تتزامن مع هجوم أوكرانيا المضاد.. هدفها توجيه رسالة “ردع” لروسيا.. لماذا تعتبر أكبر مناورات جوية في تاريخ الناتو “بلا تأثير”؟

الأمة برس - متابعات
2023-06-14

تعبيرية ارشيفية (ا ف ب)

"إير ديفندر 23" هي أضخم مناورات جوية في تاريخ الناتو، وتعتبر رسالة "ردع" موجهة إلى روسيا، وتتزامن مع هجوم أوكرانيا المضاد، فما مدى تأثير المقاتلات في زمن المسيرات؟

ففي الوقت الذي بدأت أوكرانيا هجومها المضاد الكبير والمنتظر، بدأت مناورات الناتو الجوية "إير ديفندر 23" التي تقودها ألمانيا، وتستمر لمدة 10 أيام، في الفترة من 12 وحتى 23 يونيو/حزيران، وهي المناورات العسكرية الأكبر في تاريخ الحلف العسكري الغربي، والرسالة موجهة إلى روسيا بطبيعة الحال.

250 طائرة مقاتلة تشارك في مناورات الناتو

تشرف ألمانيا على الخدمات اللوجستية الخاصة بالمناورات، والتي تجري على أراضيها، وتمثل هذه المناورات التحدي الأكبر للقوات الجوية الألمانية منذ عقود. وتتمركز 250 طائرة مقاتلة في 6 مطارات عسكرية في البلاد، وتشارك في المناورات 25 دولة، وأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها  100 قطعة من المعدات العسكرية عبر المحيط الأطلسي.

وتجري التدريبات الجوية على حالات الطوارئ في ثلاث مناطق طيران: فوق شمال ألمانيا وبحر الشمال، وفي شرقي البلاد، وكذلك في جزء أصغر في جنوب ألمانيا، ويتم إغلاق هذه المناطق بالتناوب أمام حركة الطيران المدني لعدة ساعات في اليوم.

ويعتبر تنظيم عمليات الطيران جزءاً من التحدي، لأن المجال الجوي فوق سماء أوروبا، وعلى وجه الخصوص سماء ألمانيا، الواقعة وسط القارة العجوز، يعد واحداً من أكثر المجالات الجوية ازدحاماً في العالم.

ومن خلال مناورات "إير ديفندر 23" ورحلات الطيران المدنية المنتظمة، يسعى حلف الناتو إلى إرسال إشارة "ردع"، كما يقول توربين أرنولد من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP) لشبكة DW الألمانية، موضحاً: "بالطبع هذا يرسل إشارة واضحة، مفادها أنه حتى في خضم ازدحام المجال الجوي، نحن مستعدون للدفاع عن كل سنتيمتر من أراضي الناتو".

ويشارك أكثر من 10 ألف جندي من دول الناتو في العديد من التدريبات الجوية. ميدانياً يعد التدريب على عمليات "الإخلاء" في المطارات جزءاً من التدريبات الروتينية أيضاً، كما يقول إنغو غيرهارتز، مفتش القوات الجوية الألمانية.

وتمت إضافة هذه التدريبات على ما يبدو إلى جدول المناورات بعد الفوضى التي شهدها مطار كابول عام 2021، عندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من أفغانستان على وجه السرعة، في مشهد فوضوي ومهين للغاية.

والسيناريوهات الأخرى التي تتم في المناورات الجوية تتمثل في دعم القوات البرية من الجو، والقتال في السماء ضد طائرات العدو، وكذلك اعتراض الصواريخ متوسطة المدى من قبل مقاتلات الناتو. وتعتبر قاذفة القنابل الشبح من طراز إف-35، أحدث طائرة مقاتلة تابعة للحلف الأطلسي أرسلتها القوات المسلحة الأمريكية عبر المحيط الأطلسي. ويشير أرنولد، إلى أن القتال ضد غواصات أو سفن العدو يتم التدريب عليه أيضاً فوق بحر الشمال: "إذ يمكن للعدو أن يهاجمني أيضاً من مناطق لا يتواجد فيها، في مكان ما في القارة".

المقاتلات أم المسيّرات؟

لكن البعض يرى أن رسالة "الردع" الموجهة إلى روسيا تفتقد إلى أهم عناصرها، وهما المفاجأة والغموض من جهة، والأسلحة التكيتيكة ذات التأثير من جهة أخرى، في ظل ما كشفت عنه الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي حرب أوكرانيا.

إذ إن مناورات حلف الناتو الجارية في ألمانيا حالياً تتناقض مع التكتيكات الجديدة للمعارك الجوية، في ظل تركيزها على استخدام المقاتلات التقليدية، رغم أن الطائرات المسيرة باتت الخيار الأقل تكلفة بشكل لافت.

تهدف المناورات الجوية الجارية، والتي تقوم على استخدام موارد معقدة ومكلفة مثل المقاتلات التلقيدية، إلى تنفيذ عمليات جوية معقدة، إلا أنها لا تأخذ في الحسبان الدروس التي كشفت عنها الحرب الحالية على الأراضي الأوكرانية.

ففي المعارك الجارية في أوكرانيا منذ بدء الهجوم الروسي، في فبراير/شباط 2022، والذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، يتم استخدام طائرات مسيرة رخيصة، محمّلة بقنابل يدوية وكميات قليلة من المتفجرات لاستهداف خطوط العدو.

ويشبه هذا الاستخدام للمسيرات الهجمات الجوية أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما كان الطيارون يلقون متفجرات من طائراتهم بأيديهم، لكن استخدام المسيرات لا يتوقف على ذلك بطبيعة الحال، إذ تقوم الطائرات المسيرة المتطورة بتنفيذ مهام انتحارية، في ظل صعوبة رصدها سواء من الأرض أو الجو.

توربين شوتس، الزميل والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية يرى أن طرفي الحرب في أوكرانيا  "غير قادرين على تحقيق التفوق والهيمنة الجوية بشكل كامل"، رغم الفارق الكبير بين سلاح الجو الروسي ونظيره الأوكراني قبل اندلاع الحرب.

إذ كان سلاح الجو الأوكراني صغيراً وغير متطور، لكنه الآن بات يعتمد على الأسلحة الغربية المتطورة، من دفاعات جوية على أحدث طراز مثل الباترويت الأمريكي، وكذلك الطائرات الحديثة مثل إف-16، التي أوشكت على الدخول في المعركة بالفعل بعد موافقة أمريكا.

أما في المقابل، فإن القوات الجوية الروسية تبدو على الورق مخيفة، لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق أقصى استفادة من المزايا العددية والتقنية التي تمتلكها. فرغم أن روسيا مازالت قادرة على إطلاق صواريخ عالية السرعة قد تفوق سرعة الصوت، فإن طرفي الحرب قرَّرا اللجوء إلى حلول أقل تكلفة وهي المسيرات، وهو ما جعل المراقبين العسكريين الغربيين يعيدون التفكير في تأثير الدروس من حرب أوكرانيا على الحروب المستقبلية.

ماذا يعني ذلك لرسالة "الردع" الموجهة لروسيا؟

تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأكبر في حلف الناتو، على القوات الجوية التقليدية الكبيرة والساحقة، كركيزة أساسية في استراتيجية الحرب التي يتدرب عليها الحلف العسكري الغربي، لضمان التفوق الساحق والسيطرة المطلقة على سماء ميدان المعركة، وهو ما يمثل ميزة هائلة لباقي القوات التي تنفذ المهام العسكرية على الأرض.

وفي هذا السياق، يرى كثير من الخبراء أن تأثير مناورات "إير ديفندر 23" الجوية، التي يهدف الناتو من إجرائها في هذا التوقيت إلى إرسال رسالة "ردع" إلى روسيا، عدوة الحلف في القارة العجوز، يعتبر تأثيراً ضعيفاً أو غير موجود من الأساس، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن جدوى التدريبات والتكنولوجيا الجوية المكلفة للغاية ومدى تأثيرها.

فالطائرات المسيرة رخيصة التكلفة والهجمات الإلكترونية مثل عمليات التشويش والتطور المذهل في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العسكرية كلها أمور تقلل بشكل كبير من تأثير سلاح الجو التقليدي في الحروب المستقبلية.

ورغم أن توربين شوتس واحد من المتشككين في سلاح الطائرات المسيرة، فإنه يرى أن امتلاك سلاح جو تقليدي ومكلف قد لا يمثل عاملاً حاسماً في أي حروب مستقبلية على الإطلاق، بحسب ما قاله لشبكة DW الألمانية، مضيفاً أن أي خصم نظير للناتو يمكنه بسهولة مضاهاة معدات وعمليات الحلف العسكري الغربي.

وبالتالي فإن الولايات المتحدة قد تجد، مع مرور الوقت، أن الإنفاق الهائل بمئات المليارات من الدولارات على تعزيز القدرات الجوية التقليدية أمر غير فعال مهما كان عالي التقنية.

ورداً على هذه النقطة، قال المتحدث باسم القوات الجوية الألمانية، إن "صد الهجمات التي تشنها الطائرات المسيرة هو أمر "ممكن باستخدام مجموعة متنوعة من تشكيلات سلاح الطيران التقليدية"، موضحاً أن الهجمات التي تقع على مستويات منخفضة يقع صدها على عاتق القوات البرية، بينما تلك التي تقع من الجو تتصدى لها الطائرات المقاتلة.

لكن الهجمات الروسية في أوكرانيا تقدم دليلاً دامغاً على أن توظيف المسيرات بكثافة يحقق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة، مهما كانت قوة وسرعة سلاح الجو التقليدي لدى الطرف المستهدف. فقد أطلقت روسيا ما يقدر بنحو 400 طائرة مسيرة انتحارية إيرانية لاستهداف مرافق المياه والكهرباء في أوكرانيا، بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2022. وعادة ما تحلق هذه الطائرات في أسراب تتضمن عشرات المسيرات أو أكثر، كما شنَّت روسيا هجمات أخرى في يناير/كانون الثاني، وفبراير/شباط، اعتمدت فيها على طائرات "شاهد 136" الإيرانية.

ويبرمج المشغلون الروس هذه المسيرات للتحليق على ارتفاع منخفض، بحيث تبقى خارج نطاق تغطية الرادار، وتتجنب وسائل التشويش على تردداتها اللاسلكية. أما الدفاعات الجوية النموذجية التي يمكن الاستعانة بها للتصدي لهذه الطائرات، فإنها تعتمد على أنظمة صاروخية تصل تكلفة الصاروخ الواحد فيها إلى أكثر من مليون دولار أمريكي، ومن ثم فهي باهظة التكلفة إن استُخدمت في مواجهة الطائرات المسيرة الانتحارية، التي يمكن الحصول على الطائرة منها بمبلغ لا يتجاوز 20 ألف دولار أمريكي.

وفي هذا السياق، يقول بن هودجز، وهو جنرال أمريكي متقاعد كان قد قاد في السابق القوات البرية الأمريكية في أوروبا، إن الأمر يتعلق على وجه التحديد بالذكاء الاصطناعي والمسيرات العسكرية، خاصة أن الدول الأوروبية لا تمتلك سياسة موحدة تجاه ذلك السلاح. فألمانيا، على سبيل المثال، لا تزال مترددة بشأن دمج الطائرات بدون طيار في جيشها، وتركز على امتلاك الطائرات المقاتلة، مثل إف-35 الأمريكية.

فالمعسكر المؤيد لسلاح الجو التقليدي مازال يرى أن العنصر البشري ستظل له الغلبة، وأن الطائرات المقاتلة التقليدية أكثر قدرة على حمل الذخائر المتنوعة والقيام بالمناورة، ومن ثم فإن المزج بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري في تطوير المقاتلات أمر يستحق الإصرار عليه.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي