![](/img/grey.gif)
حاورها : صدام الزيدي
أمينة الصنهاجي شاعرة ومترجمة مغربية ومؤسّسة ومنسق عام "مؤتمر النص الجديد/ ما بعد قصيدة النثر". محررة بمجلة "نصوص من خارج اللغة". عضو في عدة تجمعات أدبية مغربية ودولية. تُنشر لها قصائد وكتابات في عدة صحف ومجلات ومواقع نشر إلكترونية مغربية وعربية، وفقا لضفة ثالثة.
شاركت في مؤتمرات ومهرجانات شعرية وأدبية، نذكر منها: "مؤتمر النص الجديد" بنسخه الأربع في القاهرة، 2010، 2011، 2012، 2013، باعتبارها منسق عام المؤتمر؛ "الملتقى الدولي للشعر بمدينة تيفلت" (أكثر من دورة)؛ "مهرجان مراكش للشعر" (دورتان)؛ "ملتقى الشعر العربي بالدار البيضاء" (دورتان)؛ "ملتقى أمورس بورزازات"؛ "ملتقى القصة القصيرة بزاكورة"؛ "ملتقى القصة القصيرة بتارودانت"؛ "ملتقيات جمعية الأصيل" (أكثر من دورة)؛ "مهرجان الربيع الثقافي بالدار البيضاء" (أكثر من دورة)؛ "مهرجان المربد"؛ "مهرجان الشعر بإسطنبول"؛ "ملتقى الشعر المتوسطي".
صدر لها: "يطلي حروفه بالضجر"، عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر- القاهرة، 2009؛ "غابة التناقضات": ترجمة لحوارات مع جون ماري لوكليزيو بمناسبة حصوله على جائزة نوبل (أروقة، 2010)؛ "جرعة مفرطة/ نصوص وقصائد"، عن دار الدراويش- ألمانيا، 2022؛ "حذر الوداعة/ سرد شعري (أروقة، 2022)؛ "البطروس الغريب": نصوص/ حوارات افتراضية نابعة من نصوص شعرية لبودلير (شبكة أطياف الثقافية للدراسات والترجمة والنشر- الرباط، 2024).
هنا حوار معها:
(*) لنبدأ من كتابك الشعري الصادر حديثًا "البطروس الغريب"، والذي هو عبارة عن نصوص يمكننا القول إنها تشتبك مع النمطية في كتابة الشعر: حوارات افتراضية نابعة من نصوص شعرية لبودلير...
نصوص "البطروس الغريب"، تمثل حالة حوار استمر سنوات مديدة مع نصوص الشاعر الأحب إليّ، شارل بودلير.
حالة الحوار هذه بدأت منذ سنوات بعيدة، بدأت معها هواية ترجمة نصوصه أو فقرات منها، أتفاعل معها لدرجة أريد لمن حولي أن يتلقاها بنفس الإثارة. لكن فكرة نشر تلك الترجمات بدأت في بدايات الألفية فقط على صفحات منتديات إلكترونية متخصصة، ولاقت استحسانًا وقبولًا جعلني أستمر بجدية أكبر.
مع الفيسبوك أعدت نشر بعض تلك الترجمات. والتي كانت نواة فكرة جمعها في كتاب.
هي ترجمة بشكل مختلف، الهدف منها ليس نقل النص من الفرنسية إلى العربية، بل نقل الفكرة ذاتها بلغة مختلفة عبر كتابة نص مواز جديد، يخون تمامًا اللغة الأولى له. ومن خلال هذه الترجمات وجدت نفسي أتحاور مع بودلير بشكل شغوف، فانبثقت فكرة تسجيل هذه الحوارات على هامش النصوص المترجمة، وجعلها قاعدة لخلق حياة افتراضية بيني وبين بودلير.
(*) منذ إصدارك الأول: "يطلي حروفه بالضجر" وحتى "البطروس الغريب"، أين تجدين نفسك؟
ربما الكتابة هي حالة اكتشاف مستمر للنفس، هي طريقة لتعرية شكلنا الداخلي من خلال نحت حالات ذهنية مختلفة عبر الكتابة.
لم أعتد أبدًا وضع ضوابط لكتابتي، ولا ألزم نفسي بأي شكل قبل مباشرة الكتابة. بل النص يأتي بالشكل الذي يرتضيه، عبر اكتشاف ثنائي بيني وبينه بشكل آني. وأحترم جدًا شكل ظهوره بلا أي محاولة للتغيير... ربما يعتبر ذلك كسلًا أو لامبالاة، لكنه في الحقيقة رغبة في عدم التشويش على شكل الهيئة التي تعرض بها اللغة حقيقتي، تلك الحقيقة التي تضيع تحت أقنعة المجتمع والفكر وما أنا عليه بالواقع.
لذا فكل شكل أكتب به هو لون ضروري وحقيقي لا يقارن مع غيره.
(*) كيف ترين إلى قصيدة النثر المغربية؟
قصيدة النثر بالمغرب ذات جذور ممتدة عميقًا في الانتاج الشعري المغربي عمومًا، ربما لم تحظى بالانتشار الذي تستحقه بسبب الانحسار الإعلامي الذي يعاني منه الإنتاج الفكري كله بالمغرب. لكن الرواد الكبار مثل عبد الله راجع ومحمد بنيس وعبد الله زريقة ومحمد الشركي وغيرهم كثير لهم بصمة متميزة وحضور مغاير يجعل قصيدة النثر المغربية متميزة وثرية وأقرب للنتاج الغربي منها للقصيدة المشرقية، خصوصًا على مستوى العمق الفلسفي والانفتاح الكوني. وهذا رأي شخصي وذوقي جدًا، وليس من وحي تخصص أو دراسة.
(*) واستنادًا إلى مثاقفاتك وقراءاتك... برأيك، ما الجديد في قصيدة النثر العربية التي تُكتب اليوم؟
الاحتفاء بـ"النص" باعتباره شكلًا متحررًا من التأطيرات التقليدية عرف زخمًا ملحوظًا بعد فترة المنتديات الإلكترونية، وتمت محاولة ترسيخه ضمن أنواع الكتابة الحديثة والتي تتساوق بشكل واضح وسلس مع الطفرة الإلكترونية في النشر الأدبي. هذا الزخم استمر طيلة بدايات الألفية إلى حدود السنوات الأخيرة حيث زاحمت المسابقات الشعرية خصوصًا هذا الامتداد، وحجّمت حضوره لصالح الأشكال التقليدية كالعمود والزجل مثلًا. وكان الانتصار للشكل التقليدي مدعومًا بتمويل سخيّ من مؤسسات حكومية وقفت بارتياب وتشكك تجاه الكتابة الحديثة. واعتبر الكثيرون أن "النص" ما هو إلا عجز عن مسايرة وإبداع شعر تقليدي موزون. مع ما شاب ذلك من خلط واضح بين "النص" بكل حمولته العميقة وبعده الكوني ولغته الثرية. والانتاجات التي لا تتعدى كونها خواطر ونثريات عادية.
مؤتمر ما بعد قصيدة النثر والنص الجديد، انعقد بالقاهرة واستمر لأربع دورات، وكان حلقة مهمة في ترسيخ مفهوم النص وأبعاده وعلاقته بالنص الإلكتروني خاصة. وجمع عددًا مهمًا من مبدعي ونقاد وناشري الإبداع الحديث. لكنه توقف للأسف لأسباب كثيرة ليس هنا مجال نشرها.
هموم ترجمية
(*) حدثينا عن فكرة ومحتوى كتابك الترجمي الوحيد "غابة التناقضات" (الذي هو عبارة عن مبادرة ترجمية تحتفي بحوارات جون ماري لوكليزيو، إثر منحه جائزة نوبل للآداب، 2008)، بوصفه إضاءتك الترجمية الأولى التي خرجت إلى النور، عن الفرنسية؟
كتاب "غابة التناقضات" يتحدث عمومًا عن جدوى الكتابة، وإكراهاتها، والمفارقات التي يطرحها عالم النشر، خصوصًا في بلدان مهمشة ثقافيًا، وعن دور الكاتب في التغيير أو على الأقل التعبير عما يحيط به.
هذه إشكالات لا يتحدث عنها عادة مبدع يعتمد السيرة الذاتية منطلقًا للكتابة الإبداعية، خصوصًا الرواية. وهي حال جون ماري لوكليزيو الذي كان الكتاب احتفاء بحواراته وترجمتها خصوصًا بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب سنة 2008.
(*) وهل سنقرأ لك كتابًا ترجميًا في المستقبل القريب؟
كانت الترجمة بالنسبة لي هواية ممتعة، أعكف عليها حين يستبد بي كاتب ما وأجدني ملزمة بالتعريف به ومحاولة نقل دهشتي للآخر. فهي في الحقيقة متعة ذاتية لم يكن لها دافع إبداعي محدد، أو أي نية في النشر لاحقًا، سوى لمن يقاسمني نفس الشغف. والأصدقاء المقربون يعرفون أنني ترجمت جلّ مسرحيات سارتر، وبعض مسرحيات يوجين يونيسكو، ومقالات لهايدغر عن الفرنسية، وجلّ قصائد بول إيلوار... وغير ذلك الكثير.
لكن لم تكن تلك الترجمات بغاية النشر، ولذلك أيضًا لم أعتن بترتيبها ولا الاحتفاظ بأغلبها. وللصراحة أيضًا كانت تلك فترة انتقال من الكتابة بالفرنسية التي بدأت بها أدبيًا، إلى العربية. لكن لا أفكر الآن في ترجمة أي عمل جديد وبشكل احترافي رصين. وهذا لا يمنع من اقتراف ذلك مستقبلًا، ربما.
(*) وبرأيك، لماذا أدبنا العربي يُترجَم إلى لغات الآخر على استحياء شديد وفيما ندر... ما الأسباب؟
في رأيي، ترجمة الأدب العربي للغة الآخر تحكمه أسباب عدة، أهمها طبيعة بنية اللغة العربية الموجزة والدقيقة بشكل يصعب على اللغات الأخرى مجاراتها، ومعظم سحرها وجمالها الذي يلازم الصياغة البديعة لها تفتقر لها الترجمة، فيفقد العمل قيمته.
مسألة أخرى، وهي أمر جدليّ مركّب، انحسار الإنتاج الثقافي العربي عمومًا عن مزاحمة النتاج العالمي. فمستوى النشر والكتب الصادرة والقراء والتوزيع والإعلام الأدبي ووو... إلخ، مجالات متدنية وفي آخر المراتب مقارنة بالغير. وهذا يعزز عدم التفات الآخر إلى الإبداع العربي وجهله به.
(*) وبالحديث عن حركة الترجمة إلى العربية وما نقرأه تباعًا، هل نعيش اليوم ظاهرة ترجمية، أم أن هناك إخفاقات واهتزازات وتجاوزات؟
كل عمل إبداعي هو بالضرورة ظاهرة صحية، ولا يمكن اتهام أي جهد كيفما كانت درجة التلقي أو طبيعته. والترجمة عمل خلّاق فريد، لا يمكن تصور أي مثاقفة أو انفتاح أو تجاوز للكائن والمحلي بدونها. لذلك حظيت باهتمام شديد وتشجيع كبير، وهذا يليق بها طبعًا، ولن يعيبها كثرة الإخفاقات، وهي كثيرة. ولن يضيرها حشد المتطفلين. ففي الأخير لن يبقى إلا الإبداع الحقيقي الصلب.
الذكاء الاصطناعي
(*) اليوم، تفعل تقنية الذكاء الاصطناعي الكثير في مواضيع كثيرة ومنها الترجمة. فهل تستطيع الآلة أن تقوم بالمهمة؟
أعتقد أن فعل الترجمة عمل إبداعي مركب، ينقل النص الأصلي لكن بإضافة روح اللغة المنقول إليها وخصوصية المترجم الثقافية. وربما هذا يبعد النص المترجم عن الأصلي، لكن الحقيقة عكس ذلك. فحين تنقل الكلمات كما هي باعتماد الترجمة الحرفية المبنية على المعجم العام، يفقد النص الأدبي قيمته، ويصبح ميت الروح. وهذا بالضبط ما يفعله الذكاء الاصطناعي. فالترجمة عبر محركات الترجمة الإلكترونية جيدة ودقيقة ربما في غير النصوص الشعرية مثلًا. لأن روح النص التي تجعل منه نصًا إبداعيًا لا يمكن نقلها عبر الترجمة المعجمية المباشرة.
ربما يصل الذكاء الاصطناعي لأبعد من هذا مستقبلًا، لكن على الأقل الآن لم نصل بعد لمثل هذا.
(*) وبالحديث عن الذكاء الاصطناعي والأدب: كيف يمكننا توقع مستقبل الثقافة عمومًا (والآداب والفنون) في ظل الاعتماد على الآلة؟ وما الذي ستصدّره العقود القادمة من أجيال تركن إلى الآلة ولا تخوض شيئًا من تجربة العصف الكتابي وطقوس الابداع؟
بالنسبة للذكاء الاصطناعي ومستقبل الثقافة: هل يمكننا وقف التقدم العلمي؟ طبعًا لا، فالإنسان يمضي في ابتكاراته واكتشافاته واستغلاله للعالم حوله بلا توقف مهما كانت محاولات تأطير هذا التقدم أو التحكم فيه. هذه طبيعة العلم وجوهره. والثقافة عمومًا والأدب خصوصًا يبقى شاهدًا يتدخل في حدود كونه شاهدا. بمعنى أن الأدب نتاج لتفاعل البشر مع كل ما يدور حولهم، هو تعبير عنهم بأشكال مختلفة، تبني ما نسميه ثقافة سواء كان كتابة أو موسيقى أو تشخيصًا مسرحيًا أو رسمًا أو كل الأشكال الإبداعية التي تصاحب الفعل البشري عمومًا. وهي كثيرة ومتنوعة وصعب حصرها.
الذكاء الاصطناعي مكون جديد يتعامل معه الناس حاليًا كما تعاملوا مع كل ابتكار جديد. يتعاملون معه بفضول وخوف وإثارة وفي كثير من الأحيان بسخرية.
والعالم العربي خصوصًا باعتباره مستهلكًا في عمومه، وللإشارة مستهلك شره يتسابق ليكون الأول دومًا في خطوط الاستهلاك والامتلاك، تلقف الذكاء الاصطناعي بنفس السطحية التي تعامل بها مع غيره من قبل.
الإنسان العربي يتعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره شيئًا يستهلكه بتقبل كبير وشره معتاد، من دون الانشغال بآثاره عليه أو على ثقافته أو مستقبله.
علما أننا ما زلنا لحد الآن لا نملك لغة سيبرنيتية عربية، وما زالت أنظمة الكمبيوتر التي نستخدمها كلها بعلامات لاتينية. وإننا اكتفينا بالكتابة العربية على اللوح الإلكتروني وظننا أننا نستخدم فعلًا الإنترنت بلغتنا. وهذا نفسه يقع مع الذكاء الإصطناعي الذي يتطور يومًا بعد يوم، ولم يعد مجرد مجمع للمعلومات ومحرك للبحث كما سبق.
لا أستطيع التكهن بمستقبل الثقافة العربية في ظل كل هذا، لكن لا أتخيل أنها ستكون أكثر تخلفًا وسطحية واستهلاكًا مما هي عليه الآن.
(*) حدثينا عن تجربتك في منصات التواصل. ما الذي أضافته لك السوشيال ميديا؟
تعاملت مع منصات السوشيال ميديا منذ نشأتها. فمن طبعي أنني فضولية وأحب تجربة الأشياء والتعامل معها في تحد مستمر لكوني من الجيل القديم.
بدأت مع عالم المنتديات ثم انتقلت للفيسبوك. وأتواجد بغالب المنصات الأخرى كتويتر والواتساب وأنستغرام وثريد ولينكدون وغيرها. لكن تواجدي يبقى تجريبيًا، وتفاعلي فيها قليل جدًا إلى منعدم.
وأنا فعلًا ممتنة جدًا لهذه المنصات لأنها أتاحت لي الانفتاح على الكثير من التجارب الإبداعية، وجعلتني أتفاعل مع العديد من الناس من مختلف المشارب والتوجهات مما يستحيل تحققه بدون هذه الفضاءات المفتوحة على العالم. كما مكنتني من مشاركة كتاباتي واهتماماتي مع أصدقاء لم أكن لأحظى بهم خارجها. أنا ممتنة جدًا لتواجدي بها ولما قدمته لي عمومًا.