دمشق- القاهرة - كان رضا الخضر في الخامسة عندما تمكّن من الفرار مع والدته من مدينة حمص المحاصرة من القوات الحكومية السورية في العام 2014. وبعد عقد، لا يزال غير قادر على التصديق أنّ الحكومة التي قتلت والده قد سقطت.
بقي رضا مع والدته في سوريا حتى العام 2017، ثمّ غادرا إلى القاهرة. ويقول الفتى الذي أصبح في الخامسة عشرة: "سنرجع إلى سوريا التي تحرّرت"، مضيفا لوكالة فرانس برس من القاهرة "ذكرياتي ليست كثيرة عن سوريا".
لا يزال رضا غير مصدّق أنّ الهجوم الخاطف الذي نفّذته فصائل المعارضة أطاح حكم عائلة الأسد الذي استمرّ خمسة عقود. ورغم فرحته، يعرب عن حسرة لفقدان والده "في العام 2014"، موضحا أنّه "تمّ تأكيد وفاته العام الماضي". ويضيف "كنّا نتمنّى أن يكون في أي سجن في سوريا، ليته كان بين" هؤلاء الذين حرروا من السجون.
يصف رضا نفسه بأنّه جزء من "الجيل الجديد"، ويقول بإصرار "سنعيد بناء سوريا، سنعيد بناءها مجدداً وأفضل من السابق".
منذ العام 2011، عندما تحوّل قمع الأسد للاحتجاجات الشعبية إلى نزاع مسلّح، لجأ حوالى 1,5 مليون سوري إلى مصر، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة بالاستناد إلى بيانات الحكومة. ومن بين هؤلاء، هناك حوالى 150 ألف لاجئ تقريبا مسجّلين لدى الأمم المتحدة.
في غرب القاهرة حيث انشئت العديد من المحال والمطاعم السورية، طغت الاحتفالات على الأجواء الأحد.
وقال مدير أحد المطاعم إنّ الموظفين "فرحون للغاية، نصفهم لم يحضر إلى العمل". واضاف لفرانس برس بينما كان مسرعا لتلبية طلب أحد الزبائن "لقد أمضوا الليل يحتفلون. والآن نعاني نقصا في الموظفين".
- أول وجبة في دمشق -
أمضى محمد فراس (32 عاما) الموظف في مجال المبيعات في متجر مجاور، الليل بطوله حتى وقت متأخر من بعد ظهر الأحد وهو يتابع الأخبار. وقال لفرانس برس "سأرجع الآن، أنا بعيد من أهلي منذ 13 عاما".
مثل كثر، غادر محمد البلاد عندما كان في التاسعة عشرة عبر الحدود هربا من الخدمة العسكرية الإجبارية.
بصوت ملؤه الحماسة اضاف "يسألني أهلي الآن ماذا تريد من طعام عندما تأتي إلى دمشق".
بالنسبة لآلاف من أصحاب الأعمال السوريين الذي أسسوا تجارتهم في مصر واستقرّوا فيها، فإنّ العودة إلى سوريا "مؤكدة مئة في المئة ولكن ليس الآن"، وفقا للشيف محمد الشامي (36 عاما). وأوضح لفرانس برس أنّه سينتظر "أن تتبلور الأمور وأن يصبح الوضعان السياسي والاقتصادي ثابتين".
واشار محمد الذي كان يدرس إدارة الأعمال في سوريا قبل العمل في أحد المطاعم في القاهرة، إلى أنّ منزل عائلته دُمّر بالكامل بسبب القصف، ولكن "سنبنيه من جديد".
- "ليته كان حياً" -
يُدرك الشامي وغيره ممّن قابلتهم فرانس برس، حجم التحديات المنتظرة، ولكنّه يُظهر ثقة بالمواطنين السوريين المنتشرين حول العالم.
ويقول "هذا اليوم كان منتظرا، كنت أتخيّل أنّه سيأتي وكان الأمل موجودا... لا يوجد أيّ خوف"، مضيفا "لست خائفا لأنّ سوريا مرّت بأسوأ حالاتها، لا يمكن أن يأتي ما هو أسوأ".
شوكت أحمد (35 عاما) الذي يعمل مديرا لمتجر للحلويات، يعبّر أيضا عن سعادته. ويقول "من ذهب لن يعود إن شاء الله"، مشيرا في الوقت ذاته إلى "مخاوف من أن تعم فوضى".
يوضح شوكت أنّه عندما علم بسقوط الأسد، تساءل على الفور "أين هو؟ هل قتلوه ام فر؟.
رغم التعبير عن الفرح، أبدى بعض السوريين شعورا بغصّة وحزن. ومن هؤلاء ياسين نور (30 عاما) الذي يقول إنّه أمضى نصف عمره "في دمار وقتل وتشريد وترهيب للناس وقصف".
ويوضح الشاب المتحدر من مدينة حلب لفرانس برس "هناك فرح وسرور ولكن في الوقت ذاته أتمنى لو كان صديقي الذي نادى بالحرية قبل نحو 15 عاما، لا يزال حياً ليشهد هذه اللحظة".
بالنسبة إلى المصريين الذين اعتادوا العيش مع السوريين، فإنّ الاحتفال يمتزج بشعور بالسعادة والمرارة في الوقت نفسه. ويقول أحد الزبائن المصريين لبائع حلويات سوري "لا يمكنك أن تتركنا الآن".
وبعدما ناوله البائع عيّنات مجانية وصفها بـ"حلويات النصر"، وعده قائلا "ستزورنا في سوريا الحرة".