
كييف - بعض من سكان قرية ستاري كارافان الأوكرانية ينتظرون دورهم للخضوع لمعاينة طبية في 214 تموز/يوليو 2023
تشعر ناديجدا سيريدا أنها تعاقب لبقائها في قريتها خلال الاحتلال الروسي، فالتيار الكهربائي مقطوع عن عاملة المصنع المتقاعدة وعن جيرانها منذ أن خرق الروس الدفاعات الأوكرانية في أيار/مايو من العام الماضي.
لكن تحرير القوات الأوكرانية قرية ستاري كارافان ومجموعة من المناطق الأخرى في الشرق الأوكراني بعد ثلاثة أشهر خلق بدوره مزيدا من المشاكل لسيريدا.
تعبّر سيريدا عن استيائها بالقول "بدأ قادتنا تقسيمنا بين أولئك الذين بقوا تحت الاحتلال ولا يعتبرونهم بشرا، وأولئك الذين غادروا ويفترضون أنهم حقا يحبون أوكرانيا".
في الشارع تلقي سيريدا التحية على مسعفين متطوعين اضطروا لعبور جسر عائم وطريق مليء بالحفر للوصول إلى منزلها الواقع عند خط المواجهة.
وتصف أفراد طاقم تموّله جهة خاصة بأنهم "ملائكة"، مضيفة "هم الوحيدون الذين يأتون إلى هنا".
ما زالت المنازل التي تحمل آثار القصف في ستاري كارافان تعاني من انقطاع المياه والكهرباء على الرغم من استعادة الحكومة السيطرة عليها قبل عام.
كذلك يعاني السكان من صعوبات في الطهو بسبب انقطاع الغاز كما يعتمدون على خدمة الهاتف الخلوي غير المنتظمة والراديو لمتابعة الأخبار.
ويسود في القرية استياء كبير.
وتقول فالنتينا تشوماكوفا جارة سيريدا "عندما أتى الروس، لم يكن الأمر وكأننا ارتكبنا خيانة أو أبلغناهم بأي شيء... اكتفينا بملازمة منازلنا بصمت".
- معزولون -
تعكس هواجس سيريدا تصدّعات اجتماعية أوسع نطاقا في مناطق خطرة ومحرومة على غرار قريتي ستاري كارافان وبروسيفكا المجاورة.
القريتان الواقعتان في منطقة غابات معزولتان إذ يفصلهما عن بقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الأوكرانية نهر متعرّج دمّرت جسوره خلال الحرب الدائرة منذ 17 شهرا.
في الجانب الآخر من الغابة تعيد القوات الروسية تجميع صفوفها وتحاول تحقيق تقدّم.
في الأثناء تتقدم ألوية روسية شمالا نحو كوبيانسك في منطقة خاركيف.
وتجدُّد التهديد الروسي هو أحد الأسباب التي دفعت الطبيب المتطوّع ميخايلو دوبريشمان للمجيء بعيادته النقالة إلى هذه الأراضي المعزولة.
ينظّم فريقه التطوعي "بايس يو ايه" عمليات إجلاء من بعض من الأنحاء الأكثر خطورة في أوكرانيا.
ويقول الطبيب البالغ 33 عاما "لكننا الآن نلتقي قلّة قليلة من الأشخاص الراغبين بالمغادرة"، ويضيف "على العكس، أعداد العائدين في تزايد".
- نظرة "احتقار" -
قد تكون عزلة ستاري كارافان وتزايد الخطر الروسي من أسباب قلّة الموارد الأوكرانية التي تصل إلى سيريدا وجيرانها.
يحاول دوبريشمان إبداء تفهّم وهو لم يعد يخوض سجالا مع قرويين مسنّين لرفضهم مغادرة منازلهم وحقولهم الزراعية.
لكنّه يصرّ على وجوب مغادرة العائلات الشابة التي تضم أطفالا.
ويقول الطبيب "هذه هي الحالات الأكثر حرجا. عندما نرى أطفالا نعود مرارا لإقناع العائلات بالمغادرة. نحاول أن نتلقى المساعدة من الشرطة".
ويضيف "هؤلاء الأطفال هم مستقبلنا".
لكن يبدو أن غضب سيريدا له طابع شخصي، فالمتقاعدة البالغة 66 عاما تستشيط غضبا لمجرد تفكير أحدهم بأنها كانت متعاونة مع الروس أو تتجسس لصالحهم.
وتقول سيريدا "حكومتنا تنظر إلينا باحتقار".
وتضيف "لكل منا أسبابه الخاصة التي تدفعه للبقاء ... جل ما أريده هو أن أعامَل كإنسانة، هل ما أطلبه كثير؟".
- حساء الجنود -
يعيش ميكولا بروس البالغ 69 عاما معاناة مماثلة وهو يكن حبا كبيرا لأوكرانيا وقواتها.
قريته بروسيفكا تمت تسميتها تيمّنا باسم عائلته، وعلى غرار سيريدا جذوره ضاربة في عمق الأرض.
قال متحدّثا عن مجموعة صغيرة من العسكريين منتشرين بعيدا عن الأنظار في حقول عشبية "الشباب، هؤلاء الجنود يساعدوننا طوال الوقت".
وأضاف بنبرة جدية وخالية من السخرية ""الجنود يتناوبون على رعايتي ... يطمئنون علي لمعرفة إن كنت ما أزال على قيد الحياة".
ولكن يصعب على بروس أن يتذكّر متى زار ممثل للإدارة المدنية هذه المناطق آخر مرة.
ويعبّر عن لا مبالاة بذلك بالقول "لدينا الجنود. يأتون في أي وقت خلال النهار، يحضرون لي الطعام والحساء ويساعدون في كل شيء".