النحات العراقي علي رسن: مجابهة النحت ومواصلة التجديد

القدس العربي - الأمة برس
2024-06-21

من  أعمال النحات علي رسنخضير الزيدي*

ثمة ما يشار له نقديا في مجمل أعمال النحات علي رسن، وأولى تلك الإشارات تكمن في إرادته القوية لكسر قيود النحت، التي تجعله مستلبا وغير قابل للتوظيف، واللافت في منجزه انه يصر دائما على تقديم ما يراه تصورا إنسانيا يليق بمرحلتنا، من حيث استلاب حرية الفرد والفوضى والدمار النفسي الذي نعيشه ومن هنا بدت منحوتاته ذات توظيف حي قابل للقراءة وفقا لوثوقياتها وكنايتها المدهشة، وقد مهدت أعماله الخاصة بالوجوه والكراسي وأشكال المعاطف والجنود إلى طاقة رمزية فاعلة نرى من خلالها ما يجول في نفسية علي رسن، لقد اتخذت تلك المنحوتات بما فرضته من طاقة تعبيرية لمحات مضيئة، وتأكيدا على جوانب وجود فن قابل للتوظيف، وربما سنقف عاجزين من خلال دهشتنا أمام ما يتوارثه من حقائق واشتغال رمزي وتعبيري صارخ.
علي رسن خبر فعل النحت وتعامل مع مواده الخام بحساسية وذائقة حريصة نجده مليئا بخطاب تعبيري، لا يستبدل طاقة فهم النحت بعيدا عن إدراكه بأن التلاعب مع المواد الخام تحتاج لمهارة وذائقة ومحاولات تتعارض مع المتجاور والموجود من الفن، إنه يمتاز بثقة وهو يمارس فاعليته في بث التعبير الفني عبر وجوه منجزاته النحتية، فلا نستغرب إذا وجدنا الغالب منها منكسرا ومشوها ومليئا بالرتابة والذهول والمأساة، فنحاتنا لا يجمّل القبيح ولا يخدع المتلقي بغير ما موجود من مأساة أمام عينيه، لهذا نبصر منحوتات هذا الفنان وهي تحاكي المجتمع وتمثل لحظة هي في الأساس ضرورة وجود والتحام بين الإنسان والواقع المفروض عليه وفق هذا الاعتقاد، أرى أن التحول الأسلوبي لديه مرهون بتقديم الجديد الذي لا يخفق في إعلاء شأن الإنسان وقضيته مع التأكيد على نسف ثوابت رتابة فعل النحت، وهذان الأمران نجدهما في مجمل معارضه مع وجود نوع من البناء السردي لمنحوتاته، سواء جاءت بشكل منفرد أو مجموعة أعمال تنتمي لوحدة خطاب موضوعي، فما يقع على عاتق الفنان سنجده في تباين أحداث قصص (وجوه أعماله التي بدت أكثر استلابا) إنه يمنحنا نماذج قابلة للتشكيك لأنها تقر بوجود اختبار من نوع خاص لوجودنا أمام الطبيعة وهول الأحداث المدمرة، جراء الحروب والاقتتال، وعليه سيأخذنا القول إلى أن قوة إدراكه لم تأت من فراغ، بل انتمت لعنصر الجانب الفكري والعاطفي والحسي، وبواسطة هذه العناصر تمكن من صنع منجز نحتي، صمم بشكل لافت.

من  أعمال النحات علي رسن
فإذا كانت مبادئ تنظيم العمل النحتي تنتمي إلى التوازن وقراءة النسب والحركة والتضاد، فإن ما يميز قدرته في الاشتغال الفني، إنه يبتعد عن الحرفة والتقليد في صناعة الأشكال النحتية للوصول لطاقة جمال وتعبير مغاير، وهكذا سيكون نتاج علي رسن قابلا لتعدد القراءات النقدية على عدة مستويات، أولهما يكمن في إرادته في الإتيان بالجديد في الاتجاه النحتي، مع دقة تنظيم تجعله ماهرا في صناعة أشكال تؤدي مفهومها بعيدا عن الغموض، علما أن الغالب من تصاميمه كانت موحدة يمكن تنظيم الكتل والأحجام بعوامل لها خصائص ثابتة فسنجد البساطة في التكوين ودقة في التوزيع، وتوصف أشكاله بأنها تتضمن كتلا شاملة يمكن رؤيتها في تقارب، فقد نجح علي رسن في أكثر معارضه الشخصية في إيجاد وحدة موضوعية لما تتضمنه المنحوتات وأصبح النظر إلى مبادئ تنظيم منحوتاته متعددة، مع أنها تخضع لاستيعاب شامل لموضوع وحدة التصميم والبناء، لقد لفت انتباهنا توزيع الكتل والأحجام وهي متساوية، وغالبا ما تتصف بالطريقة السليمة من حيث البناء الهندسي فهذا الأمر لم يكن وليد صدفة، بل جاء عبر دراسة ومهارة وعمل يأتي عبر الهدوء النفسي والتفاعل مع العمل الذي انبنى على تأسيس وقواعد صارمة.

*كاتب عراقي 









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي