صاندي تايمز: مقتل نائل مرزوق كشف عن مجتمع متشرذم وعنصرية الشرطة ضد أبناء الضواحي

2023-07-02

كشف مقتل مرزوق عن عدد الأشخاص الذي قتلوا على يد الشرطة بعد رفضهم تلبية الأوامر للتوقف (أ ف ب)نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا من إعداد بيتر كونراد من ضاحية نانتري في باريس قال فيه إن مقتل نائل مرزوق، 17 عاما أدى لتظاهرات لم تشهدها فرنسا منذ عقود. وقتل مرزوق على مسافة أقل من ميل من البرج السكني الذي قضى فيه معظم شبابه في ضاحية نانتري.

وقاد القتل المستهدف للشاب الذي انتقل أجداده للعيش في فرنسا من الجزائر لموجة عنف لم تمر على البلاد منذ عقدين حيث تم اعتقال الآلاف وحرق مجمعات سكنية ونهب محلات تجارية وإشعال النار في البنايات العامة. ونشرت الشرطة أكثر من 45.000 من عناصرها في نهاية الأسبوع في وقت تتزايد فيه الضغوط على الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.

ومنذ انتخابه رئيسا قبل ستة أعوام واجه الرئيس إيمانويل ماكرون احتجاجات من أصحاب الستر الصفراء والاحتجاجات الأخيرة ضد قانون رفع عمر التقاعد والذي اتخذ طابع العنف. ولكن الموجة الأخيرة التي انتشرت بسرعة غير متوقعة وقوة ستكون على الأرجح أكبر وأكثر دموية.

وتساءلت الصحيفة عن السبب وراء مقتل الشاب نائل الذي أوقف عندما إشارة المرور وسجل مار لحظة قتله على الفيديو بطريقة ذكرت بالعنف الذي انتشر بعد مقتل جورج فلويد في ممفيس، وقتل على يد الشرطة أيضا؟ ومن هو نائل مرزوق؟

قال جمال بحري الذي كان مرة جارا ويعرف جيدا والدة نائل، منية، 44 عاما وجدته فاطمة “كان ولدا طيبا” و”كانوا في حالهم ولم يكونوا قادرين على إيذاء أحد. وتأثرت “عندما شاهدت والدته على التلفزيون، وكسر قلبي، وأن ترى وردة تنمو ثم تؤخذ منك بالقوة وموت رهيب مثل هذا، غير مقبول”.

والتقى الصحافي بحري في المسيرة البيضاء التي عقدت تكريما لمرزوق بعد يومين من مقتله، ومرت من إسكان بابلو بيكاسو إلى محطة الشرطة قرب المكان الذي قتل فيه مرزوق “جئت لمشاركة غضبي ورفضي” قال بحري. وكانت منية التي تعمل في المستشفى على رأس المسيرة وتقف فوق حافلة مستأجرة وتلوح بيافطة مكتوب عليها “العدالة لنائل” وتقود هتافات غاضبة تشجب الشرطة، وعندما رأت بحري ابتسمت له.

وتوقفت امرأة أخرى مشاركة بالمسيرة لكي تتذكره “عرفته منذ أن كان في بطن أمه، ولم يفعل أي خطأ، وكان والد لطيفا”، مضيفة “نعم لم يكن يحمل رخصة سياقة وهذا ليس سببا لأن تقتله الشرطة”.

وما بدأ كمسيرة سلمية لتكريم نائل تحول بعد ساعة إلى مواجهة بين المشاركين والشرطة. وفي تلك الليلة هاجم المتظاهرون عدة صحافيين بمن فيهم مصور هذه الصحيفة ناثان لين. ومشاهد مواجهات كهذه تكررت في كل أنحاء فرنسا، ولم تبد أي إشارة عن النهاية.

وقالت الشرطة يوم السبت إنها اعتقلت 1.300 شخصا، ومع أن العنف تركز في الضواحي إلا أنه انتشر لمركز باريس والمدن الأخرى، حيث قام ملثمون بتهشيم النوافذ والنهب.

وكان نائل هو الابن الوحيد لمنية ونشأت بعيدا بأميال عن ناتري في سورين، حيث استقر والديها بعدما انتقلا إلى فرنسا. وطلقت من زوجها عندما كان نائل طفلا صغيرا وربته بنفسها. وعاشا أولا في فيو بونت قبل الانتقال إلى سكن بابلو بيكاسو. ودرس نائل في مدرسة جان بيرين الفنية، رغم مشاكله المتعلقة بالانضباط وكان لا يحضر الدروس ويعمل في توزيع البيتزا. ووجد مهربا من مشاكله في رابطة الرغبي، حيث ساعد نادي قراصنة ناتري الأطفال الذين يعانون من مشاكل سلوكية مثل نائل، وبعد مقتله أثنى جيف بوش، رئيس النادي عليه “كان يريد المضي للإمام” و”كلفناه بعدد من المهام ونفذها وكانت لديه إمكانيات حقيقية”.

وأكدت عائلة نائل، في مقابلات موجزة مع الصحافة الفرنسية أنه بدون سجل جنائي. ومثل بقية الأطفال الذين نشأوا في الأحياء الفقيرة والمتنوعة عرقيا كانت لديه جنح صغيرة مثل القيادة بدون رخصة، وكان آخرها عندما رفض الوقوف عند طلب الشرطة منه في الأسبوع الماضي، وكان سيظهر أمام محكمة أحداث في أيلول/ سبتمبر.

وتشير الصحيفة إلى تسلسل الأحداث التي قادت لمقتل نائل، في صباح يوم الثلاثاء وبعد قضاء الليل مع والدته، كان يقود سيارة مرسيدس بلوحة بولندية، ولم يعرف من أين حصل عليها. وعندما شاهده رجلي شرطة على دراجتين ناريتين لاحقاه حتى توقفت السيارة عن إشارة ضوئية حيث نزل الرجلين عن دراجتيهما، وأطلق أحدهما النار على الشاب وأصابه في صدره.

وفي الفيديو الذي نشر سمع رجل الشرطة وهو يصرخ قائلا “ستنال رصاصة في رأسك”. ولماذا أطلق الشرطي النار على نائل، أمر لا يعرفه أحد، لكن محاميه لورين- فرانك لينارد زعم أن الشرطي صوب مسدسه على رجل نائل إلا أن حركة السيارة دفعت الرصاصة باتجاه الصدر.

وفي رواية أخرى قدمها الشاب الذي كان يجلس في المقعد الخلفي مع نائل قال فيها إن الشرطي ضرب نائل بعقب مسدسه وأن الشاب “لم يدر ماذا سيفعل، فقد كان مصدوما” وفي حالة فزعة رفع قدمه عن الكابح مما أدى بالسيارة للتقدم أماما وعندها قام رجل الشرطة بإطلاق النار، ومهما كان الأمر فقد أدت لمقتل السائق ولصدم السيارة قارعة الطريق ولم تنجح محاولات الشرطة التي وصلت بعد دقيقتين لإنقاذه، حيث أعلنت عن وفاته في 9.15 صباحا. وفر واحد من الشابين اللذان كانا مع نائل أما الثالث فقد اعتقل في مكان الحادث، ووجهت في اليوم التالي تهمة القتل العمد للشرطي ولا يزال محتجزا ووضعت زوجته وابنه تحت حماية الشرطة.

ومثل جورج فلويد الذي مات خنقا، فقد أدى مقتل نائل إلى حالة من الغضب العام ومن ماكرون. واتهم معارضو الرئيس من اليمين بأنه يقوم بإثارة لعبة النار ولوم الشرطة. وطالبوا من الرئيس إعادة النظام العام، وكذا اتحادات الشرطة التي قالت إنها في حرب ضد “حشرات” و”جحافل متوحشة”.

وشدد ماكرون من موقفه وناشد العائلات لمنع أبنائها “المخمورين” من ألعاب الفيديو عن المشاركة في أعمال الشغب. إلا أن الرئيس أحرج عندما تبين أنه وزوجته بريجيت قضيا الليلة بعد القتل في مشاهدة حفلة موسيقية أحياها المغني البريطاني التون جون والتقطا صورة معه.

وفي ذهن الرئيس كان منع أعمال شغب كتلك التي شهدتها فرنسا عام 2005 عندما مات كل من زياد بينا، 17 عاما وبونا تراوري، 15 عاما ومن أصول أفريقية أيضا، صعقا بالكهرباء بعدما احتميا بمحطة توليد كهرباء في كليشي سو- بوا، في شرق باريس هربا من الشرطة التي يعتقد أنها كانت تلاحقهم. وأعلن الرئيس في حينه جاك شيراك حالة الطوارئ استمرت مدة 3 أشهر واعتقل 2.760 شخصا وحرقت 8.000 سيارة وعدد لا يحصى من المباني.

وتعلق الصحيفة أن العلاقات العرقية أصبحت وخلال العقود الماضية مسألة خطيرة حيث زاد عدد المهاجرين. وهناك حوالي 7 ملايين أو أكثر في فرنسا، ولدوا كأجانب وخارج فرنسا ولوالدين غير فرنسيين، وذلك حسب وكالة الإحصائيات الوطنية. وهناك ملايين من أصول مهاجرة مثل نائل الذي تعود جذور عائلته إلى شمال أفريقيا.

وأصبحت معاداة المهاجرين أمرا مركزيا في خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب مارين لوبان التي كانت في المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة ضد ماكرون، وستكون لديها فرصة عام 2027 نظرا لمنع الدستور ماكرون الترشح لمرة ثالثة. وقادت هجمات تنظيم الدولة عام 2015 ضد باريس لحالة من تأكيد اللائكية ومنع الحجاب وهو ما اعتبره المسلمون هجوما على دينهم. واليوم هناك مخاوف من انتشار الاحتجاج أبعد مما حدث عام 2005، وهذا راجع للاحتجات الأخيرة ضد ماكرون، فالمزاج ضد الرئيس غاضب.

وكشف مقتل مرزوق عن عدد الأشخاص الذي قتلوا على يد الشرطة بعد رفضهم تلبية الأوامر للتوقف. وفي العام الماضي، قتل حوالي 13 شخصا في حوادث مماثلة معظمهم عرب وأفارقة. وحالة نائل هي الثالثة هذا العام. وسجلت في ألمانيا أكثر من حالة منذ العقد الماضي. وفي بريطانيا من الصعب التفكير بوضع مقارن، إلا أن مقتل مارك دوغان على يد الشرطة في توتنهام، شمال لندن عام 2011 كان سببا في احتجاجات واسعة. وحمل المعلقون الحكومة المسؤولية وقانون مرر عام 2017 والذي منح الشرطة حق استخدام السلاح حتى في حالة عدم تعرض حياتهم للخطر.

وفي قلب هذا، تحطم العلاقة بين الشرطة والشباب في الضواحي الذين جاء أجدادهم مثل نائل من الجزائر وشمال أفريقيا في الستينات والسبعينات. وأثر النقاش حول مقتل فلويد وانتشار التأييد لحركة مي تو على العلاقات العرقية والهوية في فرنسا.

وكشف كتاب أعده صحافي اسمه فالنتين جيندرو باسم “شرطي” عن حجم العنصرية داخل قوى الشرطة ضد من يطلق عليهم أولاد الحرام. وابن الحرام هو الشخص تحت سن الثلاثين من أصول عربية أو أفريقية وببشرة داكنة أو يرتدي البوت الرياضي أو ملابس رياضية. وقال جيندرو إن الكلمة مرعبة ولكن الشرطة تستخدمها. وبعد ثلاثة أعوام لم ير أية محاولة جادة لمعالجة القضايا التي طرحها في كتابه.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي