بوتين في مأزق.. كيف قد تؤثر "دراما فاغنر" على مسار الحرب في أوكرانيا؟

الأمة برس - متابعات
2023-06-25

بوتين في مأزق.. كيف قد تؤثر "دراما فاغنر" على مسار الحرب في أوكرانيا؟ (ا ف ب)

بعد أن انتهت أطول 24 ساعة في تاريخ روسيا بوتين، باتفاق بين الكرملين وبريغوجين، السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو: كيف ستتأثر الحرب في أوكرانيا بالتمرد المسلح لمجموعة فاغنر رغم إجهاضه سريعاً؟

كانت قوات مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، بزعامة بريغوجين، قد أوقفت زحفها نحو العاصمة الروسية موسكو، بعد التوصل إلى اتفاق بوساطة من رئيس بيلاروسيا أليكساندر لوكاشينكو، فتم بواسطته نزع فتيل التحدي الأكبر لسلطة الرئيس فلاديمير بوتين خلال أكثر من عشرين عاماً.

وقال بريغوجين، الذي كان يوصف بأنه "طباخ بوتين" قبل الأحداث التي وصفها الرئيس بأنها تمرد مسلح وخيانة وطعنة في الظهر، إن رجاله وصلوا إلى مسافة 200 كيلومتر من العاصمة، بينما كانت موسكو قد نشرت جنوداً استعداداً لوصولهم، وطلبت من السكان البقاء في المنازل.

كيف تسير الحرب في أوكرانيا؟

تزامنت الأحداث الدرامية في روسيا مع الهجوم المضاد الكبير الذي تشنه القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب، وهو الهجوم الذي طال انتظاره، ولا يبدو أنه يحقق أهدافه حتى الآن.

وبما أن قوات فاغنر تعتبر رأس الحربة في القوات الروسية التي تقاتل بشراسة للاحتفاظ بمواقعها على طول خط المواجهة في أقاليم شرق وجنوب أوكرانيا، التي أعلنت روسيا عن ضمها رسمياً، فمن الطبيعي أن يمثل ما حدث خلال الساعات الأخيرة أخباراً جيدة للأوكرانيين والعكس بالنسبة للروس.

وهذا ما عبّر عنه مسؤولون أوكرانيون بقولهم إن الفوضى في روسيا تصب في مصلحة كييف، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الرئيس فولوديمير زيلينسكي وجيش بلاده الاستفادة من الاضطرابات التي وقعت السبت، 24 يونيو/حزيران، عندما توجه مقاتلو مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة نحو موسكو.

لكن لم تستمر الأحداث طويلاً، إذ قال بريغوجين مؤسس مجموعة فاغنر إنه أوقف "مسيرته من أجل العدالة" صوب موسكو، بعد اتفاق جنّبه هو ومقاتليه مواجهة تهم جنائية، وينص الاتفاق أيضاً على نفي بريغوجين إلى روسيا البيضاء.

وقال زيلينسكي في خطابه الليلي المصور: "العالم شاهد اليوم سادة روسيا وهم لا يسيطرون على أي شيء، لا شيء على الإطلاق، فقط فوضى تامة"، مناشداً حلفاء أوكرانيا استغلال تلك اللحظة وإرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف.

مناشدات زيلينسكي ومسؤولين آخرين في إدارته تبدو غريبة بعض الشيء، في ظل التدفق غير المسبوق للأسلحة الغربية على كييف خلال الأشهر الماضية، والتي شملت دبابات متطورة للغاية وأنظمة صواريخ باتريوت الأمريكية، ومؤخراً أيضاً تم الاتفاق على إرسال طائرات إف-16 الأمريكية إلى أوكرانيا.

لكن رغم تدفق الأسلحة والمعدات الغربية، والأشهر الطويلة التي استغرقتها كييف تحضيراً لما كانت توصف بمعركة الربيع، فإن هذا الهجوم المضاد الكبير تأخر كثيراً، ثم بدأ على استحياء ولم يحقق الأهداف المنتظرة أو المتوقعة، بشهادات المسؤولين الغربيين أنفسهم.

ويمثل هذا الهجوم الأوكراني المضاد نقطة مفصلية في الصراع الذي اندلع في فبراير/شباط 2022، وهو في جوهره صراع بين موسكو والغرب بقيادة واشنطن، حيث يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن محاولات ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو تعتبر تهديداً خطيراً للأمن القومي لبلاده.

وكانت صحيفة The Guardian البريطانية قد نشرت تقريراً يرصد تفاصيل ذلك الهجوم الأوكراني المنتظر، والذي بدأ بالفعل ولكن بشكل متحفظ، ففي مساء الأحد، 4 يونيو/حزيران، بدا أنَّ الجيش الأوكراني تقدَّم في العديد من الاتجاهات، وخرجت تقارير تفيد بتصعيد كبير في القتال بطول خط الجبهة في منطقتي دونيتسك وزابورويجيا.

لكن لم يكن هناك تأكيد من المسؤولين الأوكرانيين بأنَّ الهجوم المضاد قد بدأ بالفعل. وتشدد الحكومة الأوكرانية على الحاجة للسرية العملياتية. ونشر وزير الدفاع، أولكسي ريزنيكوف، مقطع فيديو في بداية يونيو/حزيران، يُظهِر جنوداً وهم يضعون أصابعهم على أفواههم. وكتب مُعلِّقاً اقتباساً من فرقة Depeche Mode الغنائية يقول: "الكلمات غير ضرورية على الإطلاق، فإنَّها لا تتسبب إلا بالضرر".

لكن روسيا أعلنت عن فشل الهجوم الأوكراني، فغيرت إدارة زيلينسكي استراتيجيتها، وتحدثوا عن أن الهجوم بدأ بالفعل، مشيرين إلى أن "الضربة الكبرى" لم تأتِ بعد.

كيف سيؤثر تمرد فاغنر على حرب أوكرانيا؟

الاضطرابات التي تسبب فيها بريغوجين تمثل بلا شك أكبر تحدٍّ يواجه الرئيس فلاديمير بوتين في الداخل على مدار 23 عاماً قاد خلالها روسيا، لكنه يمثل أيضاً فرصة لأوكرانيا في هذا التوقيت.

فبينما وصف بوتين تحركات بريغوجين بأنها "ضربة لروسيا"، نقلت وكالة أنباء يوكرينفورم الأوكرانية التي تديرها الحكومة عن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قوله السبت "أي فوضى خلف خطوط العدو تصب في مصلحتنا".

وقال كوليبا إنه من السابق لأوانه الحديث عن عواقب ما حدث بالنسبة لأوكرانيا، لكنه أجرى في وقت لاحق من نفس اليوم مكالمة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لمناقشة الأحداث وتطورات الهجوم المضاد الذي تشنه كييف.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان بعد ذلك، إن واشنطن ستظل "في تعاون وثيق" مع كييف في ظل تطور الوضع.

أما ميدانياً، فقد أعلن الجيش الأوكراني السبت عن هجوم قرب قرى تحيط بمدينة باخموت، التي كانت قوات فاغنر قد سيطرت عليها، في مايو/أيار الماضي، بعد شهور من القتال. وزعمت كييف أيضاً تحرير قرية كراسنوهوريفكا في إقليم دونيتسك. وقال زيلينسكي مؤخراً إن الهجوم المضاد بشكل عام "أبطأ مما هو مرغوب فيه".

وقال أوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، السبت، إنه لم يحدث انسحاب على الفور للقوات الروسية من خط المواجهة إلى موسكو. ونقلت وسائل إعلام حكومية أوكرانية عن دانيلوف قوله "لا يزالون جميعهم في أماكنهم، إنهم يواصلون مقاومتهم".

ونشرت صحيفة Financial Times البريطانية تقريراً عنوانه "هل سيؤثر تمرد فاغنر على حرب أوكرانيا؟"، يرصد كيف أن الأمنيات بأن يؤدي تمرد بريغوجين إلى وقوع روسيا في حرب أهلية، وتغيير النظام وانهيار حربها في أوكرانيا، قد تبخرت سريعاً.

لكن هذه الدراما التي تشهدها روسيا لا تزال لها فوائد ومزايا محتملة لأوكرانيا، في مسعاها لإجبار القوات الروسية على الانسحاب من جنوب وشرق البلاد. وقال فيتالي ماركيف، ضابط الحرس الوطني الأوكراني الذي يعمل في الخطوط الأمامية، لصحيفة Financial Times يوم السبت: "معنويات القوات الأوكرانية مرتفعة جداً، ونحن نراقب ما يحدث في روسيا بحماس شديد".

وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية فإن تهديد بريغوجين الانقلابي جاء في لحظة مناسبة لكييف، التي لم يحقق هجومها المضاد سوى مكاسب محدودة على الأرض منذ انطلاقه مطلع هذا الشهر. وأثارت الإخفاقات في ساحة المعركة مخاوف إزاء قدرة الجيش الأوكراني على اختراق المواقع الروسية شديدة التحصين.

ماذا عن تبعات التمرد في روسيا بوتين؟

لكن لا يزال البعض في الغرب يرون أن تمرد بريغوجين ينم عن ضعف بوتين، ويسلط الضوء على الانقسامات في الآلة العسكرية الروسية، واحتمال وجود خيانات. وقال مسؤولون أوكرانيون إن الصراع على السلطة في روسيا لم يؤدِّ إلى تغييرات جذرية على خط المواجهة، لكنه أتاح فرصاً لاستغلال تشتت انتباه عدوهم وتحطُّم معنوياته.

وقال أندري تشيرنياك، المسؤول في المخابرات العسكرية الأوكرانية: "سنستغل هذا إلى أقصى حد بكل تأكيد، سنستغله لصالحنا في الجانب السياسي، والمعلوماتي، والعسكري". وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار إن قوات كييف "شنت هجوماً في عدة اتجاهات في الوقت نفسه" يوم السبت. وقالت: "نحرز تقدماً في كل الاتجاهات".

وأشارت تقارير غير مؤكدة أيضاً إلى أن القوات الأوكرانية عبرت جسر أنتونيفسكي بالقرب من خيرسون، في جنوب أوكرانيا، إلى أراضٍ تسيطر عليها روسيا على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو.

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، إن الصراع الروسي الداخلي "أفضل هجوم مضاد تمنيناه جميعاً. وفي الوقت نفسه، بإمكان أوكرانيا استغلال الروح المعنوية الروسية المحطمة لصالحها".

ولو مضى بريغوجين في تمرده لكان من الممكن أن يجبر الكرملين على سحب بعض من أفضل قواته من الخطوط الأمامية في أوكرانيا لمواجهة مقاتلي فاغنر المتمرسين في هذا الصراع، لكن هذا لم يعد ضرورياً بعد إرسال بريغوجين إلى المنفى في بيلاروسيا وعودة مقاتليه إلى قواعدهم.

لكن مصير فاغنر ليس واضحاً، فمقاتلي فاغنر الذين لم يشاركوا في التمرد قد تُعرض عليهم عقود عسكرية نظامية، لكن الكثيرين الآخرين الذين شاركوا في التمرد سيُمنعون من القتال، وقد يحتفظون بولائهم لبريغوجين، وقد يعتقد بوتين بضرورة أن يُبقى مزيداً من الجنود بالقرب من الوطن، لو أن فاغنر- أو غيرها من الميليشيات- لا تزال تعتبر تهديداً محتملاً.

أما في حالة حلّ فاغنر فستُحرم روسيا من أقوى وحداتها العسكرية في أوكرانيا. إذ إن مقاتلي فاغنر هم من خاضوا الجزء الأكبر من القتال العنيف في باخموت، بشرق أوكرانيا، وهو المكسب الوحيد المهم لروسيا منذ يوليو/تموز.

يقول أندريه زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق: "فاغنر كانت العنصر الوحيد الناجح في الغزو الروسي لعام كامل، وقد حقق مقاتلوها ما لم يستطع الجيش الروسي تحقيقه".

وقال زاغورودنيوك إن زوال فاغنر ونفي بريغوجين في بيلاروسيا سيضعان نهاية أيضاً لانتقادات الفساد، وعدم الكفاءة والبيروقراطية في الجيش الروسي، وهذا يخفف الضغط على المؤسسة العسكرية ويساعدها على معالجة أكبر نقاط ضعفها. وأضاف للصحيفة البريطانية: "وبالتالي فاحتمالات تغيير النظام العسكري الروسي تكاد تكون معدومة".

ويرى روب لي، الباحث البارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أن إزاحة جيش بريغوجين لن يكون له تأثير كبير. فقد انسحبت بالفعل من العمليات الأوكرانية، وهي قوة هجومية، والجيش الروسي الآن في وضع دفاعي، وأداؤه جيد نسبياً، لكن موسكو قد تستغل تمرد فاغنر لتبرير أي خسائر مستقبلية.

وقال: "من شبه المؤكد أن يحمّل الجيش الروسي مسؤولية أي خسارة للأراضي هذا الأسبوع لما فعلته فاغنر، وقد يكون شكلاً قوياً من الدعاية لتحميل فاغنر المسؤولية".

لكن استيلاء بريغوجين على مركز قيادة في روستوف أون دون، دون مقاومة واضحة من القوات الروسية، أو حقيقة أن قواته تقدمت دون عوائق لعدة مئات من الكيلومترات نحو موسكو، في يوم واحد فقط، يثيران تساؤلات حول تماسك القوة الروسية وولاء قطاعات من الجيش.

وقال عمر عاشور، أستاذ الدراسات العسكرية في معهد الدوحة: "هذا جيش من الميليشيات، وهذا يزداد وضوحاً كل يوم، ويجعل وحدة القيادة شديدة الصعوبة".

وأخيراً، يحتمل أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تقويض الدعم للحرب الروسية، سواء على خط المواجهة أو بين المدنيين. وبريغوجين الذي يتمتع بنفوذ كبير في قنواته على تيليغرام، قوّض خطابين من خطابات بوتين بتمرده.

فيوم الجمعة 23 يونيو/حزيران، زعم أن دوافع روسيا للحرب محض كذبة، وبالتالي طعن  بشكل مباشر في تبرير بوتين للغزو بأن هدفه حماية المتحدثين بالروسية. وأظهر بما فعله يوم السبت أن قبضة بوتين على السلطة أكثر هشاشة مما كان يتصوره أي شخص.

وقالت ماريا زولكينا، من مؤسسة المبادرات الديمقراطية الفكرية في كييف: "العاقبة الأكبر هي أن صورة النظام المستقر لم تعد موجودة، حتى لو لم ينجح هذا الانقلاب، فالاستجابة الفوضوية للدولة تُظهر ضعف النظام الاستبدادي على حقيقته، وبوتين أصبح رهينة لعبته".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي