في الضفة الغربية والدتا فلسطينيين قتلوا برصاص إسرائيلي أو اعتقلوا ترويان حزنهما

ا ف ب - الأمة برس
2024-03-08

لطيفة أبو حميد (74 عاما) وسط صور أبنائها في منزلها في رام الله بتاريخ 29 شباط/فبراير 2024 (ا ف ب)

الضفة الغربية - تروي لطيفة أبو حميد أنها رسمت طريق العلم والدراسة لأولادها، لا طريق الموت والسجن، وتقول بحزن "لا توجد أمّ تريد لابنها أن يقبع وراء القضبان أو أن يقتل".

وللطيفة أبو حميد (74 عاما) ابنتان وعشرة أبناء دخلوا جميعهم السجون الإسرائيلية، أربعة منهم لا يزالون معتقلين منذ 22 عاما محكومين بمؤبدات عدة، وخامس توفي في السجن قبل 14 شهرا، لكن جثمانه لا يزال في حوزة الإسرائيليين.

في العام 1994، قتلت القوات الإسرائيلية ابنا آخر لها اتهمته الدولة العبرية بالمشاركة في عمليات تسبّبت بقتل إسرائيليين.

هُدم بيتها في مخيم الأمعري ثلاث مرات. وفي النهاية، صادرت السلطات الإسرائيلية الأرض التي كان المنزل مقاما عليها. فأعطاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيتا في مدينة رام الله.

وتقول أبو حميد "حلم كل أمّ أن يتعلّم أبناؤها ويهتموا بمصالحهم.. ويكوّنوا أسرا... ليس هناك أم تقول لابنها اذهب واضرب".

لكن الأولاد بالنسبة إليها هم أبناء مجتمعهم. "يعيشون الواقع. عندما يشاهدون أما وأبا يُضربان أمامهم ويشاهدون مئات الجنود المدججين بالسلاح يقتحمون المخيم أو القرية أو المدينة ويعيثون فيها فسادا، فإن ذاكرتهم تختزن الأحداث أكثر من الكبار، ويرسمون طريقهم نتيجة لذلك".

في صالون منزلها، تنتشر صور جميع أبنائها. تنظر إليها وتقول "أنا لا أنام. أحاول أن أضع رأسي على المخدّة في التاسعة ليلا، لكنني لا أستطيع النوم إلا مع اقتراب ساعات الفجر من كثرة التفكير".

وأصبح الوضع أكثر صعوبة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي. وتقول جمعيات تتابع أوضاع المعتقلين الفلسطينيين وعائلات هؤلاء إن السلطات الإسرائيلية شدّدت التدابير منذ بدء الحرب ومنعت الزيارات واستعمال الهواتف الخلوية والتلفزيون.

وتقول أبو حميد "في هذا الوضع، أبنائي الذين داخل السجن لا أملك أي معلومة عنهم، نحن نسمع أن أسيرأ قد استشهد او أن هناك أسيرا مريض"، وهذا يزيد من قلقها.

وتتابع "في الصباح، أفتح غرفة الصالون، ألقي التحية على أبنائي واحدا تلو الآخر، أتكلّم معهم، أسالهم عن أحوالهم وأحدّثهم عن أخباري. وأترحّم على ابنَي".

وتضيف "أنا أبدو متماسكة وقوية وإيماني بالله كبير، إنما هناك حزن وألم شديدان".

واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في العام 1967. ورغم اتفاقات السلام التي أبرمت بعد سنوات طويلة بين الفلسطينيين وإسرائيل بوساطات دولية، لم تر الدولة الفلسطينية التي كان يفترض أن تؤول اليها هذه الاتفاقات والتسويات، النور. ولم تتوقف أعمال العنف يوما. وشهدت الأراضي الفلسطينية تراجعا في وتيرة أعمال العنف حينا وتصعيدا غالبا. وتواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة لملاحقة "مطلوبين" و"إرهابيين". وغالبا ما تتخلل هذه العمليات مواجهات واشتباكات مسلحة.

ويبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين حاليا في السجون الإسرائيلية 9100 سجين، بحسب نادي الأسير الفلسطيني. ولا يشمل الأسرى الذين اعتقلوا في غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

في القلب

وتقول ابتسام حسين هزاع (53 عاما) إن السابع من كانون الثاني/يناير "سيبقى يوما موسوما في قلبي الى الأبد".

في ذلك اليوم، فقدت هزاع أربعة من أبنائها في لحظة واحدة بصاروخ من مسيرة إسرائيلية في جنين في شمال الضفة الغربية. 

تتحدث هزاع عن ذلك اليوم "استشهدوا عند مدخل القرية. اتصل أحد أبنائي وأبلغني بأن شقيقه استشهد... حاولت الاتصال بهواتف أبنائي النقالة، لم يجبني أحد. أيقظت ابني الصغير لنذهب معا لنتفقّد ما حدث، لكنه سبقني. لحقت به وفي الطريق أغمي علي. ذهبت الى المستشفى وأغمي علي مرة أخرى عندما رأيتهم".

وتضيف أن الخبر تسبّب لها "بجلطة على الذراع الأيسر والساق اليسرى".

وتتابع "أتضرّع الى الله ألا يضع أي أم في نفس موقفي".

وروى شهود "أن سبعة أشخاص كانوا يجلسون على طاولة في مقهى يتجمّع فيه العمال في ساعات الصباح الباكر عندما ألقت مسيّرة إسرائيلية صاروخا قتل فيه ستة فورا وجرح السابع بجروح خطرة"، وما لبث أن توفي.

بين القتلى الأشقاء الأربعة درويش (29 عاما) وهزاع (27 عاما) وأحمد (24 عاما) ورامي (22 عاما).

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي تعليقا على هذا القصف لوكالة فرانس برس "ألقت مجموعة إرهابية (في ذلك اليوم) عبوات ناسفة خلال عملية لقواتنا في مخيم جنين فأصيبت سيارة تابعة لحرس الحدود الإسرائيلي، ما أدّى إلى مقتل جندية وإصابة عدد من الجنود".

وأضاف "تمّ التعرّف على المجموعة واستهدفتهم مسيّرة وشلّت حركتهم".

وتقول أم علاء إن أولادها لم يتورطوا في أي عمل عسكري.

وتضيف المرأة التي قامت بتربية أبنائها وبناتها التسعة وحدها لأن زوجها يعيش في الأردن، ولم تمنحه إسرائيل تصريح لمّ شمل، والتي كانت تعمل بالزراعة في إسرائيل مع أولادها قبل الحرب، "أردتهم أن يكملوا تعليمهم الجامعي، لكنهم اكتفوا بالتوجيهي. فالجامعات مكلفة جدا. علّمت فقط هزاع في معهد كهرباء حسب رغبته". 

ثم تقول بحسرة "لا أعرف كيف ماتوا؟ هل تألموا كثيرا؟".

وتؤرقها هذه الأسئلة. "أنا لا أنام ..بالكاد ساعتين. أصحو في الليل وأصلّي. أتذكّر كيف ودّعتهم، أفتح ألبومات صورهم، وأنظر اليها لساعات".

وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر إثر هجوم غير مسبوق لحماس على إسرائيل، وقتل فيها أكثر من 420 فلسطينيا، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وتسبب هجوم حماس بمقتل أكثر من 1160 شخصا في إسرائيل، غالبيتهم مدنيون، وفق السلطات الإسرائيلية.

وقتل في الرد الإسرائيلي على قطاع غزة 30878 شخصا على الأقل، معظمهم مدنيون أيضا، وفق آخر حصيلة صادرة عن وزارة الصحة في القطاع الجمعة. 

أصعب اللحظات في رمضان

وتزور أم علاء مقبرة البلدة حيث دفن أبناؤها يوميا "أزرع الورود على قبورهم وأتحدّث معهم وأخبرهم بكل صغيرة وكبيرة... وكيف سأفتقدهم في رمضان".

وتقول لطيفة أبو حميد التي تأمل بأن يشمل أي تبادل رهائن ومعتقلين في هدنة قريبة في غزة أبناءها، "الوضع صعب في رمضان. عندما تجتمع العائلات، أكون وحدي. أنا لا أعمل سفرة رمضان، ولا أعمل شيئا. مجرّد صحن أضعه على الطاولة، آكل بقدر ما لي نصيب به فقط".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي