الخرطوم - يرى خبراء أن من الأسباب التي تقف وراء الحرب الدائرة في السودان انقسام السودانيين بين نخبة تقليدية احتكرت الموارد والقوة في العاصمة ووسط البلاد، وشرائح مهمشة تعيش في أطرافها وأريافها.
ويتجلّى هذا الفارق بوضوح بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" اللذين يقودان طرفي النزاع.
ولد البرهان شمال الخرطوم ودرس العلوم العسكرية وأصبح جنديا محترفا، ولكنه يفتقد إلى قوة الحضور، بينما ينتمي الثاني إلى قبيلة في غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، وبرز كزعيم لميليشيا الجنجويد المرهوبة الجانب في إقليم دارفور، ويسخر سكان العاصمة من لكنته المحلية.
ويؤكد المتخصص في شؤون القرن الإفريقي والشرق الأوسط مارك لافيرن أن "المجتمع السياسي السوداني يتركز في وادي النيل".
ويشير إلى أن "هذه الحرب هي أيضا نتيجة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها السودان، والتي لم تعالجها أي حكومة في الخرطوم منذ أن برز هذا التباين بين وادي النيل والخرطوم" من جهة وبقية مناطق البلاد من جهة أخرى.
ومنذ أكثر من شهر، تهزّ أعمال العنف أرجاء الخرطوم وضواحيها وبعض الولايات مخلّفة قرابة ألف قتيل وآلاف الجرحى، إضافة الى قرابة مليون نازح ولاجئ.
- المركز والأطراف -
ويرى لافيرن أن "المناطق النائية أصبحت اليوم الأكثر ثراء من حيث الموارد"، في إشارة إلى مناجم الذهب في إقليم دارفور في غرب السودان والتي يسيطر عليها دقلو وشيّد من ورائها امبراطورية اقتصادية وتجارية.
وأفاد تقرير صادر عن معهد "ريفت فالي" للأبحاث أن هذه الثروات سمحت لقوات الدعم السريع بأن تتحوّل "من ميليشيا محلية إلى كيان وطني قوي ومؤثّر يهدّد تفوّق القوات المسلحة السودانية".
وأضاف التقرير الذي نشر الاثنين أن "التوسّع السياسي والاقتصادي والعسكري لقوات الدعم السريع مثال على المعركة بين نخبة عسكرية سياسية تتمركز في الوسط ونخبة عسكرية جديدة في دارفور".
ووصف التقرير ما يجري في الوقت الراهن بأنه "مرحلة جديدة في الصراع بين المركز والأطراف".
وتقول خلود خير، مؤسّسة مركز "كونفلوانس أدفايزوري" للأبحاث في الخرطوم، إن "هناك العديد من خطوط الصدع" بين المعسكرين، مشيرة إلى أن "حميدتي يوصف بأنه دخيل من دارفور على الخرطوم".
وتعتقد خير أن قوات الدعم السريع "عملت قبل النزاع على إيصال رسالة تفيد بأن عناصرها يقاتلون من أجل الديموقراطية نيابة عن جميع المهمّشين في السودان".
ولفتت إلى أن دقلو "كان يُعتبر من أفضل جهات التوظيف في البلاد قبل اندلاع النزاع. ...لديه الكثير من المال ويحصل من ينضمّ الى قوات الدعم السريع على مزايا عديدة".
- الولاء العرقي -
لكن الأمر لم يعد يسيرا على دقلو بعد اندلاع الحرب، وفق خير، "لأن قواته أقل انضباطا بكثير من الجيش".
وتضيف "إنهم لا يتّبعون الأوامر دائمًا وتسبّبوا في الكثير من المتاعب لسكان الخرطوم"، إذ تزايدت أعمال النهب والسرقة واحتلال المنازل.
وفي سياق آخر، يرى البعض أن عدم المساواة بين وسط وأطراف البلاد مرتبط أيضًا باللون.
وكتب الباحث البريطاني أليكس دي وال في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس"، "إلى الآن، يمتلك السودانيون معجما للون البشرة يتدرّج من الأحمر والبني إلى الأخضر والأصفر، إلى الأزرق".
وتابع "لا يزال يُطلق مسمّى العبيد على سكان الجنوب، أصحاب البشرة الداكنة".
ولكن بحسب الخبراء، لا يبدو أن لهذا المعيار حيثية كبيرة في الصراع الحالي، وستبرز أهمية الولاء القبلي والعرقي إذا طالت فترة الحرب.
وتتوقع خلود خير أنه "سيتعين على الجانبين تجنيد قوات جديدة لتعويض خسارتهما. ...تاريخياً، يعدّ الولاء العرقي أفضل طرق التجنيد في السودان".