ازدهار قصص الحب في تاريخ السرد العربي

2023-11-29

عاطف محمد عبد المجيد

تفتتح عزة بدر كتابها «الحب في الرواية العربية» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب بقول سليم حسن، إن أول كتابة عن الحب تعود إلى الحضارة المصرية القديمة، فكان الشعر الغزلي معروفا منذ عهد الدولة الحديثة، ولا نزاع في أنه كان موجودا قبل هذا العصر بزمن بعيد، وهناك أغان غزلية يرجع أقدمها إلى الأسرة الثامنة عشرة، وتعد أوراق شستر بيتي، التي تحتوي على أشعار من عهد الدولة الحديثة من أفضل النماذج لهذه الكتابة عن الحب والغزل.

بدر تقول إن قصص الحب، ازدهرت في تاريخ السرد العربي في العديد من الكتب مثل «مصارع العشاق» و»الفرج بعد الشدة» للقاضي التنوخي، واعتمدت على مجموعة من القيم الفنية والأخلاقية، التي تؤكد معنى مهمّا، وهو أن مؤلفي هذا النوع من الكتب كانوا يختارون ما يتجاوب مع رؤيتهم الخاصة للحب، كما تذكر أنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون الجاحظ صاحب المحاولة الأولى في تحليل الحب ووصف مظاهره وآثار التطور الاجتماعي على مفاهيمه، مؤكدة أن التأليف في الحب ظاهرة امتدت بطول العصور.

المؤلفة تكتب هنا كذلك قائلة إن الفكر العربي قد عني بدراسة الحب، وإن تجليات الحب في الرواية العربية بدت قيمة روائية وموضوعا سرديّا إلى جانب كونه تقنية تلعب دروها في إنتاج النص وجمالياته، والكشف عن طبيعة النفس الإنسانية التي أولتها الرواية عناية خاصة على حد قول مصطفى الضبع.

أفضل عمل روائي

ومتحدثة عن أعمال اعتدال عثمان القصصية تقول بدر، إن قصصها تقدم بلغتها الآسرة محاولة من محاولات الفن لفهم الذات الإنسانية، وصياغة أشواقها ومخاوفها واكتناه أسرارها، فيما تقول عن رواية «وداعا صديقي المهرج» لسهير شكري إنها عناق جميل مبدع بين عالم الأدب والفن التشكيلي، بل والإفادة من فنون المسرح. وعن رواية جوخة الحارثي أول رواية لكاتبة عربية تفوز بجائزة مان بوكر لأفضل عمل روائي مترجم إلى الإنكليزية، إنها تهتم بالعوالم الداخلية لشخصياتها، خاصة النساء، وتتناول المسكوت عنه من المشاعر والخفايا التي تسكن الذوات الإنسانية لشخصياتها، من خلال سرد ممتع يتميز بالكشف عن التفاصيل المؤثرة في حياة الأفراد، التي ترتبط حتى بتطور العادات والتقاليد في المجتمع، فيما تتساءل الكاتبة في معرض حديثها عن ثلاثية أحلام مستغانمي: هل يحدث أن تنفرد مع ذاكرتك فتفكر بالحب الذي عبرك ببهجته ووحشته؟ هل يحدث أن تقع على رواية ثلاثية تغزوك حتى الألم فتقرأ نفسك بين سطورها، وترى وجهك بعد غياب، وتتلمس يديك وكأنك تعرفها لأول مرة وتصافحها بعد خصام؟ مضيفة أن هذه الروايات الثلاث توقظ ذاكرة الحب، لكنها تنتهي إلى التحديق في عتمة الحواس فتهدي لنا الحب كما قدمه الشعراء منذ الجاهلية وحتى الآن أطلالا أو وقوفا على أطلال.

هنا أيضا تتساءل بدر ماذا بقي من طعم الحب في هذه الروايات؟ وتضيف أن مستغانمي ترى أنه بقي درس الحب الذي هو توأم درس الجسد «إن الاشتهاء وحده حالة الامتلاك، أما المتعة فهي بداية الفقدان، والفضيلة ليست تجنب الرذيلة، وإنما عدم اشتهائها، فكيف يكون الاشتهاء وحده هو الامتلاك، والمتعة هي الفقدان؟ كما تقول إن رواية «حاجز أمواج» لفوزية مهران ورواية «لا تسرق الأحلام» لزينب صادق من أهم الروايات التي أبرزت الحب كطاقة إيجابية لتحقيق الذات والتفاعل مع المجتمع، مؤكدة، في موضع آخر، أن صورة المرأة في أدب صنع الله إبراهيم تتجسد في روايتيه «ذات» و»وردة» مشيرة إلى أن أحدا لم يهتم بأن يجلو لنا صفحة غامضة ومثيرة في حياة وأدب صنع الله، ألا وهي علاقته بالمرأة وصورتها في أدبه، وهي صفحة لا تقل إثارة عن عوالمه الحافلة بالسياسة وتجارب السجن والاعتقال السياسي، ولا تقل أهمية عن دراسة تكنيك الروائي المولع بالتأريخ والتوثيق.

حب قديم آسر

هنا أيضا تقدم الكاتبة غوصا في كتابات محمد ناجي وعلاقتها بالمرأة، كما تقول إن العلاقة بين الرجل والمرأة في أدب إحسان عبد القدوس قد شغلت حيزا كبيرا، فهو يقف متأنيا أمام تصوير دقائق هذه العلاقة في شتي جوانبها ويصور من خلالها قطاعات متعددة من المجتمع في دنيا السياسة، أو في محيط العلاقات الاجتماعية المختلفة، مضيفة أن إحسان عبد القدوس كتب روايات عديدة احتلت فيها مشكلات المرأة النصيب الأكبر، وهو في كل رواية يمس وترا حساسا في حياة المرأة المعاصرة.

ومتحدثة عن أعمال إدوار الخراط تورد الكاتبة تساؤله: هل الحب هو هذا النداء الذي لا رد عليه أبدا ولا ينقطع، لا يملك أنه يرده عنه مُلحّا، يصحبه في صحوته ونومه منذ أمد يبدو له قديما.. قديما، لا بد منه ولا تبدو له نهاية، ذاكرة أن وراء أسطورة الخراط التي ينحتها مع المرأة حب قديم آسر نازف يصفه في «رامة والتنين». كذلك تتناول الكاتبة هنا بالدراسة نوعا من الروايات التي تصفها بالصادمة التي تغوص في الواقع بجرأة وتكشف عن مناطق مسكوت عنها، منها رواية «برج العذراء» لإبراهيم عبد المجيد التي تثير العديد من الأسئلة منها، هل يُعبّد الحب طريقا للرواية العربية الجديدة؟ واصفة إياها بأنها رواية وحشية تدخلنا إلى أحراش النفس الإنسانية، ولا يفوقها إلا قساوة الواقع وعنفه وسطوته.

بدر في كتابها هذا الذي تقدم فيه قراءات لروايات ياسر شعبان، محمود حامد، نجلاء علام، سحر الموجي، عفاف السيد، نورا أمين، بهيجة حسين، وسمية رمضان، تقول إن الكتابة عن الجسد أصبحت ملمحا مميزا للكتابات الحداثية بشكل عام، لكن عندما مس قلم المرأة الأديبة هذه المنطقة الشائكة، اتخذ الأمر أهمية خاصة اجتذبت الكثيرين يدفعهم حب الاستطلاع إلى معرفة كيف تكتب المرأة عن الحب والجنس في رواياتها وقصصها، متساءلةً: هل أصبحت كتابات الجيل الجديد من الأديبات كالمرآة تعكس تصورات المرأة عن علاقتها بالرجل، وعن علاقتها بالجسد ذاته كفكرة وموضوع لانفعالات إنسانية تعبر عن الغضب أو السعادة أو عن أزمات الإنسان الروحية؟

كذلك نجد هنا قراءات لكتابات مي التلمساني، مي خالد، صفاء عبد المنعم، سهير المصادفة، رحاب إبراهيم، غادة نبيل قائلة عنها إنها كتابات خرجت من قوقعة الذات كما دخلتها بعمق، لتفتح الشرانق والقماقم، وتضع أصابعها العشر في فم الغول، تحدق لتعرف الحقيقة. إنها كتابات تكشف عن لحظات فارقة ومناطق معتمة ومجهولة من النفس الإنسانية لتجلوها وتضعها أمامنا في نسيج روائي خصب وشخصيات ثرية مرسومة بدقة ولغة خاصة مميزة، تعززها رغبة جريئة في الاكتشاف والمغامرة.

عزة بدر التي لا تكتفي هنا بغوصها في أعماق الكتابات الروائية والقصصية تقدم هنا قراءة في مقالات نقدية لجابر عصفور، فاروق عبد القادر، شاكر عبد الحميد، وعبد الله الغذامي، ذاكرة أن فاروق عبد القادر يتهم في كتابه من أوراق الرفض والقبول القسم الأكبر من أدب النساء العربيات وفي الروايات بوجه خاص بتعميق دائرة العداء الشوفيني المطلق للرجل، وهنا يظهر تساؤل الكاتبة: هل المطلوب من الكاتبات ألا يكتبن ضد الأنوثة المتخيلة في الصورة الذهنية التي رسمها لها الناقد الرجل؟ أم يتحررن من هذه الصور الذهنية لتحلق كتاباتهن في فضاءات الإبداع؟

كاتب مصري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي