لوموند: آفة الجريمة المنظمة تتزايد بين فلسطينيي الداخل وسط لامبالاة الحكومة الإسرائيلية

2023-08-28

وعد سموتريتش من جانبه بتقديم أكثر من 160 مليون يورو في الميزانية المقبلة لتطوير المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية (ا ف ب)قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل تخيّم عليه النزاعات العائلية، والخلافات بين أصحاب العقارات، والقروض غير المدفوعة، والاتجار بالأسلحة والمخدرات، والابتزاز. ويصاحب ذلك العنف المميت بشكل متزايد، تطورُ الجريمة الجريئة.

فمنذ بداية العام، قُتل 157 عربيا إسرائيليا خلال تصفية الحسابات، وذلك في ظل عدم اهتمام السلطات العامة الإسرائيلية بهذا المجتمع؛ مقارنة بـ116 جريمة قتل في عام 2022، وفقا لمبادرات أبراهام، وهي جمعية تناضل من أجل المساواة بين المواطنين اليهود والعرب.

وبحسب تقرير للكنيست، فإن 70% من الأشخاص الذين ماتوا قتلا في إسرائيل بين عامي 2018 و2022 هم من الفلسطينيين الذين يشكلون 20% فقط من سكان الدولة العبرية.

وتابعت “لوموند” القول بأنه إذا كانت الأرقام قد انفجرت منذ عام 2018، فإن أسباب هذه الظاهرة قديمة، مع إهمال إسرائيل تاريخيا للمجتمع الفلسطيني، مشيرة إلى أنه قبل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت المشكلة الرئيسية تتمثل في المافيا اليهودية القوية، التي تصدرت تصفية حساباتها عناوين الأخبار.

“طالما أنهم يقتلون بعضهم البعض، فهذه مشكلتهم”

في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هاجمت إسرائيل المجتمعَ العربي بشكل مكثف وقضت عليه. ثم قامت المنظمات الإجرامية العربية بملء الفراغ، ومن السهل ألا تولي السلطات الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بذلك. وقال عمر بارليف، وزير الأمن العام السابق، لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2021: “كان الافتراض السائد هو: طالما أنهم يقتلون بعضهم البعض، فهذه مشكلتهم”. وفي عام 2015، بعد سنوات من الإهمال، ولأنه أصبح من الصعب تجاهل هذه الظاهرة، أطلقت حكومة بنيامين نتنياهو خطة أولى لمكافحة الجريمة في الوسط العربي.

وتنقل “لوموند” عن سمير صبحي محمد، رئيس بلدية أم الفحم، ثالث مدينة عربية في البلاد، ويبلغ عدد سكاتها 60 ألف نسمة، توضحيه: “الشرطة لا تقوم بعملها، لكنها ليست الوحيدة. يجب أن نقدم المزيد من الفرص والمساعدات والسكن. لقد كان العنف حاضرا دائما في مجتمعاتنا، وذلك بسبب الخلافات بين العائلات، في مسائل الملكية والزواج والطلاق… الجديد هو الجريمة التي تزايدت كثيراً في السنوات الأخيرة، والتي تعتمد على السوق السوداء. تفرض البنوك أسعار فائدة مرتفعة للغاية عند الإقراض، وبالتالي، يلجأ الناس إلى المافيا، التي تزيد الأسعار بمرور الوقت. وتأتي اللحظة التي لا يعود فيها المدينون قادرين على السداد. ويبدأ العنف. تهديدات وقتل”.

وفي أم الفحم، 43% من السكان تقل أعمارهم عن 19 عاماً، و40% من هؤلاء الشباب يجدون أنفسهم في حالة أزمة: الفقر، وغياب الوالدين، والعنف المنزلي، والسكن غير الصحي، والبطالة المستوطنة. هناك عدد كبير جدا من “الجنود” الذين يتم تجنيدهم في المنظمات الإجرامية، التي ازدهرت بشكل أكبر مع جائحة كوفيد-19، تُشير “لوموند”، موضّحة أن ما يشجّع على العنف أيضاً هو عدد الأسلحة غير القانونية المتداولة في البلاد، والتي ارتفعت من 267 ألفاً في عام 2017 إلى 400 ألف في عام 2020، وفقا لتقرير الكنيست. وهو ما يعد بمثابة ترسانة عملاقة.

صحوة ضمير خاطفة

ومضت “لوموند” إلى التوضيح أن خطورة الوضع وأعمال الشغب التي اندلعت في مايو 2021، خلال حرب الأحد عشر يوما مع غزة،  أدت إلى إدراك ذلك. وجعلت “حكومة التغيير” التي أطاحت بنتنياهو من السلطة في شهر يونيو من العام نفسه، الحدّ من هذه الجريمة أولوية، حيث تم إصدار العديد من القوانين، والحفاظ على اتصالات دائمة مع القادة العرب، بالإضافة إلى التعهد باستثمارات بقيمة 7 مليارات يورو على مدى خمس سنوات.

لكن عندما عاد  نتنياهو إلى السلطة في ديسمبر عام 2022، بفضل دعم اليمين المتطرف العنصري اليهودي، تغيّرت الأولويات. ويبدو أن الحكومة الحالية لا تهتم بالوضع. ويريد إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المتطرف، إنشاءَ حرس وطني، بدلاً من مواصلة العمل الجيد الذي بدأ بالفعل. في وقت، ما تزال فيه عمليات القتل مستمرة، بل أسوأ من ذلك بكثير. ويشعر الناس بالرعب، حتى أن “البعض باتوا يخشون من إرسال أطفالهم إلى المدرسة”.

في يوم 8 من أغسطس/ آب الجاري، أعلن بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وزعيم الحزب الصهيوني الديني، رفضه تحويل 50 مليون يورو، المخصصة للبلديات العربية من ميزانية هذا العام.

لهذا التصلب آثار ملموسة جداً على رئيس بلدية أم الفحم، الذي يقول: “أستطيع أن أعتني بـ1500 طالب من أصل 7 آلاف. أما بالنسبة للآخرين، فإن سموتريتش يعرقل الميزانية. ووزعت وزارة البلديات 30% من أموالها على البلدات العربية. وخفّض نتنياهو الحصة إلى 5%. في عام 2022، تلقينا 20 مليون شيكل (حوالي 5 ملايين يورو). وفي عام 2023 صفر. لكن الأمر لا يتعلق فقط بمشكلة التمويل العام، فإذا قامت البنوك الإسرائيلية بتسهيل القروض، سيبتعد الناس عن السوق السوداء”.

استراتيجية الفوضى

تنقل “لوموند” عن جعفر فرح، مدير مساواة، وهي منظمة للدفاع عن الفلسطينيين في إسرائيل، قوله إننا أمام “استراتيجية للفوضى، طالما اتبعتها الجماعات اليمينية المتطرفة بهدف إخراج الناخبين العرب من اللعبة السياسية في إسرائيل في الانتخابات الوطنية”. وأضاف أن عدم محاربة الجريمة المنظمة يخلق الإحباط الذي يؤدي إلى العنف، كما كان الحال مع أعمال الشغب التي اندلعت في شهر مايو عام 2021، معتبراً أن الحكومة الإسرائيلية تُريد “خلق واقع يسمح لها بمعاملة أم الفحم مثل جنين وغزة، باستخدام الجيش ضد المدنيين”.

وأوضحت “لوموند” أن أعضاء مجالس المدن في البلدات الفلسطينية بإسرائيل، يواجهون أيضا ضغوطا من المنظمات الإجرامية، التي تحاول اختراق الوسط السياسي، وتعيين رؤساء البلديات الموالين لهم، ولا سيما الاستيلاء على سوق الدعم العام وتسهيل غسيل الأموال. ويتعرض أولئك الذين يقاومون للتهديد، أو ما هو أسوأ من ذلك، حيث قُتل مدير بلدية الطيرة، في شمال تل أبيب، يوم 21 أغسطس، بعد ساعات قليلة من تظاهر مسؤولين منتخبين أمام وزارة المالية للمطالبة بالإفراج عن الأموال التي تم تجميدها من قبل سموتريتش. وفي اليوم التالي، قُتل بالرصاص مرشح لمنصب رئيس بلدية قرية درزية، مع ثلاثة أشخاص آخرين. وتم وضع أيمن عودة، زعيم حزب حداش العربي الإسرائيلي، تحت حماية الشرطة بعد تلقيه تهديدات بالقتل.

وفي ظل كل ذلك، يتساءل جعفر فرح: “من يريد أن يكون عمدة في ظل هذه الظروف؟”، معتبراً أن “ما يحدث في إسرائيل اليوم هو ما كان يحدث في جنوب أفريقيا في عهد الفصل العنصري. النظام يستخدم الجريمة المنظمة لقمع القوميين وإضعاف المقاومة”.

ووعد سموتريتش من جانبه بتقديم أكثر من 160 مليون يورو في الميزانية المقبلة لتطوير المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، كما تُشير “لوموند”.

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي