تل أبيب ، عواصم - كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن أن دول الغرب التي دعمت إسرائيل ولا تزال، «في حربها على (حماس)»، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، تبدي تذمراً وقلقاً شديدين من تصريحات اليمين المتطرف إزاء خطط الاستيطان الإسرائيلية في قطاع غزة، واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية. وحذروا من عدم الاستمرار في دعمهم.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن عدد من الدبلوماسيين الغربيين، قولهم إن تصريحات الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي بشأن إعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، تضر بالرسائل السياسية الإسرائيلية للحرب على «حماس» وجهود المناصرة.
وشدد الدبلوماسيون على أن هذه التصريحات لن تدفع حكوماتهم إلى إنهاء دعمها لإسرائيل على الفور، لكنهم حذروا من أنه إذا انتقلت الحكومة من الحديث إلى العمل، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة.
المعروف أنه في الأسابيع الأخيرة، سُمعت تصريحات لعدد من الوزراء والنواب الإسرائيليين، أعربوا فيها عن رغبتهم في إعادة بناء المستوطنات في قطاع غزة، وروجوا في الوقت نفسه لخطوات تهدف إلى إضعاف السلطة الفلسطينية، التي تعدها معظم الدول الغربية بمثابة «شريك محتمل» في إدارة القطاع في المستقبل. وقد بزّهم جميعاً وزير التراث، عميحاي إلياهو، من حزب «عظمة يهودية» بقيادة إيتمار بن غفير، الذي تحدث هذا الأسبوع عن استخدام القنبلة النووية ضد غزة. وتحدث بن غفير هو الآخر في عدة مناسبات عن إنشاء مستوطنات إسرائيلية في غزة عندما ينتهي القتال. ويتسبب ذلك بأذى كبير لإسرائيل.
وحذر الدبلوماسيون الذين تحدثوا مع «هآرتس»، ويمثلون الدول التي أدانت بشدة هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأيدت، حتى الآن، الرد الإسرائيلي، من أن أي إجراء من جانب إسرائيل لإنشاء مستوطنات جديدة في المنطقة، من شأنه أن يضر بشدة بالشرعية الدولية التي تحظى بها الحرب الإسرائيلية. وقال سفير إحدى الدول الأوروبية لصحيفة «هآرتس»: «في الوقت الحالي، نتعامل مع هذه التصريحات على أنها تصريحات (لأشخاص هامشيين نسبياً)، ليسوا جزءاً من الهيئات التي تتخذ قرارات الحرب، لكننا نتابع الحملة العامة التي تدعم هذه الأفكار. «إنه أمر مثير للقلق».
تأثير المتطرفين على نتنياهو
وأضاف سفير دولة أخرى أن «المشكلة الرئيسية هي تأثير اليمين المتطرف في الحكومة على نتنياهو». وضرب على سبيل المثال قرار نتنياهو بعدم إقالة إلياهو، على الرغم من الضرر الإعلامي الذي سببه تصريحه. وقال: «نعلم أن نتنياهو يخشى مواجهة هذا الجناح في الائتلاف. وإذا طلبوا منه أشياء خطيرة، فقد يوافق، وسيكون علينا (الوقوف على مؤخرتنا) ومقاومة ذلك».
وقال ثالث إن العالم يلاحظ أن «إلياهو ليس وحيداً». فقد روج أعضاء الكنيست من حزب «الليكود» لمشروع قانون يعدل قانون فك الارتباط، ما يسمح بحرية الحركة للإسرائيليين في أراضي قطاع غزة بعد نهاية الحرب.
وقال عضو الكنيست عميت هليفي (الليكود)، أحد المبادرين للاقتراح، لصحيفة «يسرائيل هيوم»، إن على الكنيست «إلغاء القانون الذي يحظر دخول اليهود إلى قطاع غزة». وإن نشطاء الجناح ما زالوا يروجون لجهود مماثلة لاستثناء منطقة شمال الضفة الغربية من قانون فك الارتباط، ويعملون الآن على إعادة بناء المستوطنات هناك، بعد مرور 18 عاماً على إخلاء أربع مستوطنات ضمن خطة فك الارتباط.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحيفة، إن ضرر هذه التصريحات حتى الآن يتركز بشكل أساسي على مستوى «الصورة الإعلامية»، ولا يتم التعبير عنه في مواقف الحكومات تجاه إسرائيل. على سبيل المثال، حظي مقطع الفيديو الذي يظهر فيه حاخام عسكري يرتدي الزي العسكري ويتحدث بحماسة عن استعادة الحكم الإسرائيلي في غزة وكذلك في لبنان، بملايين المشاهدات في جميع أنحاء العالم، بعد أن قام الناشطون المؤيدون للفلسطينيين بوضع ترجمات له بلغات مختلفة، وتوزيعه.
وفي وقت لاحق، أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً قال فيه، إن هذه الأمور غير مقبولة، ولا تمثل سياسة الجيش. وسُئل الدبلوماسيون الإسرائيليون عن تصريحات من هذا النوع في مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية في الأيام الأخيرة، وكان عليهم أيضاً أن يوضحوا أن هذا ليس خط الحكومة الإسرائيلية.
وقال المسؤول الإسرائيلي: «من الواضح أنه إذا انتقل الأمر من الأقوال إلى الأفعال، فسوف نتعرض لأضرار كبيرة هنا، لكن الأمر لا يزال تحت السيطرة في الوقت الحالي».
ارتفاع عدد القتلى
وأضاف المسؤول الكبير نفسه أن الصعوبة الرئيسية التي تواجهها إسرائيل حالياً على الساحة الدولية، هي ارتفاع عدد القتلى في غزة، والمطالبة بإدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى القطاع، والاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية، ما استدعى تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه ليدينها، مشدداً على أن «هذه الأمور لا تساعدنا»، ولكن في هذه الأثناء يدرك معظم شركائنا أن الأشخاص الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لا يتخذون القرارات».
تنضم هذه التصريحات إلى الخلاف العلني بين حكومة نتنياهو والولايات المتحدة والدول الأوروبية والدول العربية، بشأن التدخل المستقبلي للسلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع. ففي حين اقترحت الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي ودول عربية رائدة، «العمل على تعزيز السلطة الفلسطينية وإعادتها إلى غزة»، فإن نتنياهو يرفض تناول هذا الاحتمال علناً، فيما يبدي حزب «الصهيونية الدينية» معارضته الشديدة لذلك. وقال عضو الكنيست سمحا روثمان: «جنودنا يجب ألا يسفكوا الدماء من أجل تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية».
مفوض حقوق الإنسان يحث على نزع فتيل الوضع "المتفجر" في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة
وفي بيان صدر اليوم الثلاثاء، قال السيد تورك: "نواجه وضعا متفجرا. ونعلم كيف ستسير الأمور، كما جرى مرارا وتكرارا - خسارة أرواح إسرائيلية وفلسطينية ومعاناة لا تحصى تلحق بكلا المجتمعين".
وشدد المفوض السامي على ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي من قبل جميع الأطراف، وأن "تتوقف فورا عن الهجمات التي تستهدف المدنيين والهجمات التي من المتوقع أن تتسبب في قتلهم وإصابتهم بشكل غير متناسب أو إلحاق الضرر بالأعيان المدنية".
"ليسوا ورقة مساومة"
في هذا السياق أعرب السيد تورك عن صدمته وفزعه العميق إزاء مزاعم الإعدامات بإجراءات موجزة للمدنيين- أي بدون اتباع الإجراءات الواجبة- "وفي بعض الحالات، عمليات القتل الجماعي المروعة على أيدي أعضاء الجماعات المسلحة الفلسطينية".
وقال: "إنه لأمر مروع ومحزن للغاية أن نرى صور أولئك الذين احتجزتهم الجماعات الفلسطينية المسلحة وهم يتعرضون لسوء المعاملة، فضلا عن تقارير عن عمليات القتل وتدنيس الجثث. لا يجوز أبدا استخدام المدنيين كورقة مساومة".
ودعا الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى إطلاق سراح جميع المدنيين فورا، دون قيد أو شرط، مذكرا بأن أخذ الرهائن محظور بموجب القانون الدولي.
وذكّر بأهمية معاملة كل شخص محروم من حريته في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل بطريقة إنسانية، وقال: "يجب احترام كرامة الناس وحياتهم".
احتمالية العقاب الجماعي
من جهة أخرى، أشار المفوض السامي إلى إصابة مدارس ومباني الأونروا، وأبراج ومبان سكنية في جميع أنحاء غزة، جراء القصف الجوي الإسرائيلي، مما أدى إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
وسلط الضوء على أهمية التقيد بمبادئ التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية "وحظر الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة".
وأضاف: "القانون الإنساني الدولي واضح. الالتزام بالعناية المستمرة لتجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية يظل قابلا للتطبيق طوال الهجمات".
ونبه السيد تورك إلى أن "الحصار الكامل" الذي أمرت به السلطات الإسرائيلية، وقطعت بموجبه إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء والوقود، يفاقم وضع حقوق الإنسان والوضع الإنساني المتردي أصلا في غزة، بما في ذلك قدرة المرافق الطبية على العمل.
وقال: "إن فرض الحصار الذي يعرض حياة المدنيين للخطر من خلال حرمانهم من السلع الأساسية لبقائهم على قيد الحياة، محظور بموجب القانون الإنساني الدولي. أي قيود على حركة الأشخاص والبضائع لتنفيذ الحصار يجب أن تكون مبررة بالضرورة العسكرية، وإلا فقد ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي".
وأكد المفوض السامي أن التجارب المريرة تدل على أن "الانتقام ليس هو الحل، وفي نهاية المطاف يدفع المدنيون الأبرياء الثمن".
وأعرب عن قلقه العميق إزاء تصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف منذ يوم السبت، مما أدى إلى تأجيج معاداة السامية وكراهية الإسلام في المنطقة والعالم، مشددا على أن العالم لا يحتمل "المزيد من الاستقطاب".