
يحاول فرانسيس روبنسون الرد على السؤال المطروح: ما هي العلاقة بين الإمبريالية البريطانية واليقظة الإسلامية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يبتدئ المؤلف باستعراض تاريخ المنطقة منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.
لكن لا يمكن حصر جنوب آسيا بالهند فقط، وإنما ينبغي أن نضيف إليها أيضا دولاً إسلامية أخرى كأندونيسيا، وتيمور الشرقية، وماليزيا، هذا إضافة إلى دول أخرى تحتوي على أقليات إسلامية كالفلبين وسواها. ثم هناك باكستان أكبر بلد إسلامي بعد اندونيسيا. من المعلوم أن المسلمين يشكلون أكبر أقلية دينية في الهند وتصل نسبتهم إلى 12 بالمئة من عدد السكان. وإذا ما علمنا بأن عدد سكان الهند يتجاوز المليار شخص، فهذا يعني أنه لا يوجد في الهند ما لا يقل عن مائة وخمسين مليون مسلم. وهذا عدد كبير جدا بالنسبة لأقلية.
ولكن ينبغي أن نضيف إليهم سكان باكستان أيضاً الذين كانوا جزءاً لا يتجزأ من الهند قبل الاستقلال عام 1947. بعدئذ انفصلت باكستان عن الوطن الأم وشكلت دولة للمسلمين وحدهم فقط. ولكن ظلت هناك علاقات كبيرة بين مسلمين كلا البلدين لأنهم من أصل واحد ولغة واحدة وتقاليد مشتركة. وكلا البلدين متأثر جدا بالثقافة الانجليزية بسبب الاستعمار الطويل لجنوب آسيا من قبل الإمبراطورية البريطانية.
الحضارة الإسلامية استمرت في الهند من القرن الثالث عشر إلى القرن الثامن عشر، تاريخ دخول الاستعمار إليها. وقد هيمن المسلمون عندئذ على الهند وأسسوا فيها الإمبراطورية المغولية كما هو معروف. وحصلت عندئذ تفاعلات خصبة بين الإسلام والديانة الهندوسية التي تشكل دين الأغلبية هناك. وأثر الإسلام كثيرا على العقيدة الهندوسية، كما وأثرت هذه العقيدة عليه في بعض الجوانب الخاصة بالعادات والتقاليد.
ثم جاءت الحداثة البريطانية لكي تؤثر على الجميع وتشكل صدمة كبيرة لمجتمعات كانت قد أصبحت متخلفة وراكدة بالقياس إلى مجتمعات الغرب. وعن طريق الاحتكاك مع الانجليز استيقظ المسلمون من سباتهم الدوغمائي العميق كما حصل للعرب في القرن التاسع عشر، وكما حصل للأتراك أيضا والفرس الإيرانيين. كل العالم الإسلامي شعر عندئذ بأنه تخلف عن ركب الحضارة وأنه يلزمه بذل جهود كبيرة لاستدراك ما فات واللحاق بركب الانجليز والأوروبيين ككل.
وكان من أوائل المصلحين الإسلاميين في الهند شخص يدعى سيد أحمد خان الذي ولد في مدينة دلهي عام 1817 ومات عام 1898 عن عمر يناهز الثمانين. وكان مربياً كبيراً وحريصاً على نهضة المسلمين وتطوير أوضاعهم. وهو الذي أسس الجامعة الإسلامية التي خرّجت أجيالاً عديدة من الطلاب والباحثين والشخصيات الهامة. ومعلوم أن جده كان رئيسا للوزراء عند الإمبراطور المغولي أكبر شاه.
وبالتالي فهو من عائلة إسلامية عريقة في الهند. وكانت الجامعة قبل ذلك تدعى الكلية المحمدية الانجليزية الشرقية، وهكذا جمع بين التراث والحداثة: أي التراث الإسلامي العريق والحداثة الانجليزية.
ومعلوم أن خريجي جامعته هم الذين أصبحوا لاحقا قادة الاستقلال، وهم الذين تزعموا الطائفة الإسلامية وقرروا مصيرها. هذا وقد كان سيد أحمد خان محاميا وقاضيا كبيرا. وبدءاً من عام 1850 أخذ يهتم بشؤون التربية والتعليم. وعلى الرغم من أنه كان مسلماً ورعاً إلا أنه ثار على التربية التقليدية المتزمتة لرجال الدين، ودعا إلى الاستفادة من المناهج الانجليزية الحديثة.
وهذا ما دفع المتعصبين إلى الاشتباه به والاعتقاد بأنه عميل للانجليز، ولكنه في الواقع كان يريد أن ينقذ طائفته من جحيم الجهل والتخلف. وقد شعر بأن المسلمين سوف يفقدون مكانتهم في الهند بعد أن كانوا أسيادها. ولذلك عمل كل ما بوسعه لإيقاظ الطائفة الإسلامية ودفعها في اتجاه التحديث لكي تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها.
ثم يردف المؤلف قائلاً بما معناه: لقد عرف سيد أحمد خان أن رياح التاريخ قد هبت على الهند، وأن الحضارة الحديثة أصبحت غربية وأوروبية. وبالتالي فلا داعي لمقاومتها أو تجاهلها لأن من يتجاهل حركة التاريخ وتيار الحضارة يهمش نفسه بنفسه.
لهذا السبب راح سيد أحمد خان يؤسس المدارس والجامعات في كل مكان من أجل أن يتعلم أبناء المسلمين ويتثقفوا بالثقافة الحديثة من فنون وآداب وعلوم وتكنولوجيا، الخ. فالمستقبل للعلم والمتعلمين لا للجهل والأميين. بهذا المعنى فإنه لعب الدور نفسه الذي لعبه رفاعة رافع الطهطاوي بالنسبة للنهضة المصرية والعربية.
وقد كانا متعاصرين من حيث الزمن. الفرق الوحيد بينهما هو أن الطهطاوي كان متأثرا بالثقافة والحضارة الفرنسية، هذا في حين أن سيد أحمد خان كان متأثرا بالثقافة الانجليزية. هذا وقد أسس سيد أحمد خان أول أكاديمية علمية في الهند وذلك على غرار الأكاديمية الملكية البريطانية في لندن. وهذا يعني أنه كان عارفاً بأهمية العلوم الطبيعية والفيزيائية والرياضية. وبالتالي فقد حاول إيقاظ المسلمين ودفعهم في هذا الاتجاه قائلا لهم بما معناه: من لا يسيطر على العلم والتكنولوجيا فاته القطار وأصبح في مؤخرة الأمم ولن تقوم له قائمة بعدئذ.
ولكن التأثير الكبير الذي مارسه هذا المفكر الفذ والمصلح الديني الكبير كان في مجال العلوم الدينية. فقد دعا إلى المصالحة بين القيم الإسلامية العريقة والقيم الأوروبية الحديثة وبخاصة الانغلوساكسونية. وطالب علماء الدين في الهند وكل أنحاء العالم الإسلامي أن يجددوا الفقه القديم أو علم الكلام لأن العصر تغير ولم نعد نستطيع أن نبقى بمنأى عن رياح الحداثة والتجديد التي تهب من أوروبا.
المؤلف في سطور
الكاتب هو البروفيسور فرانسيس روبنسون أستاذ علم التاريخ في جامعة لندن، وهو مختص بشؤون منطقة جنوب آسيا، أي الهند أساسا. ويرى المؤلف أنه حصل على مدار القرنين الماضيين حدثان كبيران: الأول هو التوسع الغربي في منطقة جنوب آسيا واستعمار الهند، والثاني هو يقظة الإسلام وانتعاشه في تلك المنطقة من العالم.
الكتاب: الإسلام، جنوب آسيا والغرب
تأليف: فرانسيس روبنسون
الناشر: مطبوعات جامعة اوكسفورد 2008
الصفحات: 384 صفحة
القطع: المتوسط
Islam,South Asia and the West
Francis Robins
Qxford University press
London 2008
P.240