تمثل أعمال الفنان التشكيلي إدريس الجراح طاقة إبداعية متفردة تختزلها لوحات تأسر عيون المشاهدين. يستلهم الجراح أعماله من بيئته المحيطة، ويترجمها برؤية تشكيلية فريدة، حيث تحمل كل لوحة حكاية تعكس ثقافته، ويؤمن بأن الفن التشكيلي يعتمد في جوهره على المهارة اليدوية، التي تبرز قيمة ريشة الفنان وأحاسيسها ولمساتها الجمالية، وهي سمات لا يمكن للتقنيات الحديثة أن تصل إليها، بحسب الغد.
يعتمد الجراح في أعماله على توظيف خامات البيئة الأولية، مثل المعادن المعاد تدويرها "السكراب" والخشب، ليصنع أعمالا فنية تنبض بالحياة والابتكار. يستوحي إبداعاته من بيئته والظروف المحيطة، خصوصا القضايا والأحداث التي تشهدها المنطقة العربية، والتي تشكل هاجسا لديه.
ويرى أن الفنان يعيش في دوامة من التأمل والتدبر، ويؤمن بأن ما يحتاجه الفنان هو وقت كاف للتفكير وبلورة أفكاره ثم تحويلها إلى أعمال فنية تحمل قضايا ومعان.
نفذ الجراح أعمالا فنية تزينت بها معارض محلية ودولية، من خلال إنتاج اللوحات على مدار أكثر من ثلاثة عقود، التي انبثقت عن فن الجمال الذي جسده. مؤكدا أن الفنان لا ينشغل بإطار اللوحة بقدر ما ينشغل بشاعرية اللون كعنصر أساسي، إلى جانب الفكرة التي تشكل موضوع اللوحة.
يقدم الجراح جميع أعماله الفنية بقالب تشكيلي خاص به، يحمل إحساسه ويعبر من خلاله عن الفرح والحزن والطمأنينة، مع سرد بعض الحكايات بلغته التشكيلية. حيث يستخدم في أعماله رموزا تنسجم مع الألوان لتأكيد فكرته وتعميق مضمون العمل الفني. لوحاته تمثل عالمه الخاص، حيث تهمس الألوان وتحكي الحكايات بأسلوب يجسد الفن الراقي.
ساهم تعلقه بالفن التشكيلي في تطوير إحساسه بالحياة والواقع، خلال ثلاثة عقود ونيف من الزمن، إذ كرس إمكاناته في عمل المجسمات. واقتنع بجماليتها حين اكتشف نفسه في بناء المجسمات كفنان تشكيلي، وفق ما أكده في سياق حديثه لـ"الغد". إذ وظف شغفه وحبه للفن في تنفيذ أعماله الفنية.
يختار تنفيذ العمل في عزلة تامة، محاولا تعميق الفكرة التي يسعى إلى تشكيلها في مفرداته الفنية، مبتكرا المواضيع المتنوعة في فن النحت الذي يحاكي الواقع. ويعبر من خلاله عن نبض الحياة، حيث تركز أعماله النحتية على الإنسان في كل حالاته، بهدف الارتقاء إلى مساحة أجمل.
يرى أن الفن هو أروع وسائل التعبير بالنسبة للمتلقي، ويسعى إلى تعزيز تجربته الفنية وإثرائها، مع العمل على تطويرها وتكوين اتجاه فني خاص به. وكذلك تقديم تجربة فنية ثرية ومتجددة، انطلاقا من قناعته بأن الفنان، مهما بلغ من مراحل تطور، يبقى في قرارة نفسه في حالة تجريب مستمرة، ويبحث عن الأفضل.
الجراح الحاصل على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة اليرموك، ودبلوم عال في الإدارة المدرسية من جامعة اليرموك، يقول: "تلك الحالة جعلتني أختار الفن التشكيلي، وخصوصا صنع المجسمات من خامات متعددة، ففيها خروج عن المألوف، وتتيح لي فرصة التعبير ومناقشة القضايا التي تهمني بأساليب متنوعة ومتجددة تتجاوز تركيبات الألوان السائدة، ويمكن استخدام مواد بسيطة من البيئة والاستفادة منها لتكون إبداعية تعبيرية فريدة".
ويؤكد الجراح الذي يدرس في معهد إربد للفنون الجميلة التابع لوزارة الثقافة، أن الفن موهبة، ولا يمكن للأكاديمي أن يكون فنانا ما لم يكن موهوبا منذ البداية. وعليه تطوير مهاراته ومفاهيمه الفنية، وإيصال رسالته من خلال أعماله.
يمارس فن تجسيد المجسمات بأساليب تعكس قناعاته الفكرية، الوجدانية، والروحية، في صياغات ومعالجات فنية تتناغم مع متطلبات الإبهار البصري. إذ يسعى من خلال أعماله إلى جذب المتلقي أو المشاهد، ليغوص في بحر الفكر ويتوه في أعماقها، مستكشفا خيوطها حتى يدرك الرموز التي تحملها فكرة العمل.
وأوضح الجراح في حديثه لـ"الغد"، أنه يبحث عبر التقصي، والإنتاج في عالم الفن التشكيلي، معتمدا على الفكرة التي يعتبرها أساس الإنتاج. فلا وجود لفن حقيقي إلا من أجل المجتمع الذي يمتلك الذائقة الفنية، ويملك القدرة على تقييم العمل بالقبول أو الرفض.
ويذكر أن الفنان إدريس الجراح الذي عمل مدرسا للتربية الفنية في مدارس وزارة التربية والتعليم له معارض شخصية، مشتركة وجماعية، ولعل معرضه الذي حمل عنوان "مزارات"، يبرهن على قدرته في توظيف البيئة بأسلوب تشكيلي جمالي، وذلك من خلال تجسيده لبيوت مدينة إربد وحاراتها وأزيائها، وبعض المهن التي تشتهر فيها الأرياف، مازجا في أعماله بين الانطباعية والتجريدية والرمزية وفن (الكولاج)، من خلال تعدد الخامات التي يستخدمها.
أما فيما يتعلق بمعرض "سكراب"، فقد تضمن مجسمات مصغرة من المواد التالفة والمهملة من الخشب والمعادن وغيرها، بإعادة تدويرها.