
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده إريك شميدت وديكلان وولش وإيليان بيلتير، قالوا فيه إن انقلاب النيجر، قلب استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، وفتح الباب أمام روسيا. فالانقلاب العسكري قد يجبر الولايات المتحدة على سحب 1100 جندي من قواتها في النيجر، وإغلاق قاعدة الطائرات المسيرة في هذا البلد.
وقد أدى تحرك العسكر في النيجر إلى قلب الجهود التي بذلها الغرب على مدى السنوات الماضية لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا، ويمثل تحديات مؤلمة لإدارة جو بايدن، ولقتال الجهاديين في القارة الأفريقية.
وبحسب الصحيفة، فقد نجحت الجهود التي قادتها أمريكا في إضعاف شبكات الجهاد حول العالم، وفي مراكزه التقليدية بالعراق وسوريا واليمن، لكن ليس في أفريقيا، خاصة بمنطقة الساحل والصحراء التي استطاعت الجماعات المرتبطة بالقاعدة وتنظيم “الدولة” بناء مناطق نفوذ لها بشكل مثير للقلق.
وظلت النيجر الواسعة والتي تعادل مساحتها، مساحة ولاية تكساس الأمريكية، ويسكنها 25 مليون نسمة، استثناء. وانخفضت الهجمات الإرهابية ضد المدنيين هذا العام إلى نسبة 49% بسبب جهود القوات الأمريكية والفرنسية التي دربت وساعدت القوات النيجرية، وأيضا بفضل استراتيجية متشعبة لمكافحة التمرد تبنّاها الرئيس المخلوع محمد بازوم.
وأبطات النيجر تقدم المتطرفين الذي يدفعون باتجاه جنوب الصحراء، ولكن لم تنهِ خطرهم. وقد تتعرض كل تلك الجهود للخطر، لو اندلع النزاع في المنطقة، أو أمرت النخبة العسكرية الحاكمة القوات الغربية، بما فيها الـ1100 جندي أمريكي بمغادرة البلاد، وإخلاء ثلاث قواعد عسكرية للمسيّرات، واحدة تديرها وكالة المخابرات الأمريكية “سي آي إيه”.
وتقول الصحيفة إن العمليات العسكرية التي قادتها الدول الغربية، ليست الرصاصة الفضية أو الحل السحري ضد التشدد الإسلامي في منطقة الساحل، التي تعتبر الآن مركز التشدد العالمي. فقد فشلت الجهود التي قادتها فرنسا خلال العقد الماضي بمنطقة الساحل، لوقف آلاف الهجمات. ويمكن أن يمثل الفراغ الأمني في النيجر فرصة للجهاديين الذين يشعرون بالجرأة، ويزيدون من دعايتهم، ويوسّعون جهود التجنيد واستقطاب حتى مقاتلين أجانب، إلى جانب إنشاء دويلات في المناطق البعيدة، والتخطيط لهجمات ضد الغرب.
وسحْب القوات الأمريكية من النيجر، سيعقّد من جهود المحللين العسكريين للتنبؤ وإحباط التهديدات بشكل سريع، حسبما يقول المسؤولون الأمريكيون. ويؤكدون أن الفراغ الأمني قد يفتح الباب أمام التأثير الروسي في النيجر، على شكل دعم من مرتزقة شركة فاغنر، التي أوجدت حضورا لها في الجارة مالي.
وقال كولين كلارك من مجموعة صوفان للاستشارات الأمنية في نيويورك، إن “انسحاب الولايات المتحدة من النيجر، وإغلاق قواعد المسيّرات، سيكون ضربة مدمرة لجهود مكافحة الإرهاب الغربية في الساحل”.
وقد قُتل عشرات آلاف الأشخاص نتيجة العنف في منطقة الساحل، وشُرد 3.3 مليون نسمة من بيوتهم في النيجر ومالي وبوركينا فاسو. وفي بلدين اثنين منها، يتدهور الوضع بشكل متزايد. ففي مالي بلغت حصيلة القتلى العام الماضي 5000 شخص. أما في بوركينا فاسو، فقد زادت حصيلة الضحايا بنسبة 80% وبلغت 4000 شخص.
وقُتل يوم الثلاثاء 17 جنديا نيجريا وجرح عشرون في كمين نصبه المتمردون بجنوب البلاد. والعنف يتوسع في البلدان الثلاثة إلى الدول الأغنى على طول خليج غينيا، وقام المتشددون في بوركينا فاسو بهجمات ضد بينين وتوغو.
وفي النيجر هناك معركة منفصلة مع فصيل موال لتنظيم “الدولة” في حوض بحيرة تشاد. ويقول وامحمدو محمدو، الذي كان رئيس وزراء النيجر حتى الانقلاب إن “النيجر كانت الحاجز لدول الساحل ضد الجماعات الإرهابية. وفي النيجر الضعيفة، هناك فرصة قليلة لأن يبقى هذا الوضع”.
وحذرت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل من العنف الذي قد يتوسع إلى ساحل العاج التي تعتبر واحدة من القوى الاقتصادية في المنطقة. وقالت بولين باكس، نائبة مدير برنامج أفريقيا بمجموعة الأزمات: “كل دول خليج غينيا قلقة”، مضيفة أن المتشددين الإسلاميين يحتفون بالفرصة التي قد تفتح أمامهم وسط الجدال حول الانقلاب، وإمكانية دخول فاغنر للنيجر.
وأصبح البلد مركزا لجهود الولايات المتحدة لمكافحة الجهاديين بعد الانقلاب العسكري في مالي. وأمر الرئيس باراك أوباما بإرسال أول 100 جندي إلى النيجر في 2013 لإنشاء قاعدة للطائرات المسيرة في نيامي، العاصمة النيجرية، ودعم العملية التي تقودها فرنسا ضد جماعات القاعدة في مالي.
وبحلول عام 2018، زاد عدد القوات الأمريكية إلى 800 جندي، وكانت وزارة الدفاع تنهي الرتوش الأخيرة على قاعدة المسيرات في مدينة أغاديز بشمال النيجر، في توسع واضح للجهود العسكرية الأمريكية في أفريقيا. وظهرت مخاطر العملية في تشرين الأول/أكتوبر 2017، عندما قام متشددون بنصب كمين وقتلوا 4 جنود أمريكيين ومترجمهم، وأربعة من الجنود النيجريين.
لكن النيجر ظلت الحليف الرئيسي لعمليات مكافحة الإرهاب في ظل حكم الرئيس محمد بازوم، وزير الداخلية والخارجية السابق، الذي انتُخب رئيسا للنيجر في 2021 في أول نقل سلمي للسلطة منذ الاستقلال. وأثنى المسؤولون الأمريكيون على استراتيجية بازوم، التي تقوم على استراتيجية العمليات لمكافحة الإرهاب التي قامت بها الوحدات التي دربتها الولايات المتحدة، إلى جانب الحوارات مع الجماعات المحلية لمعالجة التظلمات.
ومنذ الانقلاب في 26 تموز/ يوليو الماضي، علقت فرنسا والولايات المتحدة المساعدات للنيجر. وحذر وزير الخارجية أنطوني بلينكن، من أن العلاقات الأمنية مع النيجر، والمساعدات التي تصل إلى 500 مليون دولار، هي عرضة للخطر لو لم يتم إفشال الانقلاب.
وعلقت الولايات المتحدة التدريب وعمليات المسيّرات، وقيّدت حركة الجنود الأمريكيين في القواعد العسكرية. كما علّق الفرنسيون العمليات المشتركة مع القوات النيجرية.
وفي سياق تراجع الأمل بإعادة بازوم للسلطة، يقول المسؤولون إن إدارة بايدن تدرس خيارات، منها اعتبار ما حدث في النيجر انقلابا، كما تفعل الإدارة عندما يقوم العسكر بانقلاب مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو. ويعني هذا قطع الدعم الأمريكي بما في ذلك المساعدات العسكرية.
وحتى الآن، فالوضع لا يزال سلميا نسبيا، ولم يجبر الدولة على التدخل بالقوة. ولكن تهديد التدخل العسكري من منظمة “إيكواس” وتراجع الأمل بالحل الدبلوماسي، وضع إدارة بايدن أمام خيارات صعبة في الأيام القادمة.
ويقول المسؤولون إن خيارات الإدارة الأمريكية محدودة. وقامت إدارة بايدن بتدريبات عسكرية في موريتانيا وغانا وتشاد ومناطق أخرى. ولكن هذه الدول لم تكن في موقع مهم كالنيجر. ولعبت الولايات المتحدة دور المساعد لفرنسا في منطقة الساحل.
وكدليل على إلحاح الأزمة المتزايدة، تحدث رئيس هيئة الأركان المشتركة، مايك ميلي، مع نظيره الفرنسي يوم الأربعاء لمناقشة الوضع في النيجر.
ويعتبر الانقلاب العسكري ضربة قوية للمصالح الغربية في النيجر، لأنه بدا وكأن الديمقراطية تبني جذورا لها، رغم تاريخ الانقلابات في البلد منذ الاستقلال عام 1960.
وواحد من الأشياء المريحة لإدارة بايدن، وهي تحاول موازنة رفضها للانقلابات مع رغبتها في الحفاظ على وجودها الأمني بالنيجر، هو أن استحواذ العسكر على السلطة تدفعه المصالح الشخصية أو الخلافات الفصائلية وليس الأيديولوجية. وطرح الانهيار الصاعق للحكومة التي يدعمها الغرب في النيجر، أسئلة حول النهج الأمني للولايات المتحدة وإن كان قاصرا.
وقال ألكسندر نويز، العالم السياسي بمؤسسة راند: “لقد أكدنا على نهج مكافحة الإرهاب”. وربما كان النهج الأمريكي من خلال تقديم المساعدات أكثر فعالية لو ركّز على دعم الحكم الرشيد ومكافحة ممارسات الفساد.
ويحذر المسؤولون في غرب أفريقيا من مخاطر دخول مرتزقة فاغنر لملء فراغ القوات الفرنسية، وسط شائعات عن لقاء مسؤول عسكري في النخبة العسكرية في النيجر، مع ممثل عن المجموعة شبه العسكرية في مالي، والتي تستقبل حوالي 1500 عنصر من فاغنر لقتال التمرد الإسلامي.
وزادت الهجمات في مالي منذ وصول فاغنر، ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه لا توجد أدلة على دور فاغنر في استحواذ العسكر على السلطة في النيجر، ولكنها تحاول استغلال الوضع الجديد.
وقال الجنرال المتقاعد ماركوس في قوات العمليات العسكرية الخاصة الأمريكية في أفريقيا بين عاميْ 2017 -2019، “فكرة أننا سنترك فراغا للتأثير الروسي الخبيث، هي مأساة”.