لوفيغارو: التدخل العسكري الفرنسي في النيجر سيكون جنوناً مطلقاً  

2023-08-16

 

أوضح رينو جيرار أن النيجر دولة مستقلة منذ ثلاثة وستين عامًا، بعد أن قررت فرنسا الرئيس ديغول بحرية إنهاء استعمارها (أ ف ب)تحت عنوان: “التدخل العسكري الفرنسي في النيجر سيكون جنونا مطلقاً”، قال الجيوسياسي الفرنسي والكاتب في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في مقال رأيه بالصحيفة، إن عدة تصريحات للحكومة الفرنسية في الأيام الأخيرة لمّحت إلى أن باريس قد تتدخل عسكريًا في النيجر من أجل إعادة النظام الدستوري هناك، بعد الانقلاب العسكري يوم 26 يوليو الماضي الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، الذي تم انتخابه بالاقتراع العام في شهر أبريل عام 2021، بنسبة 55% من الأصوات في الجولة الثانية.

منذ ذلك الحين، يقبع هذا البلد المسلم في الساحل، الذي تبلغ مساحته ضعفين ونصف مساحة فرنسا ويسكنه 25 مليون نسمة تحت حكم مجلس عسكري من الجنرالات اختار لنفسه اسم المجلس الوطني لحماية الوطن (CNSP). وقد قام هذا الأخير لتوّه بتعيين رئيس وزراء تكنوقراط على رأس حكومة من 21 وزيراً. تم تسليم حقيبتي الدفاع والداخلية للجنرالات الذين كانوا أعضاء في المجلس العسكري.

وأضاف الكاتب أنه على الرغم من ماضيها البونابارتي البعيد، فإن فرنسا محقة في عدم إعجابها بالانقلابات العسكرية وتفضيل الديمقراطيات على الديكتاتوريات. وهي بلا شك أكثر فعالية في ضمان السلام والازدهار للدول. من الجيد أن الجامعات ووسائل الإعلام العامة في فرنسا تروج، داخل وخارج البلاد، لفكرة أن لغة صندوق الاقتراع في كل مكان مفضلة على لغة السلاح.

لكن- يشدد رينو جيرار- سيكون من الحماقة أن تتدخل فرنسا عسكريًا لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، حتى لو كان ذلك فقط لدعم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). لأن هذه الحرب بين البلدان الأفريقية ستؤدي إلى حمام دم، دون أن يكون هناك أدنى ضمان بأنها ستحسن رفاهية السكان النيجيريين على المدى المتوسط. وفي النهاية، ستكون فرنسا وحدها هي المسؤولة عن هذه الكارثة الإنسانية.

واعتبر الكاتب أن الرغبة في فرض القانون الفرنسي والسلام بالقوة في إفريقيا، لها اسم، وهو الاستعمار. ففرنسا تعتبر أنه من غير المتحضر الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطياً بالقوة. لكن الرغبة في إعادة محمد بازوم إلى منصبه الشرعي، بقوة الجيش الفرنسي وثلاث مجموعات أفريقية- والتي سيُنظر إليها على أنها قوات فرنسية مساعدة- ويمسي ذلك بمهمة استعمارية.

وأوضح رينو جيرار أن النيجر دولة مستقلة منذ ثلاثة وستين عامًا، بعد أن قررت فرنسا الرئيس ديغول بحرية إنهاء استعمارها. لم يعد الأمر متروكًا لفرنسا لتقرير من يجب أن يحكم النيجر. ومصير النيجر السياسي يخص النيجيريين أنفسهم وليس لأحد غيرهم. ثقافيًا، لدى فرنسا كل الحق في الدفاع عن مبادئها الديمقراطية الجيدة. عسكريا، لا يمكن لفرنسا أن نطبق الأمور بالقوة على أي شخص آخر غير الفرنسيين.

والتدخل هو العودة عبر نافذة الدافع الاستعماري، يقول الكاتب، موضحاً أن التدخلات العسكرية الغربية تتم دائمًا باسم أفضل المشاعر في العالم. ففي كابول، بالنسبة لحلف الناتو، كان الأمر يتعلق بـ”إعادة بناء أفغانستان وإضفاء الطابع الديمقراطي عليها وتطويرها”، كما أكد ذلك مؤتمر بون في يوم الخامس ديسمبر عام 2001. في عام 2021، نظرًا لفشلها واستمرار اللعبة لفترة طويلة بما فيه الكفاية، أعادت أمريكا إلى طالبان السلطة التي انتزعتها منهم بالقوة قبل عشرين عامًا. إنه أمر سيئ للغاية بالنسبة لآمال الديمقراطية التي أثارتها بين الشباب المتعلم في المدن الأفغانية الكبرى.

في بغداد، في عام 2003، كان على الأنجلو ساكسون الإطاحة بطاغية يُزعم أنه يمتلك أسلحة دمار شامل وتنصيب ديمقراطية في العراق تشكل نموذجًا في العالم العربي الإسلامي بأسره، وفق الكاتب، مشيرا إلى أن الاقتراع الحر الذي فرضه المحتل الأمريكي أدى إلى زيادة الانقسامات العرقية في البلاد، والتي سرعان ما انزلقت في حرب أهلية مروعة.

في عام 2011، لبدء حراك “الربيع العربي الديمقراطي” في شمال إفريقيا والشام، بادر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للإطاحة بالقوة بنظام القذافي الديكتاتوري في ليبيا، على حد تعبير رينو جيرار، معتبراً أن ساركوزي ارتكب بذلك دون أن يُريد أو يَعرف أخطر خطأ في السياسة الخارجية للجمهورية الخامسة الفرنسية بأكملها.. فسرعان ما أثبت المعارضة الليبية التي استقبل قادتها في الإليزيه أنها غير قادة تمامًا على الحكم. غرقت البلاد في الفوضى، وانتشرت الأسلحة المنهوبة من ترسانات القذافي في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي ألقى بثقله على الدول المجاورة متسبباً في زعزعت استقرار حزام دول الساحل، التي كان حكمها وقتها يعدون أصدقاء جيدين لفرنسا.

في عام 2013، دخلت فرنسا في حرب ثانية في مالي من أجل إصلاح الأضرار التي لحقت بالحرب الأولى. لكن بما أنها لم تنجح في استعادة السلام في منطقة الساحل، بحوالي 5 آلاف جندي، على مساحة تزيد عن 5 ملايين كيلومتر مربع، بدأ سكان الساحل في البداية يشّكون في فرنسا، ثم يعبرون بصوت عالٍ عن إحباطهم، واليوم رفضهم لوجودها في المنطقة.

وأوضح رينو جيرار أن استخدام فرنسا، باسم المُثل الديمقراطية، لـ”قوتها الصارمة” ضد ليبيا القذافي أدى إلى خلق كارثة إقليمية. كما أن جميع الحملات الغربية للتدخل في العالم العربي الإسلامي باسم الديمقراطية، في العقدين الماضيين، انتهت بكارثة. فالغربيون يكرهون الديكتاتورية السياسية، لكنهم لم يفهموا أنه بالنسبة للأمة الإفريقية، كان هناك أسوأ بكثير من الديكتاتورية، وهو الفوضى أو ما هو أسوأ منها: الحرب الأهلية.

وتساءل الكاتب إن كان الفرنسيون مستعدين أن يضمنوا لشعب النيجر أن يكون وضعهم بعد تدخل باريس العسكري أفضل من ذي قبل؟ هل سيبقى الفرنسيون في النيجر ما دامت هناك حاجة لإرساء السلام والحكم الرشيد هناك؟. وهل يضمن الفرنسيون ألا يفعلوا مثل الأمريكيين في كابول وألا يذهبوا على وقع فشل مدوي.

وشدد رينو جيرار أنه على الفرنسيين مواجهة الحقائق، قائلاً: “يجب أن نواجه الحقائق: لم تعد لدينا الوسائل، لا سياسية ولا أخلاقية ولا دبلوماسية ولا بشرية ولا عسكرية ولا مالية، للانطلاق في حملات عسكرية من النوع الاستعماري بهدف فرض قانون رؤيتنا على مسافة بعيدة جدًا من أراضي بلدنا. بما أننا لا نستطيع تحمل البقاء حتى يأتي النجاح، فمن الأهمية بمكان أن نمتنع عن التدخل، ينصح الكاتب والجيوسياسي الفرنسي حكومة بلاده.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي