الخلافات وصلت لمرحلة غير مسبوقة.. بعد أن كانت "خطاً أحمر".. كيف بات “إنهاء” المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل يحظى بشعبية متزايدة؟

الأمة برس - متابعات
2023-08-07

الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) مستقبلا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في البيت الأبيض في 18 تموز/يوليو 2023 (ا ف ب)

يبدو أن العلاقات بين أمريكا وإسرائيل لا تمر بفتور مؤقت، فالحديث عن إنهاء المساعدات العسكرية لتل أبيب بات يحظى بشعبية متزايدة بعد أن كان من "المحرمات"، فماذا يحدث؟

إذ ترتبط إسرائيل وأمريكا بعلاقات تحالف استراتيجية وقوية للغاية، لكن الخلافات بين تل أبيب وواشنطن وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، يرجعها البعض إلى التوتر في العلاقات بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن.

صحيح أن علاقة بنيامين نتنياهو مع جو بايدن لم تكن جيدة بشكل عام، لكن الانقسام الضخم في إسرائيل بسبب الاصلاحات القضائية أو الانقلاب القضائي وتدخل واشنطن فيما يحدث ووصول الأمور إلى حد اتهامات بالتواطؤ ورسائل مبطنة مفادها "لا تأتي لزيارتنا"، فهذه كلها سوابق تاريخية في العلاقات بين البلدين.

صحيفة Haaretz الإسرائيلية نشرت تقريراً يرصد كيف أن مناقشة إنهاء المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل بات يحظى بشعبية متزايدة، وهو تحول جذري بطبيعة الحال، فأي حديث يندرج تحت بند "الانتقاد" لتل أبيب كان يؤدي بصاحبه إلى "مقصلة" اللوبي اليهودي الأقوى في واشنطن على الإطلاق.

لكن الأسبوع الماضي شهد مناظرة أذاعتها محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية PBS بين سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل ومسؤول كبير في البيت الأبيض تندرج تحت "تحطيم المحرمات"، وكانت غير متصورة على الإطلاق من قبل.

إذ ناقشا خلالها إن كان الوقت قد حان لوقف الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. وباتت القضية التي كان يُعتقد في السابق أنها تحظى بإجماع شامل في السياسة الأمريكية موضوعاً مثيراً للجدل في واشنطن.

وفي المناظرة، أعرب دان كيرتزر، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل بين عامي 2001 و2005 إبان إدارة الرئيس جورج بوش الابن، عن دعمه للفكرة. وقال إن إسرائيل لا تشترك مع الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية، وهي مستقرة بما يكفي وقادرة على الاعتناء بنفسها.

ولم يعارض دينيس روس، الذي كان مسؤولاً عن القضية الإسرائيلية الفلسطينية في عهد إدارة كلينتون في التسعينيات، وقف هذه المساعدة صراحة، لكنه نبّه إلى أن الوقت ليس مناسباً لذلك، وقد يشجع ما وصفهم بأنهم "أعداء" إسرائيل على مهاجمتها إذا رأوا ضعفاً في الدعم الأمريكي المقدم لها.

الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة هذه المرة تبدو إذن أكثر عمقاً من أي وقت مضى، وهي ليست مقتصرة على ملف التعديلات القضائية، التي اضطر نتنياهو لتأجيلها تحت وطأة المعارضة الشرسة والاحتجاجات والإضرابات، فتعاملات إسرائيل مع الصين وملف العقوبات على روسيا، وأيضاً ملف إيران، كلها تحمل علامات على التباين في المواقف بين الحليفين.

وهذه المناظرة التلفزيونية جزء من نقاش عام يكتسب زخماً كل يوم في الولايات المتحدة حول استمرار المساعدة العسكرية لإسرائيل. وتضمن مذكرة تفاهم بين البلدين، وُقعت عام 2016 نحو 3.8 مليار دولار سنوياً لإسرائيل، فضلاً عن دعم إضافي في حالات الطوارئ، مثل تجديد صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية. وهذه الاتفاقية تنتهي عام 2026، ويُقدِّر كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أن صياغة اتفاقية جديدة ستزداد تعقيداً عما كانت عليه في الماضي، بحسب الصحيفة العبرية.

موقف اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي

منذ سنوات، تعلو أصوات في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي تطالب بوقف المساعدة لإسرائيل، أو لاستخدامها كورقة ضغط لمطالبة إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، والالتزام بتعزيز حل الدولتين.

ومن بين أشد مؤيدي هذه الفكرة في الكونغرس الأمريكي السيناتور بيرني ساندرز، الذي طرح تعديلاً يتعلق بهذه القضية مؤخراً. وفرص تمرير هذا التعديل تكاد تكون معدومة، لكن سفارة إسرائيل في واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل سيتابعونه عن كثب لمعرفة إن كان التأييد لهذه الفكرة ينمو ويصل إلى أجزاء أخرى من الحزب الديمقراطي.

وبيرني ساندرز هو مؤسس الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، والذي تحول إلى تيار له تأثيره الكبير على السياسة في الولايات المتحدة، ومن أعضائه رشيدة طليب (من أصل فلسطيني)، وإلهان عمر (من أصل صومالي)، وأليكساندريا أوكاسيو كورتيز وآيانا بريزلي، وهؤلاء الأربعة تحديداً مثّل انتخابهن عام 2018 تحولاً لافتاً بين الناخبين الأمريكيين، وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد طالبهن "بالعودة إلى بلادهن إذا كانت أمريكا لا تعجبهن"، بسبب انتقاد النائبات الأربع اللاذع لسياساته بشأن الهجرة.

وشهدت السنوات الأربع من رئاسة ترامب اشتباكاً أكثر صرامة من جانب التيار التقدمي الديمقراطي في الملفات السياسية، وليس فقط توحيد المواقف من مشروعات القوانين الخاصة بالاقتصاد وانحيازاته، وليس فقط السياسة الداخلية المتعلقة بالعنصرية والهجرة، وهما القضيتان اللتان تبنّى فيهما ترامب سياسات يمينية متطرفة، أبرزت الانقسام داخل المجتمع الأمريكي، ولكن أيضاً ملفات السياسة الخارجية وكيفية تعاطي الإدارة مع تلك الملفات.

قد يتساءل البعض عن مدى أهمية وجود تيار تقدمي داخل الحزب الديمقراطي بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام، والقضية الأهم وهي القضية الفلسطينية بشكل خاص، على أساس أن الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي مسألة بديهية وثابتة، ولا تتغير من إدارة جمهورية لأخرى ديمقراطية، والدليل موقف إدارة بايدن الحالية.

والإجابة هنا تتعلق بشقين؛ الأول أن هناك تغييراً بالفعل في الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل هذه المرة، أما الشق الثاني فيتعلق بكون هذا التيار التقدمي الديمقراطي (91 عضواً في الكونغرس) قد يكون متفقاً في القضايا الاقتصادية، لكنه ليس بالضرورة متفقاً في ملفات السياسة الخارجية بشكل عام، لكن المؤكد هو أن الدعم لإسرائيل بدأ ينخفض بشكل لافت.

وفي هذا الإطار، لم تعد مناقشة هذه القضية "محرمة" في وسائل الإعلام الأمريكية كما كانت في السابق، ويعترف كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن معدل التغيير فاجأهم. فقبل أسبوعين، دعا مقال في صحيفة The New York Times بقلم كاتب الرأي الكبير نيكولاس كريستوف، الذي لا يكتب كثيراً عن إسرائيل، صراحة إلى وقف المساعدات لإسرائيل. وتضمن المقال مقابلة مع كيرتزر ومارتن إنديك، وهو سفير سابق آخر في إسرائيل، الذي أيّد الفكرة أيضاً. وأوضح إنديك وكيرتزر أن هذه المساعدة لا تخدم سياسة أمريكا الخارجية فعلياً، لأن إسرائيل مستمرة في تجاهل المطالب الأمريكية. وقال كلاهما إن إسرائيل أصبحت دولة قوية وغنية وإن الوقت قد حان "لفطمها" عن المساعدات الأمريكية.

هل يتسبب نتنياهو في "إنهاء" التحالف الاستراتيجي؟

وبعدها بأسبوع ظهر مقال آخر عن هذا الموضوع، لكنه صدم اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. فهذه المرة، جاءت المطالبة بتهديد إسرائيل بوقف المساعدات الأمريكية من الجانب الجمهوري؛ إذ كتب توم روغان، محلل الشؤون الدفاعية على موقع Washington Examiner المحافظ، أن الحزب الجمهوري هو من عليه أن يستخدم المساعدة العسكرية كوسيلة للضغط على إسرائيل لردعها عن التقارب من الصين، أهم خصوم أمريكا في الوقت الحالي. وأشار روغان إلى إلى ما فعله رئيس الوزراء نتنياهو قبل أسبوعين، حين نشر صورة له وهو يحمل كتاباً جديداً للرئيس الصيني شي جين بينغ.

وكتب روغان أنه حتى لو كانت لدى نتنياهو أسباب مشروعة ليغضب من الرئيس الأمريكي جو بايدن، فلا عذر لديه لإهانة رئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفين مكارثي. وأكد أن مكارثي، خلال زيارته لإسرائيل في مايو/أيار، حذر من التقارب مع الصين في خطابه في الكنيست.

وكتب روغان أن نتنياهو لم يستمع إلى هذا التحذير، وحاول الضغط على الولايات المتحدة بالإشارة إلى تقارب بلاده مع الصين. وكتب: "على الولايات المتحدة ألا تتسامح مع موقف نتنياهو"، وأضاف أن "على الجمهوريين أن يوضحوا لنتنياهو أنه يخاطر بالكثير بغطرسته البغيضة".

وقال مسؤول إسرائيلي بارز لصحيفة Haaretz إن مقال روغان أثار جدلاً في إسرائيل، وإنه "بينما يغير الديمقراطيون رأيهم بخصوص مساعدة إسرائيل تحديداً، يعارض قطاع كبير من الجمهوريين المساعدات الخارجية بشكل عام. والنتيجة هي نفسها: توقيع مذكرة عام 2026 تشبه تلك التي وقعناها عام 2016 لن يكون سهلاً".

وقبل قرابة أسبوعين، انضم المحلل البارز في صحيفة The Washington Post ماكس بوت إلى الأصوات الداعية لوقف المساعدات العسكرية لإسرائيل. وكان بوت في الماضي من أشد المؤيدين لإسرائيل، وكان منتقداً لاذعاً لسياسة إدارة أوباما مع إسرائيل في الفترة  2017-2019. وعارض الاتفاق النووي مع إيران وأثنى على نتنياهو لمهاجمته الرئيس الديمقراطي بخصوص هذه القضية. لكنه يبدو مختلفاً تماماً الآن. فقال إن إسرائيل أصبحت حليفاً غير ليبرالي يصعب الإبقاء عليه. وأطلق عليها "مجر الشرق الأوسط". وقال إن البدء بقطع تدريجي للمساعدات المقدمة لإسرائيل منطقي، لأنه يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن تمويل سياسة تتعارض مع قيم الكثير من الأمريكيين.

ويتبنى المعلق البارز في الشؤون الخارجية، ديفيد روثكوف، الذي يعتبر مقرباً من إدارة بايدن، موقفاً مشابهاً. ففي اليوم الذي وافق فيه الكنيست على القانون الذي يلغي استخدام شرط المعقولية في المراجعات القضائية، كتب أن العلاقات المميزة بين البلدين انتهت، وأن على الولايات المتحدة النظر في إنهاء مساعدتها العسكرية الكبيرة لإسرائيل. وقال إن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وإن القبول بالتطرف الإسرائيلي سياسة فاشلة.

وعلى المدى القريب، لا يُتوقع أن تؤثِّر هذه الأصوات على حجم المساعدة المقدمة لإسرائيل حتى عام 2026. واحتمالات قطع إدارة بايدن هذه المساعدات قبل 18 شهراً من الانتخابات التي يريد بايدن خوضها ضئيلة جداً. وقال بايدن في عدة مناسبات إنه يعارض ذلك، وأعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن موقف مماثل قبل أسبوع ونصف. لكن مخاوف إسرائيل مرتبطة بالمستقبل، وتحديداً المحادثات المتوقع إجراؤها عام 2026.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي