
غزة - بهاء طباسي - غارة إسرائيلية على منزل محمد عرفات، من سكان حي الشجاعية، شرقي غزة، حولت حياته إلى جحيم، فبين ليلة وضحاها أصبح قعيدا، لا يقدر على الحركة دون كرسي متحرك، بعدما قضى 7 أيام تحت الركام، حيث استُشهد والداه وبعض من إخوته.
الشاب الثلاثيني الفلسطيني اضطر أن ينزح برفقة اثنين من إخوته إلى جنوب غزة، ليستقر في مركز إيواء لذوي الإعاقة بالقرب من شارع صلاح الدين شرقي مدينة دير البلح، حيث تنشط العمليات العسكرية لجيش الاحتلال.
7 أيام تحت الأنقاض
يسترجع محمد، ذكريات اليوم المشؤوم، عندما كانت عائلته تعد طعام الفطور في بيتهم، قبل أن يباغتهم قصف جوي إسرائيلي، خلال الأيام الأولى لحرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ليستشهد أبوه وثلاثة من إخوته، ويتعرض هو لإصابة شديدة، ويقضي 7 أيام تحت الأنقاض، قبل أن تتمكن فرق الدفاع المدني من إنقاذه، ليجد نفسه معاقا يعاني من كسور في الفك، وتمزق في الأمعاء، وتهتك في أعصاب القدم.
ونزح محمد إلى مستشفى الشفاء، بعدما طلب الاحتلال إخلاء حي الشجاعية، ولكن آلة البطش الإسرائيلية طالت المستشفى الواقع في مدينة غزة أيضا، ما دفع الشاب الفلسطيني إلى النزوح جنوبي غزة، حيث الأمان المزعوم، لتبدأ معاناته الحقيقية مع التشريد في الشارع، حيث لا منزل أو خيمة تظله وإخوته.
يقول محمد لـ«القدس العربي»: «قبل أن أصل إلى مركز إيواء ذوي الاحتياجات الخاصة، كنت أقيم في الشارع مع إخوتي، ولم تنته المعاناة مع وصولي إلى المخيم، حيث لم أجد دورات مياه تسع وتناسب أصحاب الظروف الخاصة مثلي. وأعاني للحصول على المياه الصالحة للشرب، ناهيك عن الحر الشديد والحشرات في الخيام غير المجهزة إطلاقا».
دواء غير متوفر
يشير الشاب الفلسطيني إلى أن جسده الممزق جراء القصف يحتاج إلى جراحات وتدخلات طبية عاجلة بين الحين والآخر، ولكن دائما ما يبلغه الأطباء في مستشفى شهداء الأقصى أن الدواء لحالته لا يتوفر في قطاع غزة، بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر، ومنعه دخول المساعدات الإنسانية وبينها الأدوية والمستلزمات الطبية. ويعقب: أحتاج للعلاج في الخارج، كي أعود مثلما كنت.
ويناشد، المجتمع الدولي، النظر إلى ذوي الإعاقة في غزة، والضغط على سلطات الاحتلال من أجل تسفير من يحتاج منهم للعلاج في الخارج، وتوفير الحياة الإنسانية الآدمية لمن سيبقى منهم في قطاع غزة، فيما يتمنى انتهاء الحرب على قطاع غزة، كي يعود الناس إلى حياتهم الطبيعية الآمنة الخالية من القصف والقتل والتشريد.
معاناة ذوي الإعاقة
ويعيش ذوو الاحتياجات الخاصة، معاناة إنسانية كبيرة في غزة، في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع، حيث يُجبرون على النزوح المستمر، بينما لا تتوافر وسائل مواصلات لنقلهم بكراسيهم المتحركة أو العصي التي يتكئون عليها إلى مناطق قد تكون آمنة.
أماكن النزوح تفتقر لدورات مياه تناسبهم… وناشدوا المنظمات الإنسانية مساعدتهم
ورغم جهود المنظمات الأهلية الخيرية لتوفير مراكز إيواء لذوي الإعاقة، إلا أنها تبقى وسط الحرب والحصار الخانق على غزة غير مجهزة ولا مناسبة لاحتياجاتهم، فضلا عن أنها تعاني مثلما سائر مخيمات النزوح من شح في المياه والطعام وضروريات الحياة الأساسية.
محمد الداية، كان يتوقع أن يجد راحته في مخيم الأمل لذوي الإعاقة في دير البلح، لكنه صُدم من نقص المياه والطعام ورداءة الخيام ودورات المياه، بجانب عدم الشعور بالأمان، بسبب القصف المتواصل في المناطق المحيطة في شارع صلاح الدين.
يقول الشاب المصاب بإعاقة حركية لـ«القدس العربي»: «المكان غير مناسب للحالات الخاصة مثل المعاقين وللأولاد والعائلة كلها، فلا توجد دورات مياه مريحة، والحمام المتاح في المخيم موجود أعلى عتبات، وتضطر زوجته لحمله، كي يستطيع الوصول إليه، والخيام معتمة». معقبا: «بدي حمام ملائم لي، إضاءة في الخيمة ومياها نظيفة للشرب والاستحمام».
ويناشد الأب الفلسطيني، المنظمات الدولية الإغاثية العاملة، تمهيد أرضية مخيم الأمل وتوفير كرسي كهربائي له، كونه أرهق أطفاله، الذي يقومون بدفعه وحمله باستمرار، مع توفير راتب شهري له من أجل حياة كريمة لأسرته، وسط انتشار الفقر والبطالة في قطاع غزة بعد نحو عام على حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
أصبحنا عبئا على أسرنا
ومثله يشعر عبد الرحمن أبو مهادي، النازح من وسط قطاع غزة، أنه أصبح عبئا على والده إخوته، الذين كانوا يحملونه من سيارة إلى سيارة ومن كرسي متحرك إلى آخر عادي، أثناء رحلات النزوح، بدءا من مخيم النصيرات مرورا بمدينة رفح وبلدة الزوايدة، وصولا إلى مخيم ذوي الإعاقة.
ويعاني عبد الرحمن أيضا من أرضية مخيم الأمل غير المستوية وعدم وجود دورات مياه كبيرة ومناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن عدم توافر المياه النظيفة.
ويقول لـ«القدس العربي»: «50 أسرة في المخيم تتشارك في حمامين فقط، الأرض خربانة، ومياه الشرب ملوثة».
ويتمنى من المنظمات الدولية تلبية سبل الراحة للمعاقين في قطاع غزة، وإعطائهم حقوقهم كاملة، في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 11 شهرا.
ويضيف: «الحرب أخذت كل حقوقنا، وتركتنا عرضة للقتل والتشريد، ونحن لا نقدر على ذلك، فنحن لسنا مثل البشر العاديين يمكننا كثرة التنقل، حتى البشر العاديين لا يمكنهم تحمل هذا الظلم».
حافي القدمين
وببكاء الأب المكلوم يقول ياسر حجاج، من سكان مخيم الشاطئ، إنه نزح من مدينة غزة إلى المنطقة الوسطى، التي ادعى الاحتلال أنها آمنة، وبرفقته ابنه المصاب بمتلازمة داون، وبسبب ارتفاع الأسعار نتيجة الحرب أصبح لا يستطيع توفير احتياجات ابنه.
يقول الأب الفلسطيني: «ابني في حاجة إلى احتياجات خاصة، وفي حاجات احنا مش قادرين نوفر له إياها، ابني لو اشتهى البسكوت كنا نشتريها بنصف شيكل، الآن أصبح سعرها 3 شواكل، في كل مستلزماته مش عارفين نوفر لها أي شيء، لا ملابس ولا أحذية ولا أي أشي».
وبعدما أخبره القائمون على مخيم الأمل بتخصيص خيمة لأسرته، حيث سيتوافر له كل شيء لراحة نجله، اتجه إلى المخيم الكائن في منطقة خطرة قرب شارع صلاح الدين، إلا أنه فوجئ بعدم توافر أي وسيلة لراحة لابنه، حتى المياه النظيفة غير متوفرة، ودورات المياه غير موجودة.
ويوضح لـ«القدس العربي»: «أعاني هنا رفقة أسرتي في المخيم، ففي الصباح يصطف النسوة بالطوابير على الحمامات، ولا توجد مياه للشرب، ولا توجد فرش ولا أغطية ولا ملابس، بالإضافة إلى تحذيرات القائمين على المخيم من الخروج من المخيم بسبب القصف المحيط به».
ويستكمل: «كان ابني يذهب إلى جمعية مختصة بالعناية بأطفال متلازمة داون شرقي مدينة دير البلح قرب الحدود الشرقية، كنت أدفع له 350 شيكلا من راتبي».
ويردف: «لكن الآن، لا يتوافر له تعليم ولا أي شيء، ابني أصبح الآن يلعب في الشوارع حافي القدمين، ابني لما كان يذهب إلى الجمعية كان متحسنا كثيرا أما الآن فحالته متدهورة تماما».