باراباس السوري

2023-05-25

سمية الجندي

المسرحية انتهت، لكن الوقوف على الجلجلة طال، والهاوية فتحت شدقيها.

في يوم من الأيام تقرح قلب النظارة فأوقفوا العرض وغادروا الجحور كي يفقأوا دمامل القهر المزمن.

أفواجهم تدفقت من كل المدن.. حاضرها وماضيها درعا، دمشق، حمص وبانياس، إيبلا وماري، وأوغاريت وتدمر.

جحافلهم جاءت تقول نسيتموني.

ثم كان الحراك.

وانطفأ البصيص بسرعة كما السرعة التي شب فيها.

ثم أتى كل هذا الصقيع.

لا تعرف لماذا تظل البرودة طاغية، مع أن الحاكم منطرب، وحفير البغال تقرع النواصي معلنة الانتصار على عدو من الهواء؟

والجوع ينشب الأظافر.

وألسنة الغوغاء تلهج بالدعاء لأسياد العمائم.

لا تحزن يا باراباس ولا يوجعك ضميرك على كل من دهستهم الهمجية بالحوافر

وعلى كل من علقوا على الصلبان.

للمنحرفين سؤدد.. وللحكماء لجام من الصمت.. فما فائدة الكلام؟!

أطلقوا سراحك يا أخي، لا لأن السجون ضاقت بمن بين جدرانها، ولا لأن فيهم رحمة للسجين.

أطلقوك لأن الزنازين أرفق بحالك من هذا السجن الكبير.

أنت المحارب بلا سيف ولا صهوة ولا خوذة…

أنت لم تخلق كي تناهض، بل كي تسلي… هكذا يقول طالعك ونبوءات ذوي العمامات. أنت مسلي الحاكم يا باراباس.

طورا تركض خلف البطاقات الذكية.

وطورا تلهث إثر حفنة من القروش لا تكفيك شر يومك.

هل سمعت بفــلاد الثــالث، تيبيريوس، دوميتيان، كومودوس، كاليغولا ونيرون؟ أباطرة يتلمظون متلذذين بالمأكل الشهي وهم يتفرجون على خوزقة ضحاياهم. أنت لحاكمك كمثل الضحايا لأولئك الأباطرة.

هل تظن الحرية أن تمشي طليقا على رصيف، أو تأتي على بطحة عرق، أو تمارس الجنس، كأنك الفاتح القاهر بعد أن طرحت في شباكك إناث الصدفة؟

أنت تحيا بمنة من الحاكم وفضل.

أنت تسلية للحاكم .. لاعب مع نفسك ضد نفسك داخل هذا الكولوسيوم المتصدع الذي قد ندعوه سوريا، وحري بنا أن ندعوه خشبة الصليب. أمراء الحرب قبضوا عليك وأطلقوك في حلبة المصارعة كي تكون، إما قاتلا أو مقتولا.

لا قيرواني يحمل عنك ولا أنت المخلِّص.

الخبز والسكر والزيت روحك القدوس.

وقربانك لحمك.

في الماضي كان الشظف وكنت تفرح بالقليل.

لم تمد يدك كي تسأل ذي لحية عن أعطية، ولم تطرق باب ذوي العمائم والمبرات كي يمنوا عليك بكفاف يومك.

منذ متى صار الكفاف أحجية. والجوع سياط؟

بربك يا باراباس، يا من ولدت من رجل وامرأة، عش لحظتك ودر في رحاك. لا تصدق الخريطة ! فكل مكان مرقد على البسيطة، وكل مجال تحت السماء لحاف.

أطفالك عرفوا الجوع وفي البرد التوت أرواحهم.

أبدان أطفالك عدت خارج البيوت بحثا عن وقيد، نأت عن الصف والمدرسة كالقطط المشردة في أفلام الويستيرن، بعد أن اقتتل قاطعو الطريق فيها وأردوا بعضهم بعضا بالمسدسات، ثم خلَّفوا الغبار والريح تصدح بالوداع.

أطفالك ولدوا مثلك صدفة، والصدفة وحدها تشيل عنك الصليب.

أطفالك يُنثرون في حاويات القمامة يا باراباس ويُرمون على قارعات الطريق.

فلا تقل أنَّ في عينيك قذى.

أصحاب الحوانيت، حوانيت الطعام وحوانيت السياسة، كالضواري لا تشبعهم ضحية واحدة ولا تزكم أنوفهم روائح الدماء…

يرمون بالنرد في رهان على كرامتك وعلى بقائك « يقسمون ثيابك في ما بينهم ويلقون القرعة على ردائك».

فما حاجتك إلى الكرامة؟

لا توجع نفسك بالندب على ذكرى الزباء والأندلس وأوروك

بل اذهب وحشش عليها بـ»كرامة»

واترك الحدو للبغال والجمال..

كاتبة سورية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي