لغز يحير الكثيرين.. “فاغنر” في بيلاروسيا.. لماذا يمثل هذا التمركز “شوكة” في خاصرة حلف الناتو الشرقية؟

الأمة برس - متابعات
2023-07-19

أحد السكان يسير بجوار مجموعة مرتزقة فاغنر في منطقة روستوف أون دون بجنوب روسيا (أ ف ب)

لا تزال مسألة تجمع قوات مجموعة فاغنر في بيلاروسيا تمثل لغزاً يحير الكثيرين، بعد دراما محاولة "الانقلاب" الفاشلة، فلماذا يمثل وجود القوات الروسية الخاصة شوكة في خاصرة الناتو الشرقية؟

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد منح مقاتلي مجموعة فاغنر، التي يقودها يفغيني بريغوجين، حرية الانتقال إلى بيلاروسيا، وذلك في أعقاب ما بدا أنها أخطر 24 ساعة في تاريخ روسيا الحديث، ووصفت بأنها محاولة "تمرد" فاشلة، زحف خلالها بريغوجين إلى موسكو.

وعلى الرغم من "البهجة" الغربية والأمريكية بما شهدته موسكو من أحداث درامية، كان بطلها طباخ بوتين (بريغوجين) وقواته فاغنر، فإنه سرعان ما تحولت الفرحة إلى شكوك وقلق، عبر عنه مسؤولون في حلف الناتو وخبراء أمنيون أمريكيون، والسبب هو تجمع مقاتلي فاغنر في بيلاروسيا بمباركة من بوتين، فما القصة؟

حدود بيلاروسيا مع أعضاء الناتو

تشترك بيلاروسيا (روسيا البيضاء) في حدود ممتدة مع أوكرانيا وبولندا ولاتفيا، والأخيرتان عضوان في حلف الناتو. والسبت، 8 يوليو/تموز، قال وزير الدفاع البولندي، ماريوس بلاشتشاك، إن بلاده بدأت في نقل أكثر من ألف جندي إلى حدودها الشرقية، وسط تزايد القلق من أن يؤدي وجود مقاتلي مجموعة فاغنر في روسيا البيضاء إلى زيادة التوتر على حدودها، بحسب رويترز.

وكتب بلاشتشاك على تويتر يقول "أكثر من ألف جندي ونحو 200 وحدة من العتاد من اللواءين الميكانيكيين الثاني عشر والسابع عشر بدأوا في التحرك إلى شرق البلاد"، مضيفاً: "هذا يدل على استعدادنا للرد على محاولات زعزعة الاستقرار بالقرب من حدود بلادنا".

وقبل ذلك بأسبوع، كانت بولندا قد أعلنت أنها سترسل 500 شرطي لتعزيز الأمن على حدودها مع روسيا البيضاء، إذ شهدت بولندا زيادة في عدد المهاجرين الذين يحاولون عبر حدودها مع روسيا البيضاء في الأسابيع الأخيرة.

وكان أحد القادة الكبار في مجموعة فاغنر قد أعلن أن مجموعة من المقاتلين التابعين للشركة الأمنية الروسية الخاصة يستعدون للانتقال إلى روسيا البيضاء.

وتشمل الحدود بين بيلاروسيا والدول الأعضاء في الناتو، بولندا وليتوانيا ولاتفيا، ممراً طوله أكثر من 60 ميلاً، هو ممر سوالكي على حدود بولندا وليتوانيا، ويحمل أهمية استراتيجية كبرى، نظراً لوقوعه بين بيلاروسيا وقاعدة كاليننغراد، مقر أسطول البلطيق الروسي.

أندري كارتابولوف، ضابط سابق في الجيش الروسي وسياسي حالي، أخبر التليفزيون الرسمي في روسيا أن تمركز قوات فاغنر في بيلاروسيا يضع موسكو في موقف يسمح لها بضرب أهداف حيوية لحلف الناتو بسرعة، مضيفاً أن فاغنر الآن يمكنها أن تهاجم المنطقة الحدودية في بولندا وليتوانيا "خلال ساعات".

"في حالة حدوث أي شيء، نحتاج بشدة للسيطرة على ممر سوالكي ذلك بأسرع وقت ممكن. وتوجد الآن قوة هجومية جاهزة تماماً للسيطرة على الممر في خلال ساعات"، بحسب ما قاله كارتابولوف.

هل توجد فعلاً "خطة" أعدها بوتين؟

تعليقاً على تلك التصريحات، قالت ريبيكا كوفلر ضابطة الاستخبارات العسكرية الأمريكية السابقة والكاتبة حالياً، لشبكة Foxnews الأمريكية إن "انتقال قوات فاغنر إلى بيلاروسيا قد يكون مخططاً أعده بوتين لفتح جبهة جديدة في الحرب الأوكرانية".

وبحسب المحللة الاستخباراتية الأمريكية، فإن إعادة تمركز مجموعة فاغنر كان يمثل جزءاً من خطة بوتين الهادفة إلى فتح جبهة ثانية عبر بيلاروسيا، التي توجد فيها الآن أسلحة نووية تكتيكية، وأضافت كوفلر: "تمكن بوتين – عبر أحداث توصف بأنها "انقلاب بريغوجين" – من وضع قوات فاغنر، أفضل قوة هجومية يمتلكها، في موقع يمثل تهديداً أكبر، حيث هم الآن أقرب إلى كييف وأقرب إلى حدود الناتو الشرقية في لاتفيا وليتوانيا".

هل يعني ذلك أن بوتين يسعى إلى مهاجمة الناتو؟ كوفلر لا تعتقد ذلك، لكنها ترى أن تلك الخطوة تسمح للرئيس الروسي بأن يكون "مستعداً" في حالة شعر الكرملين بأن هناك تصعيداً فعلياً في الصراع الحالي (الحرب في أوكرانيا) من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو.

"جنرالات الجيش الروسي وقياداته معروف عنهم أنهم يميلون إلى التخطيط البعيد، ومنذ أكثر من عقد خلصوا في تقييمهم إلى أن المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا أصبحت حتمية ولا مفر منها"، بحسب كوفلر، مضيفة أن "موسكو تفسر كل خطوة من جانب واشنطن والناتو في إطار هذا التقييم. ومما كان منطق (الرئيس الأمريكي جو) بايدن لتفسير هذا الانتشار (توسع حلف الناتو)، بالنسبة لبوتين هذا يعني أن أمريكا تستعد للمشاركة في القتال".

لكن كوفلر تحذر من أن روسيا يمكن أن تختار القيام بالضربة الأولى، وسيكون ذلك عبر بيلاروسيا، مجادلة بأن أي تحركات من جانب الناتو يفسرها بوتين على أنها "تصعيدية" قد تدفع الرئيس الروسي إلى التحرك أولاً: "بوتين لن ينتظر أن توجه أمريكا الضربة الأولى. لو قيمت الاستخبارات الروسية أن قوات أمريكا/الناتو على وشك المشاركة فعلياً في القتال (في أوكرانيا)، على الأرجح سيقدم بوتين على ما حذّر منه كارتابولوف (السيطرة على ممر سوالكي)".

هذا التحليل يختلف تماماً عما كانت عليه الصورة في تلك الساعات العصيبة التي شهدتها روسيا قبل أقل من شهر واحد، عندما استولت قوات فاغنر على مدينتي روستوف أون داي وفورونيغ في الجنوب، وأعلن زعيمها بريغوجين "الزحف" نحو موسكو لتخليص البلاد من "القيادة العسكرية الفاسدة"، بحسب تعبيره.

صحيح أنه تم إسدال الستار سريعاً على تمرد بريغوجين المسلّح، لكن دراما الأربع والعشرين ساعة تركت أسئلة شائكة؛ كان منها ما يخص مصير فاغنر نفسها، ومنها ما يتعلق بقبضة بوتين على السلطة، بعد أحداث 24 ساعة، من مساء الجمعة، حتى مساء السبت، 24 يونيو/حزيران.

نعم، انتهت الأزمة سريعاً جداً ودون إراقة دماء، بعد توسط رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، فأعلن بريغوجين وقف "الزحف" وأسقطت الاتهامات ضده وضد قواته المشاركة في "التمرد المسلح"، لكن كم وحجم الأسئلة التي خلفتها تلك الأحداث الدرامية المتسارعة لم يكن يشير أبداً إلى هذا السيناريو الذي يتحدث عنه بعض المحللين الغربيين، بل وكثير من المسؤولين أيضاً.

كيف يستعد الناتو لمواجهة هذا السيناريو؟

بعد أن كان الحديث في الغرب ينصبّ على استعداد بوتين "للانتقام" من طباخه وصديقه بريغوجين، وسط تأكيدات بأن زعيم فاغنر قد "حفر قبره بيديه"، جاء منح الرئيس الروسي مقاتلي مجموعة فاغنر التي يرأسها بريغوجين حرية الانتقال إلى بيلاروسيا ليثير الخوف في أعضاء حلف الناتو الشرقيين من أن يؤدي تمركز فاغنر الجديد إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

أما عن موقف بريغوجين وقواته، فقد كان رئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، قد أعلن قبل أكثر من 10 أيام أن بريغوجين لا يزال في روسيا ومعه آلاف المقاتلين، نافياً التكهنات بأن الرئيس بوتين قد يقتل بريغوجين.

كان لوكاشينكو قد ساعد في التوسط في صفقة لإنهاء تمرد فاغنر، ومن المفترض بموجب الصفقة أن ينتقل بريغوجين إلى روسيا البيضاء في مقابل إسقاط التهم عنه، لكن في تعليقات أثارت تساؤلات بشأن الصفقة، قال لوكاشينكو إن بريغوجين ومقاتليه ما زالوا في روسيا، وإنه من المحتمل ألا ينتقلوا إلى روسيا البيضاء.

ومع ذلك، قال لوكاشينكو إنه متمسك بعرضه استضافة فاغنر بموجب الاتفاق، وإنه سيتحدث إلى بوتين قريباً في هذا الصدد. وقال لوكاشينكو للصحفيين، في قصر الاستقلال في مينسك، إن بريغوجين "ليس موجوداً على أراضي روسيا البيضاء. إنه في بطرسبورغ… ربما ذهب إلى موسكو هذا الصباح".

ورداً على سؤال عن التعليقات السابقة التي أشارت إلى أن بوتين أراد "القضاء" على بريغوجين خلال التمرد، قال لوكاشينكو إن البعض في الكرملين أراد ذلك، لكنه كان سيتسبب في حرب أهلية، وأضاف "إذا كنت تعتقد أن بوتين خبيث ولديه نزعة انتقامية لدرجة أنه سوف 'يقضي عليه' غداً، لنقل ذلك باللغة الروسية: لا، لن يحدث هذا". وأوضح "مقاتلو مجموعة فاغنر موجودون في معسكراتهم.. معسكراتهم الدائمة.. التي تمركزوا فيها منذ أن غادروا الجبهة".

وأوضح أن مسألة نقل وحدات فاغنر إلى روسيا البيضاء تتوقف على قرارات الكرملين وفاغنر، وقال رئيس روسيا البيضاء إن "بوتين يفي بوعده"، مضيفاً أن بريغوجين يعتزم مواصلة العمل مع فاغنر لصالح روسيا، وأشار إلى أن قوات المجموعة العسكرية الخاصة يمكن أن تكفر عن خطاياها من خلال القتال في أصعب المناطق على الجبهة الأوكرانية.

وقبل أسبوع، قال ديمتري ميدفيديف، نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي برئاسة بوتين، إن زيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) مساعداته العسكرية لأوكرانيا تقرب الحرب العالمية الثالثة، وكتب على تليغرام "لم يستطع الغرب، الذي استبد به الجنون، أن يأتي بشيء آخر… في الواقع، إنه طريق مسدود. الحرب العالمية الثالثة تقترب"، مضيفاً: "ماذا يعني كل هذا بالنسبة لنا؟ كل شيء واضح. العملية العسكرية الخاصة ستستمر لنفس الأهداف".

تصف موسكو الحرب في أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، هدفها الرئيسي منع كييف من الانضمام إلى حلف الناتو، بينما يصف الغرب الحرب المستمرة منذ أكثر من 500 يوم بأنه "غزو عدواني غير مبرر".

أما بوتين نفسه، فقد قال الخميس 13 يوليو، بالتزامن مع ختام قمة الناتو في ليتوانيا، إن إرسال أسلحة جديدة لأوكرانيا لن يغير شيئاً في ساحة المعركة، ولن يؤدي سوى إلى تصعيد الصراع هناك، وأضاف للتليفزيون الرسمي أن الدبابات التي تقدمها القوى الغربية لأوكرانيا ستكون "هدفاً ذا أولوية" للقوات الروسية التي تقاتل هناك، مكرراً معارضته لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، قائلاً إن ذلك سيهدد أمن روسيا.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي