
ثمة خط يربط بين رسالة وزير الدفاع في آذار حين دعا لوقف الإصلاح القضائي بسبب الوضع الأمني، وبين زيارته المغطاة إعلامياً أمس على الحدود اللبنانية. بعد خمسين سنة من حرب يوم الغفران، ازداد تهديد الحرب.
السبب الأساس هو تغيير إيران في مركزه، ويجد تعبيره في ثلاثة أمور: أولاً، إيران “تشعر بخير” أكثر؛ فروسيا تحتاجها، والصين تغازلها، والسعودية تنبطح، والولايات المتحدة تخشى. ثانياً، إيران تنجح في أن تتزود وتزود فروعها بسلاح دقيق. حتى قبل نحو عقد، كان السلاح الدقيق تفوقاً إسرائيلياً حيال صواريخ ومقذوفات صاروخية “غبية” للعدو. أما اليوم، فتدفع إيران قدماً بنجاح إنتاج الصواريخ والمسيرات الهجومية أو تحويلها إلى دقيقة.
ثالثاً، تؤمن إيران بأنها إذا ما نجحت في “توحيد” الساحات وتفعيل “حزب الله” من لبنان، وميليشيات من سوريا، والعراق بل وحتى من اليمن، وهجوم مباشر من إيران، وأخيراً إثارة الفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية] بل والكثير من مواطني إسرائيل العرب، كلهم بشكل منسق… فلن تتمكن إسرائيل من الصمود أمام هذا.
لا يعني هذا أن الحرب مؤكدة، وليس واضحاً متى، وإذا ما كان الإيرانيون يعتقدون أن الظروف المناسبة قد نشأت، لكن الحديث يدور عن سيناريو خطير أكثر ومعقول أكثر مما قدرنا حتى قبل تسعة أشهر. ونعم، الإيرانيون متشجعون أيضاً مما يقدرونه كضعف إسرائيلي. يدفع هذا التشجيع بـ “حزب الله” أن يزيد الاستفزازات، ومن ثم تزداد احتمالية فتح الحرب أيضاً.
هناك أمور أربعة يتعين على حكومة إسرائيل أن تفعلها: أولاً، أن تفهم بأن هذا تهديد قد يتطور إلى تهديد وجودي في غضون أشهر، لذا من الصواب وقف الانشغال بالترهات، التي تمس بالجيش وبالشرطة بشدة. مؤرخ يحلل سياسة حكومة إسرائيل بعد 50 سنة أو بعد 2000 سنة، سيصعب عليه أن يصدق ما الذي كان على جدول أعمال الحكومة وكيف دهورت إسرائيل عن عمد إلى وضع يصعب فيه الدفاع عن نفسها.
ثانياً، يجب أن نشرح للعالم بأنه إذا فتح “حزب الله” النار، فسيتسبب الأمر بحرب رسمية مع دولة لبنان وليس مع “حزب الله” فقط. إعلان وزير الدفاع أمس كان صحيحاً، لكنه ليس بديلاً عن الحوار مع الولايات المتحدة في هذه المسألة.
ثالثاً، تعرف إسرائيل كيف تعطي تحصيناً معقولاً للسكان، لكن ليس للبنى التحتية الوطنية – المدنية. السلاح الدقيق سيطلق بقدر أقل نحو المراكز السكانية، وبقدر أكبر لشل محطة توليد طاقة، ومنشآت تحلية، ومواقع خدمات، وموانئ ومطارات وما شابه. وبشكل لا يقل دهشة، ما من أحد في دولة إسرائيل مسؤولاً عن إعطاء جواب معقول على هذا التهديد. لا يدور الحديث عن مشكلة ميزانية أو تكنولوجية، بل عن خلل رهيب. لو كنت رئيس الوزراء لوضعت هذا الموضوع في أولوية عليا.
رابعاً، الموضوع الفلسطيني: الإيرانيون، كما أسلفنا، يبذلون جهداً كبيراً لتزويد الشبان في “المناطق” بالسلاح، وخلق دافع للمس بإسرائيل. بخلاف السياسة التي كانت في العشرين سنة السابقة، والتي كان أساسها مساعدة السلطة الفلسطينية ومنع الاحتكاكات في الميدان، فإن قسماً من أعضاء الائتلاف يحاولون اليوم تحقيق نتيجة معاكسة – تشجيع الاحتكاكات، وإضعاف قدرة الجيش و”الشاباك” والشرطة للتصدي للواقع.
لا يدور الحديث عن أخطاء، بل عن أجندة واضحة لقسم من أحزاب الائتلاف، غايتها خلق فوضى في “المناطق” [الضفة الغربية] على طريق تحقيق أيديولوجيتها. هذا ما يجب تغييره! وبالشكل ذاته، يجب أن نفهم بأن حكومة تخلق عن عمد اغتراباً وإحباطاً في أوساط عرب إسرائيل، لا يجب أن تتفاجأ إذا ما كان من شأننا أن نرى في زمن الحرب المزيد من العرب الإسرائيليين يقاتلون ضد الدولة.
منذ 1973 نجحنا في عزل الساحات والقتال ضد عدو آخر في كل مرة. إذا ما نجح الإيرانيون بالتنسيق بين كل أعدائنا، فسنجد أنفسنا أمام تحد أكبر حتى من تحدي حرب يوم الغفران. الجيش يدرك هذا ويعمل بما يتناسب مع ذلك، لكننا لن ينجح بدون تغيير دراماتيكي في سلم أولويات الحكومة.
غيورا آيلند
يديعوت أحرونوت 9/8/2023