
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بيتر بيكر قال فيه إن التمرد الذي لم يعمر طويلا قدم إضاءة على سيطرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على السلطة. وقال إن المسؤولين الأمريكيين طرحوا وعلى مدى طويل على أنفسهم سؤالا لم يتجرأ أي واحد منهم التعبير عنه علنا: هل يمكن أن تقود العملية العسكرية الروسية الفاشلة في روسيا إلى سقوط فلاديمير بوتين؟
ولساعات قليلة نهاية هذا الأسبوع قدم المشهد الفوضوي صورة أن التفكير هذا لم يكن مجرد خيال. وحتى بعد نهاية التهديد الذي مثله زعيم مرتزقة فاغنر، يفعيني بريغوجين، فإن التمرد قصير الأمد يقترح أن سيطرة بوتين على السلطة ليست قوية كما كانت منذ توليه الحكم قبل عقدين.
وأضافت الصحيفة أن تداعيات ما بعد العصيان تترك الرئيس جو بايدن والمسؤولين الأمريكيين أمام فرصة ومخاطر وربما أكثر اللحظات تقلبا منذ قرار بوتين غزو أوكرانيا قبل عام. فلربما أدت الفوضى في روسيا إلى انهيار جهودها الحربية في وقت بدأت فيه القوات الأوكرانية هجومها المضاد، إلا أن المسؤولين في واشنطن ظلوا قلقين بشأن بوتين المسلح بالقنابل النووية وعندما يشعر بأنه بات في لحظة ضعف.
وقالت إيفلين أن فاركاس، المديرة التنفيذية لمعهد ماكين للقيادة الدولية والمسؤولة السابقة بالبنتاغون “بالنسبة للولايات المتحدة، فمن صالحها أن ينحرف اهتمام روسيا وسيضعف هذا الجهود في الحرب الأوكرانية وسيجعلهم أقل ميلا لإثارة مشاكل في أماكن مثل روسيا” مضيفة “كل ما نريده هو أن يظل الجيش النظامي يتحكم بالمنشآت النووية”.
وتمثل المواجهة في الطريق إلى موسكو وإن كانت قصيرة، أهم لحظة صراع على السلطة في روسيا منذ عام 1991 عندما فشل انقلاب المتشددين ضد ميخائيل غورباتشوف والمواجهة في عام 1993 بين بوريس يلتسين والبرلمان. وعلى خلاف هاتين الحادثتين ليس للولايات المتحدة طرف مفضل، فبريغوجين ليس صديقا للولايات المتحدة أكثر من بوتين. وكان رد بايدن على الأزمة “عدم الرد”، ومال نحو الحذر ولم يطلق تصريحات علنية التي قد تعطي بوتين سلاحا للزعم بأن ما حدث هو مؤامرة أجنبية، وهو ما يدعيه الكرملين دائما عند مواجهة مشاكل محلية.
وأخر بايدن رحلته إلى منتجع كامب ديفيد وعقد اجتماعا طارئا في وورد روم ذلك أن الغرفة يتم فرشها من جديد واتصل مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وألغى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان رحلة إلى الدنمارك ورافق الرئيس إلى كامب ديفيد، كما وألغى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي زيارة إلى كل من إسرائيل والأردن.
وبعيدا عن التصريحات التي عبرت عن التزام بدعم أوكرانيا راقب المسؤولون الأمريكيون الأحداث وهي تتكشف ودراسة التقارير الاستخباراتية لبناء رؤية عن الوضع. ولدى الإدارة استراتيجيات طارئة ومعدة مسبقا، ولكنها مثل أي طرف راقبت الأحداث وحاولت الحصول على معلومات قوية من روسيا وتفسيرها، واعتمدت في كل هذا على منصات التواصل الاجتماعي والإعلام ومصادر مفتوحة وأرصدة أمنية تقليدية. وركز المسؤولون الأمريكيون بشكل خاص على الترسانة النووية الروسية وما يعني عدم استقرار بلد لديه قدرات كافية لمحو كامل الكرة الأرضية، إلا أن مسؤولا أمريكيا قال إن واشنطن لم تلاحظ أي تغير في الوضع النووي الروسي ولم تقم بأي تغيير بموقفها.
وقال جيمس غولدغيير، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية والمختص بالشؤون الروسية “كانت الأمور تتحرك بسرعة ومن الصعب معرفة أين ستنتهي، إلا أن الموضوعين المهمين بالنسبة للولايات المتحدة هما قيادة السلاح النووي والتداعيات على جهود أوكرانيا لتحرير المزيد من الأراضي”. وقالت أندريا كيندال، المحللة السابقة في الاستخبارات للشؤون الروسية والباحثة في مركز الأمن الأمريكي الجديد إن الولايات المتحدة لديها مساحة تأثير قليلة لكي تحرف مسار الأحداث وعليها التركيز على منع انتشار العنف والفوضى، و”يجب على الولايات المتحدة تجنب تغذية الرهاب داخل روسيا وهو أن أمريكا والناتو يريدون استغلال الفوضى”، مضيفة “هذا مهم لمنع رد فعل مفرط من موسكو وعلى المدى البعيد حالة حان وقت إعادة العلاقات مع روسيا في المستقبل”.
وعلى أية حال، بدا الوضع للمسؤولين الأمريكيين بأنه تأكيد على تراجع قوة بوتين. فهم يراقبون التصعيد الذي بدأه بريغوجين منذ عدة أشهر ضد القيادة العسكرية ووزارة الدفاع وطريقة إدارتها للحرب في أوكرانيا، وتساءلوا مثل البقية عن سبب تسامح بوتين مع معارضة علنية وتساءلوا إن كان بوتين يشجع عليها بطريقة غير مباشرة. ولكن المسؤولين في مجلس الأمن القومي والبيت الأبيض رأوا في أحداث السبت ضربة موجعة لموقف بوتين. فواحد من رجالات الرئيس الذي قاد حملة التدخل بالانتخابات الأمريكية عام 2016، دحض فكرة بوتين عن الحرب ورفض أن الغزو مبرر ورد على تهديد مفترض على روسيا من أوكرانيا والناتو.
ثم جاء خطاب بوتين الذي قارن بين تمرد بريغوجين والوضع في روسيا عام 1917 عندما كان القيصر يفقد السلطة بسبب حرب فاشلة، وهو ما زاد التكهنات بأن بوتين يفقد السيطرة على الوضع في البلاد. وبتراجعه عن تهديداته بسحق بريغوجين بعد ساعات فقد تنازل عن حقه باستخدام السلطة وحده في الأراضي الروسية.
وعلقت ألينا بولياكوفا، رئيسة المركز لتحليل السياسات الأوروبية بواشنطن “شيء واحد واضح، بدا بوتين ضعيفا” إلا أن انهيار حكومة بوتين يحمل معه مخاطر، ولهذا فعلى الولايات المتحدة وحلفائها “التركيز على دعم أوكرانيا والتخطيط لكل السيناريوهات المحتملة، بما فيها سقوط نظام بوتين والبديل عنه من فصيل متطرف سيكون أكثر قسوة وأقل انضباطا عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا”.
وحتى لو بقي في السلطة، فهناك مخاوف لدى صناع السياسة الأمريكية بأنه سيصبح أكثر تقلبا عندما يشعر أنه محشور بالزاوية “الضعف يدفع لسلوك خطير من جانب بوتين”، حسب جون هانتسمان، السفير الأمريكي السابق في موسكو و”هناك اهتزازات في مناعة بوتين والتي سيتم استغلالها من كل زاوية”.
وبالنسبة لأوكرانيا التي كانت تعمل بالترادف مع مزودي السلاح الغربيين والأمريكيين وبدأت هجوما مضادا فالخلافات الداخلية الروسية تعتبر تطورا مرحبا به. ونظر لمرتزقة فاغنر بأنهم الأشرس والأكثر فعالية في الحرب الأوكرانية إلا أن زعيمها في المنفى ببيلاروسيا وبقية القوات ستدمج مع القوات الروسية، بحيث لن تكون فعالة كالسابق. ولسوء حظ أوكرانيا فقد انتهى تمرد بريغوجين قبل أن يتم سحب أي من الوحدات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولكن المسؤولين الأمريكيين يأملون بأن يؤدي الخلاف لصداع بين القوات مع تزايد الشكوك حول منطق الحرب.
وهناك قلة تعتقد أن بريغوجين أصبح رجل الماضي وسيعود لبيع النقانق كما فعل عندما كان شابا، فلديه الكثير من الأوراق للعبها. وبالتأكيد يرى كيرت فولكر، سفير الناتو السابق والمبعوث الخاص في أوكرانيا أن ثورة بريغوجين هي بداية النهاية للحرب ولحكم بوتين، حتى مع الصفقة التي أوقفت الزحف نحو موسكو.