نيويورك تايمز: العباءة هي آخر خطوط الصدع في اللائكية الفرنسية وتحويل التعليم لساحة تسجيل نقاط سياسية

2023-09-16

لا يعرف تداعيات قرار أتال بعد ولكن ما هو واضح هو أن المجتمع الفرنسي القلق أصبح مستقطبا بدرجة كبيرة وليس متحدا كما تريد اللائكية (أ ف ب)نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمراسلها في باريس روجر كوهين قال فيه إن قضية عباءة الطالبات المسلمات أصبحت آخر خطوط الصدع في الهوية الفرنسية، إذ عندما قرر وزير التعليم أن العباءة “لا يمكن ارتداؤها في المدارس” أثار النقاش حول مُثُل العلمانية في البلاد.

وقال كوهين إن العودة الجماعية للعمل المعروفة في فرنسا بـ”رينتري”، أي العودة إلى المدرسة، عادة ما تتسم بنوع من النزاع الاجتماعي المتجدد. ولم يكن هذا العام اسثتناء، فبعد فترة الهدوء في الصيف ظهرت معركة جديدة بشأن الهوس الوطني المستمر: كيف ترتدي المرأة المسلمة ملابسها؟.

وأضاف أنه في الشهر الماضي والفرنسيون في مزاج العطلة، أصدر وزير التعليم الجديد غابرييل أتال (34 عاما) والمفضل لدى الرئيس إيمانويل ماكرون قرارا قال فيه إن “العباءة ممنوعة في المدارس”. وطبق قراره المفاجئ على المدراس الثانوية والمتوسطة ما أثار عاصفة جديدة بشأن الهوية الفرنسية.

وتعتقد الحكومة أن دور التعليم هو إذابة كل الهويات الدينية والإثنية في التزام مشترك للحقوق والمسؤوليات للمواطنة الفرنسية وغير ذلك. وكما قال أتال “يجب ألا تكون قادرا على التفريق بين الهوية الدينية للطلاب من خلال النظر إليهم”.

ومنذ ذلك الوقت احتجت المنظمات التي تمثل الأقلية المسلمة الأكبر في فرنسا بخمسة ملايين نسمة، وقررت وبعض الفتيات ارتداء الكيمونو أو الفساتين الطويلة للتأكيد على عشوائية القرار، فيما اندلع نقاش حول قرار أتال المفاجئ وقبل عودة الطلاب إلى المدارس، وإذا ما كان محاولة استفزاز انتخابية أم أنه دفاع ضروري عن العلمانية التي تعتبر الأساس الأيديولوجي لفرنسا.

وتقول نيكول كادين، المؤسسة المشاركة لمنظمة ترصد اللائكية في فرنسا، والتي تقوم على فكرة مجتمع لا تمييز فيه وتلتزم فيه الدولة بالحيادية تجاه الدين “أراد أتال أن يظهر بمظهر القوي والحصول على المنافع السياسية ولكن هذه شجاعة رخيصة”، مضيفة أن “الشجاعة الحقيقية هي معالجة غياب الامتزاج في مدارسنا، مما يقود إلى ظهور فصل وهويات دينية واثنية منفصلة”.

وقبل عقدين حظرت فرنسا الرموز الدينية “المتباهية” في المدارس الثانوية والمتوسطة، ويعتبر هذا مثل التعديل الثاني في الولايات المتحدة حيث ترك مساحة واسعة للتفسير. وكان قانون 2004 محلا للنقاش، وإذا ما كان يستهدف حجاب المسلمات والصلبان المسيحية والقبعات اليهودية من جهة أو أنه استهدف الإسلام الذي ينظر إليه وبشكل متزايد كتهديد، من جهة أخرى. وظلت العباءة التي تفضلها الطالبات المسلمات باعتبارها اختيارا مفضلا ودليلا على الحشمة في منطقة رمادية حتى قرار أتال.

ومن ناحية عملية ففكرة “التباهي” كما يفسرها مسؤولو المدارس الفرنسية لا تنطبق إلا على المسلمين. وأدى القلق الفرنسي من تشرذم النموذج العلماني الذي غذته سلسلة من الهجمات الإرهابية للتركيز على الخطر المفترض أن المسلمين سيرفضون “الفرنسية” من أجل هويتهم الدينية والتطرف الذي يرتكب باسمها.

فالنقاب والبوركيني وحتى حجاب الرأس الذي ترتديه النساء المسلمات أثناء مرافقتهن الأطفال إلى المدارس ظلوا محلا للنقاش بطريقة غير عادية في أوروبا، وكذا الولايات المتحدة التي تتبنى حرية الدين مقارنة لحرية فرنسا من الدين. لم يسبق أن قال رئيس فرنسي “حفظ الله فرنسا”، فالنموذج العلماني للبلد هو بديل عن أي إله.

وبحسب استطلاع أجراه مركز إيفوب عام 2021، وجد أن نصف الفرنسيين يعتبرون أنفسهم ملحدين، وهي نسبة عالية جدا وأكثر من الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات، تحولت اللائكية، التي أزالت الكنيسة الكاثوليكية من الحياة العامة من كونها نموذجا لا يثير الجدل ويسمح بحرية الضمير، إلى دوغما متشددة. وتبنى اليمين العلمانية بشكل عاطفي وحصلت على الدعم من قطاع واسع من المجتمع الفرنسي، وأصبح الدفاع الفرنسي ضد كل ما يعتبر أصولية إسلامية أو تعددية ثقافية على الطريقة الأمريكية.

وقالت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان “كان يجب عمل هذا في 2004، وكان يمكن عمله لو لم يكن لدينا قادة لا يتسمون بالجرأة”، وكانت لوبان تعلق على قرار أتال، إذ قالت مشيرة للجنرال الأمريكي ماك أرثر الذي أدار اليابان بعد استسلامها في الحرب العالمية الثانية حيث قال “المعارك الخاسرة يمكن تلخيصها بكلمتين: متأخر جدا”، والسؤال هناك متأخر جدا لأي شيء؟. منع العباءة في المدارس كما فعل أتال؟. أم وقف انتشار الغيتو في المدراس المتدنية في الأحياء التي تعاني من انتشار المخدرات بضواحي المدن الفرنسية حيث تتلاشى الفرص أمام التلاميذ المسلمين وتزيد فرص التشدد؟. وهنا تنقسم البلاد، وليس إلى النصف، حيث حصل قرار أتال على نسبة 80% من الدعم حسب استطلاعات الرأي، ولكن من ناحية حرجة لمستقبل البلد وحسه عن نفسه. ففي الوقت الذي لا يزال فيه البعض يتعامل مع اللائكية كجوهر أمة يفترض أنها لا تهتم باللون وبفرص متساوية، يرى آخرون شكلا من النفاق الذي يعلم المدى الذي أصبحت فيه فرنسا بلدا متحيزا، وكما هو واضح في الأحياء التي تعيش فيها غالبية مسلمة. ومن هناك جاءت الانفجارات التي تجري تحت سطح الحياة الفرنسية.

فلا يزال الغضب يحوم منذ مقتل أستاذ المدرسة صمويل باتي الذي عرض صورا ساخرة للنبي محمد في فصل دراسي عام 2020. وبالمقابل هناك العنف الذي اندلع العام الماضي بعد قتل الشرطة الفرنسية الفتى نائل (17 عاما) من أصول جزائرية، ولخص المخاطر التي تواجه المسلمين في فرنسا وكم هو خطير أن تكون مسلما فرنسيا.

وكتبت اغنيس دي فو في “لوموند” أن “الحكومة الفرنسية التي تستحضر قانون 1905 و2004 لحماية قيم الجمهورية من لباس الأحداث تكشف عن ضعفها الكبير وغياب المبادرة في خلق شكل سلمي للعيش معا يتجاهل الاختلافات”، وبالنسبة لإريك كيوتي، من حزب يمين الوسط (الجمهوريون)، فإن “الطائفية” أو التعريف أولا وثانيا من خلال الدين والعرق هي “جذام يهدد الجمهورية”، وأن أتال كان مصيبا في قراره. وتظل آراء الجمهوريين مهمة لماكرون لأن حزب النهضة الذي يقوده وحلفاؤه من الوسطيين لا يملكون غالبية مطلقة في البرلمان وحليفهم المحتمل في تمرير التشريعات هو حزب كيوتي. ومن هنا فإن قرار أتال له تداعيات سياسية، فماكرون يحكم من الوسط ولكنه يميل نحو اليمين.

وتولى أتال منصب التعليم الحساس في تموز/يوليو بعد ملاحقة وزير التعليم باب انديا، وهو أول وزير تعليم من أصول أفريقية، حيث أجبر على التنحي بعد سيل من السباب والشتائم من اليمين المتطرف. واتهم باستيراد “التعددية” من أمريكيا و”تخفيض كل شيء لموضوع اللون”، كما قالت قالت المجلة المتطرفة “فالور أكتشول”. وقبل الإطاحة به رفض انديا الحظر الكامل على العباءة بالطريقة التي قام بها أتال، ودعمته محكمة فرنسية عليا في الأسبوع الماضي. وقال “نحن هنا لا نقوم بتعديل كاتولوج من مئات الصفحات بملابس من عدة ألوان وأشكال من الأكمام”. وقال إن قرار العباءة يجب أن يترك لمدير المدرسة. وخارج مدرسة بستين في باريس، تحدثت شيك سيدبي (21 عاما) وهي مدرسة مساعدة من أصول أفريقية عملت حتى وقت قريب في المدرسة حيث أظهرت المديرة “قلة احترام للمسلمات” ووضعت نظام “حواجز حيث قررت بطريقة عشوائية من يدخل إلى المدرسة من الطالبات ومن لا” وانتقدت المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب في الشوارع. وقالت “يحب علينا التركيز على المشكلة الحقيقية وهي رواتب المدرسين التافهة” و”لدينا طالبات يعشن في حالة من عدم الاستقرار ونهمشهم، ومهمتنا ليست ممارسة دور الشرطي على الملابس”.

ولا يعرف تداعيات قرار أتال بعد ولكن ما هو واضح هو أن المجتمع الفرنسي القلق أصبح مستقطبا بدرجة كبيرة وليس متحدا كما تريد اللائكية.

وتقول كادين “يجب أن تكون اللائكية شكلا للتحرر والمساواة بين الجميع مهما كان معتقدهم” و”يجب عدم تحويلها إلى سلاح إسكات أو منع الناس وليست هذه هي الطريقة التي تجعلها جذابة”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي