل تطرح المؤلفة العديد من الأسئلة الجوهرية التي ترى أن الإجابات التي سيقدمها العالم عليها ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل البشرية كلها. ومن هذه الأسئلة: كيف يمكن للعالم أن يتوجه بأسرع وقت ممكن نحو الطاقات النظيفة والمتجددة واقعيا؟ وهل سيكون لدينا الوقت الكافي لتمويلها وتطويرها على صعيد صناعي من أجل سد الحاجات من الطاقة لسبعة مليارات من البشر في عام 2030؟ هل ينبغي تعميم ضريبة الكربون؟ كيف ينبغي التصرف مع دول عملاقة مثل الهند والصين ذات المصالح المغايرة لمصالح البلدان الصناعية الغربية؟ الخ.
إن الإجابات «المختصرة» التي تقدمها مؤلفة هذا الكتاب هي ذات طابع «تشاؤمي» إجمالا. وهي لا تتردد في القول أن المسؤول الأول والأكبر عن التغيرات المناخية في الأرض هو الاستهلاك الكبير لمواد الطاقة، وخاصة البترول، مع ما يترتب على ذلك من إصدار للغازات المخرّبة للبيئة وللغلاف الجوي» كما لا تتردد في التأكيد أن مستقبل البشرية كله يرتبط بالبلدان الصاعدة الكبرى المستهلكة لكميات هائلة من الطاقة. وبالتالي قد يكون «العد التنازلي» نحو الانهيارات الكبرى قد بدأ.
وتشرح المؤلفة أن اختيارها لتاريخ 2030 لم يكن مصادفة، وليس عملية استشراف «روائي» على طريقة الكاتب البريطاني «جورج اورويل» عندما كتب في عام 1948 عمله الشهير «1948» كي يرسم ما سيكون عليه العالم في ذلك الأفق ـ وكانت الصورة التي رسمها قريبة جدا للواقع، وإنما كان اختيارا مدروسا وقائما على عدة معطيات محددة.
بالنسبة للمعطى المناخي تدل مؤشرات الأحوال الجوية أنه في حال استمرار التوجهات الراهنة حتى عام 2030، فهذا يعني أن سخونة الأرض ستزداد درجتين. ومن الأفضل عدم تجاوز ذلك، فهذا «خط أحمر» بهذا المعنى تواجه البشرية خطرا حقيقيا على هذا الصعيد خلال ما بين العشرين إلى ثلاثين سنة القادمة.
ويتم التأكيد هنا أن تجنّب «الكوارث» التي تلوح في الأفق والتي ليس أقلها «الهجرات المناخية» الكبيرة أو الحروب من أجل الوصول إلى المصادر الطبيعية يتطلّب تخفيض ليس نسبة 50 بالمئة من كميات الغازات الضارة بالبيئة فحسب وإنما بالأحرى نسبة 80 بالمئة من هذه الغازات. هكذا تركّز المؤلفة في هذا السياق على «ثروة نادرة» هي الوقت.
أما بالنسبة للمعطى الديموغرافي فإن مؤلفة هذا الكتاب تؤكد قولها أننا نستطيع أن نتبصّر فعليا عدد البشر في أي تاريخ قادم عبر «عملية حسابية بسيطة، إذ هناك يوميا في العالم اليوم متوسط 000 350 ولادة و000 160 وفاة.
هذا يعني زيادة 000 190 من البشر الإضافيين المطلوب تأمين التغذية لهم يوميا. هكذا يزيد عدد البشر على الأرض التي لا تزيد مساحتها» . بناء على هذه العملية الحسابية سيزيد عدد سكان البشرية حوالي مليارين في أفق عام 2030.
وتشرح المؤلفة أنه إذا استمرّت الاتجاهات الحالية فإن الإنتاج الغذائي لن يكون كافيا لسد حاجات البشر على الأرض. هذا فضلا عن عمليات التمركز في المدن وما ينجم عنها من نتائج بيئية ـ ايكولوجية ـ وصحية شديدة الخطورة.
هذا في الوقت الذي لا تمثل به الطاقات المتجددة في العالم اليوم سوى نسبة 5,2 بالمئة من الاستهلاك العام للطاقة. وهنا تؤكد المؤلفة أن هذه الطاقات المتجددة، وكي تكون بديلا ذا مصداقية، كان ينبغي لتطويرها أن يبدأ قبل نصف قرن من الوقت الذي بدأت البحوث حولها.
كما تؤكد أنه لا يمكن للطاقة النووية أن تشكل حلا إلا جزئيا جدا للمشكلة التي سيواجهها العالم على صعيد الطاقة. ذلك أنها لا تقدّم الآن سوى نسبة 7 بالمئة من الاستهلاك العالمي للطاقة. وماذا عن مصادر الطاقة البيولوجية (النباتية)؟ تتم الإشارة هنا إلى أن الزراعة الكبيرة في مثل هذا المنظور، خاصة في بلد كالبرازيل، إنما تجري على حساب قطع الغابات التي تشكل أفضل «الموانع» أمام انتشار غاز الكربون.
الانهيار
يحمل عنوان هذا الكتاب قدرا كبيرا من التشاؤم، إلى جانب الإنذار الذي يحمله. وما يتم ترقبه بالنسبة لهذا التاريخ «2030» هو أن عدة عوامل، أو بالأصح «جبهات»، حسب التعبير المستخدم، سوف تلتقي في ذلك الأفق وتدفع كلها نحو «الانهيار» وهي تتمثل في «الجبهة المناخية» و«جبهة الطاقة» و«جبهة النمو الاقتصادي »، و«الجبهة الديموغرافية» إنها سوف « تتصادم» في الوقت بنفسه مما قد يشكل منعطفا «لا رجعة عنه»
المؤلف في سطور
تعمل جنفييف فيرون حاليا مديرة للتنمية المستدامة في مجموعة « فيوليا» للبيئة. تحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي الاقتصادي، وكانت قد عملت لدى العديد من المنظمات الدولية المختصة في مجال حماية البيئة، وأسست عام 1997أول وكالة فرنسية للرقابة الاجتماعية والبيئية على الشركات الكبرى واستمرّت رئيسة لها حتى عام 2002.
الكتاب: 2030 الانهيار البيئي (الايكولوجي)
تأليف: جنفييف فيرون
الناشر: غراسيه ـ باريس 2008
الصفحات: 286 صفحة
القطع: المتوسط
2030
Le Krach e'cogique
Genevie've Ferone
Grasset - Paris 2008
P.286