ابراهيم بحر في «صوت الناس»: الفن من أجل الحياة

2023-07-02

زينب علي البحراني

عُرِف الفنان البحريني الراحل «إبراهيم بحر بعشقه فن التمثيل والفنون المُرتبطة به، من إخراجٍ وتأليف، مثل أدوارا مُتنوعة مسرحا وتلفزيونا وسينما، وألف عددا من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية والمسرحية، كما أخرَج العديد من المسرحيات، ما جعل تجربته الفنية تستحق الدراسة والبحث، كما يرى الناقد الفني البحريني عباس القصاب، لذا وقع اختياره على تلك النصوص المسرحية ليضعها تحت مجهر التحليل والقراءة النقدية في كتابه «صوت الناس: قراءة نقدية في نصوص إبراهيم بحر المسرحية»، ولعل أبرز ما يلفت انتباه القارئ خلال رحلته بين صفحات هذا الكتاب حرص المؤلف على تبسيط المضمون، وتقديمه بلغةٍ سهلةٍ قادرة على جذب قارئه ـ غير المُتخصص بالنقد- من صفحةٍ إلى أُخرى دون ملل، إن «القصاب» هُنا يكسر المُعتاد مع كُتُب النقد، مُقدما نموذجا نقديا فريدا يبدو أقرب إلى السيرة الفنية المُمتعة، أو المقالات المُترابطة المُتجانسة بعيدا عن المصطلحات النقدية العويصة، أو التعابير المُعقدة المملة.

لقد كان للعلاقة الشخصية الودية بين مؤلف الكتاب، والفنان الراحل إبراهيم بحر دور لا يُستهان به في اتخاذ قراره بإعداد هذه الدراسة عن نصوصه المسرحية، ويتجلى أثر تلك بين صفحات الكتاب، ففي صـفحة 29 المعنونة بـ«هوس الكتابة» يصفه بـ «العزيز» في قوله: «أحب عزيزنا الكتابة الدرامية، وقد تفرغ إليها في سنواته الأخيرة.. إلخ»، وفي مكان آخر يقول: «وإثر رحيله المؤلم بعد أن أفنى في الفن حياته، أحسستُ بشعورٍ غريب ينتابني حينما أراه ماثلاُ في مُخيلتي، ونحن نتجاذب أطراف الحديث عن المسرح والفن وبقية مناشط الحياة، فجمعتُ قواي، وتناولتُ مجموعتيه المسرحيتين، وأعدتُ قراءتهما بعينٍ أُخرى».

تاريخ مسرحي ثري

امتاز التاريخ الفني للفنان إبراهيم بحر في كونه ثريا بأعمال مسرحية تراوحت مشاركاته فيها بين التمثيل والإخراج والتأليف، من هُنا يُشير الكتاب إلى ثمانية أعمال مسرحية شارك فيها الفنان إبراهيم بحر ممثلا؛ وهي: السيد، وا قُدساه، سوق المقاصيص، درب العدل، كبش لكل زمان، رأيتُ الذي سوف يحدُث، خميس وجمعة، كشخة ونفخة.. وإلى سبعة أعمال كان مُخرجا لها: الدانة، وجها لوجه، الحريق، الدنيا دوارة، لمفهي، السيد دينار، نعيمة. أما في مجال التأليف المسرحي فقد أصدر مجموعتين؛ إحداهما بعنوان: «لحظات منسية ومسرحيات أُخرى» عام 2006، والثانية «قبل أن تأتي فتون ومسرحيات أُخرى» بعد المجموعة الأولى بعشر سنوات، مع التأكيد على أنهُ «لم يكُن يكتُب من أجل الكِتابة فحسب؛ بل كان يؤلف ويكتب من أجل تمثيلها وعرضِها على خشبة المسرح..».

هموم اجتماعية ورومانسية

تمتاز نصوص إبراهيم بحر المسرحية ببضع سمات سلط عليها المؤلف ضوء اهتمامه، لعل أبرزها انتماء تلك النصوص إلى «المدرسة الواقعية ذات الطابع الاجتماعي، فكانت موضوعاته ومقاصده واضحة دون حاجة إلى التعقيد والتوغل في الرمزية العميقة، لأنه «أراد أن تصل رسالته الفنية إلى كل المجتمع بمُختلف مُستوياته بوضوح وشفافية»، كما أن تلك النصوص «لم تبتعد عن آلام الناس وأمانيهم ومُعاناتهم، فهو الفنان الملتزم، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية المجتمع بالأساليب الفنية والإبداعية».

من جانبٍ آخر لا يخلو أحد أعماله المسرحية من لحظات «الرومانسية» بمعناها العاطفي وتصوير مشاهد الحُب في ظل صخب الأحداث، لكن ثمة علاقات حُب في تلك المسرحيات يقول عنها الناقد عباس القصاب: «يُمكن أن أُطلق عليها شائكة، لا تنتهي إلى نهاياتٍ سعيدة، وكأنما يُكمل مؤلفنا لوعة الحُب والغرام في الشعر العربي، وخصوصا القديم، وما تؤول إليه النهايات الحزينة من فراق وتباعُد لسبب أو آخر»، وهو في تلك المشاهد الرومانسية يستخدم لُغة شاعرية جميلة «تنم عن حسٍ مُرهف، وأسلوب جميل، تُعبر عن دواخل نفس العاشِق، وأحاسيسه».

ولحقوق المرأة نصيب

لم يُهمل الفنان إبراهيم بحر العُنصر النسائي وقضايا المرأة في مسرحياته، بل حملها على محمل الجد ووهبها أدوارا بطولية في بعض تلك النصوص، وعن هذا يقول الناقد عباس القصاب في كتابه: «تناولت نصوصه المرأة بمُختلف تموجاتها، وتنوع أدوارها الاجتماعية، فقد وردت في نصوصه بطلة، ودورا ثانويا مؤثرا، وهامشيا، ولكنه كان يصوغ مواقفه من استشراف الحوارات وأحداث المسرحيات، ليُعلن بصراحة مواقف مُكررة من المرأة وما يدور في شأنها من أحاديث وأفكار. ثمة اعتبارات كثيرة تُعاني منها المرأة في مجتمعاتنا، التي تعد ذكورية من حيث غلبة الرجل في فرض فحولته الشرقية، انطلاقا من الإثنولوجيا والعرف الاجتماعي والموروث الشعبي الذي تكون فيه يد الرجُل هي العُليا».

توظيف الموروث الشعبي

يرى المؤلف أن الفنان إبراهيم بحر وظف الموروث الشعبي توظيفا لافتا في أغلب مسرحياته، لاسيما وأن كونه ابن منطقة «المحرق» التي «تعبق بماضيها الجميل، وتراثها البحريني الأصيل، والتي تفوح بين طرقاتها وممراتها رائحة البخور الزكية»، إذ كان لتلك الأجواء بين عوائلها وأحيائها وشوارعها أثر ظاهر رسّخ حب الموروث الشعبي في وجدانه وجعلهُ مُرتبطا به. كُل تلك السمات جعلَت «صوت الناس» حاضرا في نصوصه المسرحية، وكان لهذا الصوت صداه المؤثر الذي استحق تأليف كتابٍ بهذا العنوان.

كاتبة سعودية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي