السلام في اليمن في مهبّ رياح التصعيد في البحر الأحمر

أ ف ب-الامة برس
2024-02-12

رجل مؤيد للحوثيين يضع على خصره الخنجر اليمني التقليدي ويحمل سلاحًا خلال مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في العاصمة صنعاء في السابع من شباط/فبراير 2024 (ا ف ب)   صنعاء- حرف التصعيد العسكري في البحر الأحمر قطار السلام في اليمن عن مساره في ظلّ جبهة مستجدّة مفتوحة بين الغرب والحوثيين، وسط ضغوط على واشنطن لتجنّب التصعيد وترقّب سعودي عن بُعد، وفق محللين.

وخلطت التطوّرات الأخيرة في منطقة البحر الأحمر أوراق السياسة في البلد الغارق في نزاع منذ حوالى عقد من الزمن، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من خواتيم مفاوضات دامت أشهراً بين السعودية الراعية للحكومة اليمنية من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران، من جهة أخرى، كادت أن تفضي مؤخراً إلى الإعلان عن خريطة طريق للسلام.

لكن مصير عملية السلام تلك باتت "في مهبّ الريح" في ظلّ هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، وفق ما يقول فارع المسلمي الباحث اليمني غير المقيم في معهد "تشاتام هاوس" البريطاني لوكالة فرانس برس.

قبل التصعيد في البحر الأحمر، كان طرفا النزاع يستعدّان للدخول في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة كجزء من خريطة طريق لإنهاء الحرب التي اندلعت عام 2014، مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد أبرزها العاصمة صنعاء. وتدخّلت السعودية العام 2015 على رأس تحالف عسكري دعماً للحكومة اليمنية، ما فاقم النزاع الذي خلّف مئات آلاف القتلى.

لكن حاليًا "لم يعد هناك مكان متاح لخيار السلام على طاولة النقاش في زحمة الاشتباك العسكري والسياسي"، بحسب الباحث ماجد المذحجي، وهو أحد مؤسسي "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية".

ويضيف "نتحدث عن انتقال الاشتباك من الأطراف المحلية في الصراع اليمني وتحديدًا جماعة الحوثيين إلى اشتباك مع أطراف دولية".

وجاء هذا التصعيد بعد فترة هدوء نسبي داخليًا منذ إعلان هدنة في نيسان/أبريل 2022، رغم انتهاء مفاعيلها في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه.

- واشنطن تحت الضغط -

وللمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في اليمن، دخلت القوات الأميركية والبريطانية في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، فقصفت ثلاث مرات منذ الشهر الماضي، مواقع تابعة لهم. ويشنّ الجيش الأميركي منفردًا بين الحين والآخر ضربات على صواريخ يقول إنها معدّة للإطلاق داخل اليمن. وأعلن الحوثيون السبت تشييع 17 عنصرًا في صفوفهم قُتلوا جراء غارات غربية.

تأتي هذه الضربات ردًا على هجمات ينفّذها الحوثيون منذ أكثر من شهرين، على سفن في البحر الأحمر وبحر العرب يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل في ما يعتبرونه دعماً لفلسطينيي غزّة حيث تدور حرب بين حركة حماس والدولة العبرية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

ويرى كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية محمد الباشا أنه "من غير المرجّح أن يدعم المجتمع الدولي خطة السلام في اليمن بسبب مخاوف من أن تشكل نوعًا من مكافأة للحوثيين على هجماتهم في البحر الأحمر".

فعلى العكس من ذلك، تسعى الدول الغربية إلى معاقبة الحوثيين مع إدراج الولايات المتحدة المتمردين اليمنيين على لائحتها "للكيانات الإرهابية"، وفرضها ولندن عقوبات على مسؤولين في صفوفهم، بدون أن يفضيَ ذلك إلى تغيير في سلوك الحوثيين.

لكن يبدو الوضع في غاية التعقيد بالنسبة للولايات المتحدة.

ويوضح  مدير قسم شؤون شبه الجزيرة العربية في معهد الشرق الأوسط جيرالد فايرستاين الذي كان سفيرًا أميركيًا سابقًا في اليمن، خلال لقاء عبر الانترنت نظّمه المعهد، أن "إضافةً إلى رغبتها في عدم التصعيد، فهي تتعرض أيضًا لضغوط كبرى كي لا تفعل أي شيء من شأنه أن يقوض مفاوضات" السلام مشيرًا إلى أن ذلك "يأتي خصوصا من السعوديين والأمم المتحدة".

- "اعد عن الشرّ وغنّي له" -

ولم تعلن المملكة الانضمام إلى تحالف بحري دولي شكّلته واشنطن، شريكتها الأمنية الرئيسية، لحماية حرية الملاحة في البحر الأحمر. وإثر الضربات الغربية الأولى على الحوثيين، دعت إلى "ضبط النفس" وشددت في الوقت نفسه على "أهمية الاستقرار" في منطقة البحر الأحمر.

ويرى المسلمي أن الرياض "ستشاهد من بعيد لأي درجة ستذهب واشنطن، لكنّها لن تخوض أي معركة مع الحوثيين إلا في حال استهدفوا أراضيها وهذا لا يبدو أنه على قائمة الحوثيين الآن"، منتهجةً سياسة "ابعد عن الشرّ وغنّي له".

ويضيف أن "السعودية هي في لحظة إقليمية ودولية تعمل لنفسها +إعادة تصدير+ بصفتها مصدرًا للحلول وليس طرفًا في أي مشكلة".

وأقرّ نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي في مؤتمر صحافي في الخامس من شباط/فبراير، بوجود "عوائق" في الطريق نحو السلام متّهمًا "أميركا وبريطانيا وبعض الذين تأثروا بهم من الأطراف اليمنية" (أي الحكومة) بافتعالها. لكنّه أكد أن "لدى الرياض وصنعاء الشجاعة لتجاوز هذه الصعاب".

من جانبها، تعتبر الحكومة اليمنية الضعيفة والتي يقيم معظم أعضائها في الرياض، أن الضربات الغربية غير كافية وتطالب بدعم عسكري غربي لقواتها للمساهمة في ليّ ذراع الحوثيين، في ما يبدو اقتناصًا لفرصة إقليمية ودولية نادرة.

ويلفت المسلمي إلى أن "الحكومة هي بالمعنى السياسي والدولي في لحظة قوية من ناحية الانطباع الدولي عنها"، لكنّه شكّك في إمكانية "أن ينعكس ذلك على الميدان".

ويقول فايرستاين "أظن أن فكرة بناء القوات المناهضة للحوثيين إلى مستوى يمكّنها من تجديد القتال، ببساطة غير واردة"، بالنسبة لواشنطن.

وإذ يشير المسلمي إلى أن "السلام في اليمن يتطلب التزامات دولية وإقليمية مختلفة عن تلك الموجودة الآن"، يحذّر من أن "الطريق إلى الحرب كان قد أُغلق" قبل التصعيد الأخير "أما الآن فالباب نحو الجحيم فُتح مجدّدًا على مصراعيه".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي