يا لجرأة ثورك يا نقّاش!

2023-06-19

عاشور الطويبي

في الحُلم أو ذاك الذي يُشبه الحلم،

رأيتُ حوتاً هائلاً يسبح في الفضاء،

على زعانفه تلالٌ خضراء وصفراء وزرقاء

تميل ذات اليمين وذات الشمال،

ورأيتُ وراءه دجاجاتٍ بِيضاً وفراريجَ سُوداً

يرقصون في دائرة من لهب.

في الحُلم أو ذاك الذي يُشبه الحلم،

رأيتُ بحراً فوقه جسرٌ من ذهب وجسر من فضّة،

ورأيت فوقهما رجالاً ونساء

يرفعون أصواتهم بالغناء الشجي.

في الحلم أو ذاك الذي يُشبه الحلم،

رأيتُ نفسي جالساً أُسند ظهري على جدارٍ فوقه تحلّق ثلاثُ حمامات،

ورأيتُ أمامي ساحة فارغة إلّا من معزات تأكل

ما تناثر من قازول قد أخرج توّاً زهراته الفوّاحة.

يا لجرأة ثورك يا نقّاش!

ارتدِ قفّازك الأسود، قبّعتك الحمراء، واصبغ قرنَي ثورك بحنّاء قرطبة،

ثم اجلس في البار قريباً من النادلة الخُلاسية الناعمة،

بعد الكأس العاشرة حدّثها عن حبيبته ورمل البحر في القره بوللي،

ستنصت إليك نصف مغمضة ومصباح الطاولة يتأرجح خفيفاً كلحن غرناطي مجروح.

في غفلة عن غرناطة، تسلَّلْ من بوابة البيازين، جُرّ وراءك إبلك،

ألوان شفقك وعراجين بلح من الهنشير.

لكن لا تقل لهم أبداً إنّ زنبقة الليل في جيبك.

"المطر تحت بطن الجَدي، ذيله وأذنيه".

هذا ما يقوله البحر.

تحتفي بالكائنات، بالخطوات المتمهّلة النبيلة.

أليس إلى الجبل تقود الخطوات، وإلى شفة النهر الشهوانية تقودُ الشهقات؟

- إلى أين تقودُ وُعولَك يا نقّاش؟

- إلى سفينة قرطاجية راسية في صبراتة.

- ماذا في تلك الجِرار يحملها العبيد؟

- خمرُ إشبيلية وزيت زيتون غرناطة.

- لماذا إذن الضحكات باهتة والنسيم ثقيل؟

- كفى، اذهب إلى حال سبيلك.

ثورك يا نقّاش، أسقط المُحارِب وقفز من النافذة!

بيدين قويّتين علّقتِ السماء سُحُبَها الرمادية في أُذن الكون،

سكبتْ ما شاءَ لها من ظلالٍ على السفن الشراعية وبَيضِ السردين اللامع على سطح الماء.

لك أن ترسم سلّماً وحريقاً مشتعلاً كي لا تصعد ثيران إسبانيا البحر.

لك أن تخفي بحنكة العليم قلق أشجار الصنوبر وصياح طيور القصبي.

لك دواةُ حبرٍ وأصابع ألوان لتفعل ما تشاء.

حين تدخل النوق وادي الآلام يصير لها ألف رأس.

صار الألم يأتي في هيئة صوف منفوش

تجمعه الريح تحت شجرة زيتون هرمة

تقضي يومها في النظر إلى الوادي وهو يضع قدميه في البحر.

صار الألم أكثر قسوة من الأبدية!

النخلة في وسط القارب، النخلة تراقب القطط النائمة.

في رمل وبحر سيلين زرقةٌ وظلال.

في رمل وبحر سيلين، الكسل يعيد،

للشكل توحّشه، للخطّ لمعته، للطائر أغنيته، وللبحر شغفه العبقري.

شاعر ومترجم من ليبيا








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي