الجمال أولا : صالون تجميل في بلدة أوكرانية آخر متنفّس للسكان وسط المعارك

أ ف ب - الأمة برس
2024-09-29

مارينا سكرومنايا (يسار) تقص شعرها في صالون تجميل في بوكروفسك الاوكرانية في 21 أيلول/سبتمبر 2024 (ا ف ب)
بوكروفسك (أوكرانيا) - تبدي مارينا سكرومنايا استعدادها لمواجهة التفجيرات التي تطال بوكروفسك، وهي مدينة في شرق أوكرانيا تهاجمها القوات الروسية، بهدف قص شعرها في صالون تجميل.
وتقول المرأة البالغة 57 عاما، "عليّ أن أبقى جميلة لا أن أشبه بابا ياغا"، في إشارة إلى ساحرة مخيفة من الحكايات السلافية.

وأصبحت عيناها الزرقاوان محاطتين بقصّة شعر قصيرة جديدة، قبل أن تقف الأوكرانية ذات القوام النحيف لمعاينة النتيجة في المرآة، ثم ترفع إصبعيها في حركة تشير إلى علامة النصر.

ويُعدّ صالون التجميل هذا أحد آخر مؤشرات الحياة الطبيعية المتبقية في بوكروفسك، مع أنّ صوت مجففات الشعر والمقصات بالكاد يُسمع في ظل ضجيج المعارك، على بعد حوالى سبعة كيلومترات.

والقوات الروسية عازمة على السيطرة على هذه البلدة الواقعة في دونيتسك، والتي تُعدّ أساسية للوجستيات الجيش الأوكراني.

وبات العيش في بوكروفسك خطرا جدا لدرجة أن المسؤولين يحضون السكان على إخلائها، وقد فرضوا في ذلك اليوم حظر تجوّل من الساعة 15,00 حتى 11,00، مما ترك للمدنيين أربع ساعات فقط للتنقل وشراء مستلزماتهم اليومية.

ولم يبق في المنطقة التي كان يقطنها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 نحو 60 ألف شخص، سوى 16 ألفا فقط، بحسب السلطات.

وتستعد مارينا سكرومنايا للرحيل، لكنها لا تتصوّر مغادرة المنطقة من دون قص شعرها في صالونها المفضل، ولا تأبه لاضطرارها للمشي 40 دقيقة، بما أنّ شبكة النقل العام أصيبت بشلل نتيجة الحرب.

وتقول المرأة الخمسينية لوكالة فرانس برس "يمكنك دائما المشي والاستماع إلى الموسيقى، والشعور بجمالك".

- "الوفاة بشعر غير مرتب" -
لكنّ المشي في بوكروفسك لا يبعث على الاسترخاء. وتقول سكرومنايا وهي تلوح بيديها "وقعت انفجارات هنا، وأخرى هناك، ودائماً ما تُسجّل انفجارات".

ورغم ذلك، يعجّ صالون التجميل بالزبائن.

ومنهم مَن يتوسّل للحصول على موعد خلال الفترة القصيرة التي لا يكون فيها حظر التجوّل مطبّقا.

وتقول إحدى الزبونات "انظروا إلي، أبدو كمتسوّلة!" رافعة قبعتها ليظهر شعرها وهو بأطوال غير متساوية نوعا ما.

وتعبّر ناتاليا غيداش، وهي موظفة، عن أسفها لعدم إعطائها موعدا.

ويوفر الصالون الصغير مشاهد غير واقعية من واقع الحرب هذا. لكن شعبيته تظهر إصرار الأوكرانيين على التشبث بآخر آثار حياتهم السابقة في بوكروفسك، كما في مدن كثيرة أخرى تعرضت للقصف وباتت مهجورة إلى حد كبير.

وتقول ناتاليا غيداش (32 عاما) إنّ "الحرب ليست سببا للاستلقاء والموت بشعر غير مرتّب وأظافر طويلة وقذرة".

وتضيف "بعيدا عن المظهر، يحضر الناس إلى الصالون رغبة منهم في التواصل مع الآخرين".

وتقول إنّ "بعض الناس يتحدثون عن مشاكلهم"، في حين أن آخرين "يشاركوننا بمزحات قليلة".

ويشعر يوري تشابليغويني (54 عاما) بأنّه وسيم بعد قصة شعره. وتبزر ابتسامتها بعض أسنانه الذهبية.

يقول سائق القطار ذو الصوت القوي "ثمة أجواء جميلة، يمكنك شرب القهوة أثناء انتظار دورك".

إيرينا مارتينوفا في صالون التجميل الخاص بها والذي اضطرت لإغلاقه في بوكروفسك الأوكرانية بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر 2024 (أ ف ب)
ولن يُغلق الصالون الذي افتتح قبل خمس سنوات أبوابه إلا إذا لم يترك تقدّم الجنود الروس أي خيار آخر، على قول مالكته ليودميلا كوفاليفا.
وتتساءل ناتاليا غيداش "كيف تتوقف عن العمل والناس ينتظرونك؟".

- "سأرحل" -
وحتى لو أنّ عدد الزبائن لا يزال كبيرا في الوقت الراهن، من غير الممكن أن يستمر ذلك، فالخطر يتزايد والسكان يغادرون تباعا.

واضطر صالون آخر في الحي تديره إيرينا مارتينوفا، شقيقة لودميلا كوفاليفا، إلى إغلاق أبوابه.

لقد أثرت مغادرة السكان للمنطقة على معدل زبائنه، ولم يعد يضم راهنا سوى أرفف مغطاة بالبلاستيك، فباب مدخله تضرر جراء عمليات القصف.

وتشير إيرينا مارتينوفا إلى المكان الذي كان يأتي إليه الزبائن منذ فترة غير بعيدة، لإزالة الشعر عن أجسامهم أو إزالة الوشم أو وضع ماكياج دائم.

ولا سبب لبقائها في البلدة من دون صالونها. وتقول دامعة "لقد اتخذت قراري، سأرحل".

واتصل بها بعض زبائنها الذين باتوا منتشرين في مختلف أنحاء أوكرانيا، ليسألوها عن المكان الذي ستذهب إليه.

وتقول "إنه شقى عمري، وأكثر عمل أحب ممارسته، وبتُّ محرومة منه"، مضيفة "إنّ نفسي أصبحت مجرّدة".









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي