هيبة لن تعود وهجرة إسرائيلية عكسية بعد "طوفان الأقصى"

الجزيرة نت - الأمة برس
2023-10-10

إطلاق صواريخ من مدينة غزة نحو إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (ا ف ب)

"طوفان الأقصى" القادم من غزة الفلسطينية الأبية كزلزال جبار مروع للكيان الصهيوني الغاصب جاء كاشفا عن رخاوة جيش الاحتلال وليونته وهشاشته، وأسقط مجددا أكذوبة "الجيش الذي لا يقهر". فهذا الجيش لم يصمد أمام مقاتلي كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- وسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامية).

مقاتلو القسام، وهم فصيل مقاوم وليس جيشا نظاميا، يتسللون ويقتحمون منذ فجر السبت الماضي "بلدات غلاف غزة" التي يحتلها الكيان الصهيوني منذ نكبة 1948، ويسيطرون عليها، ربما حتى الآن، بعدما باغتو في البداية 11 موقعا عسكريا لجيش الاحتلال، بالهجوم والاقتحام، وقتلوا وأسروا مئات الجنود، وأصابوا الآلاف غيرهم. وحسب بيانات "الجيش الإسرائيلي"، فإن مقاتلي حماس اقتحموا منطقة كفار سعد بغلاف غزة في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، ويقاتلون حتى كتابة هذه السطور (قبل ساعات قليلة).

طوفان الأقصى هذه العملية العسكرية الكبرى الصادمة لـ"الكيان الصهيوني الغاصب" عسكريا وأمنيا واستخباريا، نزعت عنه توازنه، وأكدت أن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، حسب وصف الأمين العام لحزب الله اللبناني عام 2006، على خلفية انتصار مقاتليه الأشداء على الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني وقتها. تماما، مثلما أن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي انتصرت فيها مصر عسكريا وأمنيا واستخباريا أفقدت الكيان الصهيوني توازنه في 6 ساعات، على حد قول الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ولولا "أن السياسة خذلت السلاح"، بتعبير الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، لكانت المكاسب والثمار أكبر وأثمن كثيرا من مجرد تحرير سيناء.

هيبة لن تعود وهجرة عكسية

لكن، ما التداعيات المحتملة لهذه العملية العسكرية المتفردة في تفاصيلها، تخطيطا، وخداعا، وتنفيذا؟ "إسرائيل" أمام خيارات صعبة، فـ"طوفان الأقصى" زرع الخوف والرعب في قلوب "المستوطنين" بغلاف غزة، والتجربة القاسية التي عاشوها، مع عجز الكيان الإسرائيلي وجيشه عن حمايتهم، قد تدفعهم إلى الهروب في "هجرة عكسية"، وهو ما تخشاه إسرائيل، التي تسعى لجذب يهود العالم للهجرة إليها. كما أن "الطوفان" مزق تماما الصورة التي لطالما رسمتها إسرائيل لنفسها باعتبارها دولة قوية لا تُهزم، ولا تنال منها أي قوة، وهو ما جعلها مهجرا ليهود العالم، وقوة جاذبة للانهزاميين والمنبطحين من العرب، سعيا إلى التطبيع، باعتبارها حامية الحمى، التي لا يشق لها غبار. هذا الانهيار ولو لعدة ساعات لـ"إسرائيل"، وانكشاف هشاشتها وهوان شأنها أمام "طوفان الأقصى"، يضرب مساعي التطبيع مع بعض الدول العربية في مقتل، أو على الأقل، يجبر الساعين للتطبيع على التوقف والتريث. لذا، فإن إسرائيل، في ظل هذه الاعتبارات، مع فقدان توازنها لبعض الوقت، وتلاشي قدراتها تماما على الردع، وغيابها، تاركة المستوطنين وحدهم في مواجهة طوفان الأقصى، فإنها في حاجة إلى الانتقام بأقوى وأشد ما يكون، لترميم صورتها البائسة، واستعادة الهيبة التي ذهبت، ولن تعود.

أُسود على العُزّل وحلم إسرائيلي بعيد المنال

ليس بوسع إسرائيل أكثر من تكثيف غاراتها الجوية الوحشية على قطاع غزة، وقتل المدنيين الأبرياء، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، فهذا هو ما يتفوق فيه جيشها، الذي "جنوده" أُسود على العُزّل من الناس، بينما الفرار أو الاستسلام هو سلوكهم الأثير أمام أي مقاتل، مثلما حدث مرارا (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وجنوب لبنان 2006، وأخيرا طوفان الأقصى، وغيرها). تبتغي إسرائيل من وراء هذه الغارات الكثيفة، التي شنت مثلها كثيرا في مرات سابقة، دفع فلسطينيي قطاع غزة إلى التمرد على حركة حماس، أو تفريغ القطاع من سكانه، بدفعهم للهروب منه إلى خارج إسرائيل، وحبذا لو كانت الهجرة إلى سيناء. هذا الهدف الإسرائيلي حلم بعيد المنال، فالهجوم على قطاع غزة، وقبله أعمال القتل والتشريد والاعتقال والسحل وهدم المساكن (في الأراضي المحتلة كلها)، وعلى مدار جولات كثيرة سابقة، والاحتلال السابق للقطاع (1967- 2005) كلها سلوكيات اعتادتها غزة، ومن شأنها توحيد الصف الغزاوي، في مواجهة العدو الصهيوني.

38 عاما من احتلال قطاع غزة وتليين الموقف التفاوضي لحماس

رغم التلويح بـ"الاجتياح البري" لقطاع غزة إسرائيليّا، والتنويه عنه أميركيا، فهو احتمال مستبعد، فإذا أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة، فقد تدفع حلفاء حماس (حزب الله اللبناني، والحوثي اليمني، وجماعات أخرى عراقية، وربما سورية)، للانخراط في الحرب ضدها، وهو ما لا طاقة لإسرائيل به، ولا تريده أميركا المنشغلة بالحرب الروسية الأوكرانية، والراغبة في تحجيم الصين. من زاوية أخرى، سبق أن احتل "الكيان الصهيوني" قطاع غزة لنحو 38 عاما، واضطر للانسحاب منه مرغما بفعل نزيف الخسائر. كما تكبد خسائر فادحة في محاولات سابقة لاجتياح قطاع غزة (عام 2014 مثالا)، فالقطاع ذو كثافة سكانية مرتفعة، يقطنه أكثر من مليوني نسمة، يتكدسون على مساحة 375 كيلومترا مربعا تقريبا، ويمثلون عبئا فوق طاقة احتمال إسرائيل. التلويح الإسرائيلي والتنويه الأميركي باجتياح غزة هو للضغط على حماس، بغية تليين موقفها التفاوضي، لاحقا، بعد وقف القتال، فهناك نحو 200 جندي وضابط إسرائيلي أسرى لدى حماس، جلبهم مقاتلوها من المواقع العسكرية الكائنة في مدن غلاف غزة، وهم يمثلون ورقة ضغط شديدة الأهمية بيد حماس، لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال.

الغضب الشعبي العربي وجنون العصابة الصهيونية

يبقى من تداعيات "طوفان الأقصى" أن ينتبه حكامنا العرب إلى بركان الغضب الذي يجتاح الشعوب العربية من المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق أهالي غزة، والقتل الذي يمارسه بحق سكانها، نساء، وأطفالا، وشبابا، ورجالا، وشيوخا. ليت الحكام العرب يتوقفون عن خطوات التطبيع، ويتخذون موقفا قويا موحدا مناهضا للممارسات الصهيونية بحق قطاع غزة والشعب الفلسطيني بالعموم. وإلا فعليهم توقع انفجار هذا الغضب في وجوههم، بما يهدد عروشهم. إن "طوفان الأقصى" له ما بعده، مهما ذهب الجنون والخبل بالعصابة الصهيونية الحاكمة للكيان الغاصب، فليس بوسعها تجاهل دلالاته ومعانيه ورسائله. هذا الطوفان أظهر أن الكيان الصهيوني لا يختلف كثيرا عن بيت العنكبوت في الوهن والضعف والهشاشة، رغم كل ما يمتلكه من عناصر متنوعة وفائقة للقوة. إن استمرار إسرائيل في ممارساتها القمعية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والمجد والتاريخ، التواق للحرية والكرامة والاستقلال، لن يجدي، وسوف يعني عدم استيعابها لما جرى في الطوفان، ومن ثم، فعليها انتظار المزيد. لن تنعم إسرائيل بالسلام والعيش في أمان ما لم تحترم وتعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتغادر الحماقة وغطرسة القوة التي لم تعصمها من الطوفان، ولن تمنعها مما هو قادم، إن لم ترتدع وتعود إلى الرشد، فالحقوق لا تموت.

نسأل الله الرحمة لشهداء غزة الأبرار، والصبر لذويهم، والشفاء العاجل للجرحى، والنصر للشعب الفلسطيني المجاهد.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي