واشنطن بوست: أمريكا تركت فراغا في الشرق الأوسط ملأته الصين وروسيا

2023-05-09

في النهاية، على الإدارة الأمريكية القيام بتفكير عميق حول ما يجب عمله لحماية مصالحها وسط الرمال المتحركة في الشرق الأوسط (أ ف ب)

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمعلق ماكس بوت قال فيه إن المرحلة الجديدة لما بعد أمريكا في الشرق الأوسط، جعلت الصين وروسيا تسارعان لملء الفراغ.

وقال الكاتب: “في عام 2020، رحّب الرئيس دونالد ترامب باتفاقيات إبراهيم لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين عربيتين (الإمارات والبحرين) قائلا إنها بمثابة بزوغ للشرق الأوسط، وكان محقا ولكن ليس بالطريقة التي عناها، فسيرى المؤرخون في الاتفاقيات أنها أول إشارة  لنظام في الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أمريكا”.

ويتابع الكاتب بالقول إنه في الوقت الذي لعبت فيه واشنطن دورا في رعاية اتفاقيات إبراهيم، فقد اعتقد العرب بأن القوة الأمريكية تتلاشى، وأن على الدول العربية التعايش مع الدول القوية في الشرق الأوسط، وإسرائيل واحدة منها وأيضا إيران. ومن ذلك الاتفاق الذي توصلت إليه السعودية مع إيران في آذار/ مارس، وأغضب الإسرائيليين، حيث قرر البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية. وقد يؤدي هذا إلى تعبيد الطريق للسلام في اليمن حيث يخوض السعوديون حربا مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران.

وعبّرت إدارة بايدن عن اهتمامها بالدور الذي لعبته الصين في رعاية التقارب السعودي- الإيراني، ومن الصعب التلاعب في التقارير التي نشرتها أول مرة صحيفة “واشنطن بوست” وتتحدث عن بناء الصين قاعدة عسكرية في الإمارات، حليفة الولايات المتحدة في المنطقة. ولن تتجاوز الصين الولايات المتحدة التي لديها 34 ألف عسكري في المنطقة، لكن القوات الأمريكية ربما تتعلم التعايش مع القوات الصينية الموجودة في جيبوتي.

ونقل  الكاتب عن ولي ناصر، أستاذ  دراسات الشرق الأوسط في جامعة جونز هوبكنز قوله: “يقول الناس في الشرق الأوسط إن لدينا كل هذه القوات والقواعد، لكن السؤال بالنسبة للإمارات والسعودية، هو ليست كونها موجودة، ولكن إن كنت تريد استخدامها” و”الجواب كما يرونه، لا، فوجود القوات هناك هو للزينة، وهذا ما قاد إلى تحول كبير”.

ويجب ألا يشعر صناع السياسة بالصدمة من تراجع التأثير الأمريكي، فهو نتيجة مباشرة للسياسات التي اتبعها آخر ثلاثة رؤوساء أمريكيين. فبعد تحول الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان إلى مستنقع مكلف، حاول خلفاؤه إخراج أمريكا من الحروب التي لا تنتهي، وتجنب التورط في حروب جديدة.

وحاول باراك أوباما “إعادة التوازن” إلى آسيا، وقام بإخراج القوات الأمريكية من العراق قبل أن يعيد إرسالها من جديد لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ورفض التدخل في الحرب الأهلية السورية ردا على التدخل الروسي، وتفاوض مع  إيران حول برنامجها النووي رغم معارضة إسرائيل ودول الخليج.

وفي مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتك” عام 2016، دعا أوباما السعوديين والإيرانيين للتشارك في الجوار والتوصل لنوع من السلام البارد، وهو ما يفعلونه الآن. وتبنى ترامب كرئيس أمريكي، إسرائيل ودول الخليج أكثر مما فعل أوباما، ولكنه لم يفعل أمرا جيدا عندما قرر الخروج من الاتفاقية النووية مع إيران.

وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع، يمكن لإيران إنتاج المواد الضرورية للقنبلة النووية خلال 12 يوما. وحاول ترامب سحب كل القوات الأمريكية من سوريا، وتفاوض على خروج من جانب واحد من أفغانستان. وبالنسبة لدول الخليج، فقد كان مهما ومحوريا رفض ترامب التدخل بعد الهجمات التي شنتها إيران على المنشآت النفطية السعودية، والتي أدت لخفض إنتاج النفط بنسبة 50%.

وقال المفاوض السابق أرون ديفيد ميلر: “كان فشلنا في الرد سببا في إقناع السعوديين بأننا لم نعد حليفا يوثق به”. ومن المفهوم تركيز الرئيس بايدن على مواجهة العدوان الروسي ضد أوكرانيا وصعود الصين، لكنه واصل التوجه الأمريكي في فك الارتباط بالشرق الأوسط والتظاهر بأن هذا لا يحدث.

وأكد في رحلة له للمنطقة العام الماضي قائلا: “لن نرحل ونترك الفراغ كي تملأه الصين وروسيا أو إيران. لن تذهب الولايات المتحدة لأي مكان”، لكن أفعال بايدن متناقضة مع كلماته. فقد سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بشكل أدى إلى سيطرة طالبان، ولم يرد على الجماعات الموالية لإيران التي تهاجم القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا، أو يوقف التقدم الذي حققته إيران في المجال النووي، والدور الإيراني المتزايد في تزويد الأسلحة لروسيا دعما لها في أوكرانيا. ولم ينجح في إقناع السعودية ببناء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وظلت علاقة بايدن مع السعودية متوترة بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي. ويقول جوناثان بانيكوف، نائب مدير المخابرات الوطنية السابق في الشرق الأوسط: “الآن ومع اقتراب الإيرانيين من امتلاك السلاح النووي، تشعر دول الخليج بالتوتر، فهم لا يريدون توترا في حديقتهم الخلفية، ولهذا يحوطون رهاناتهم ويحاولون بناء علاقات جيدة مع إيران”.

ويرى الكاتب أن التحولات الجيوسياسية لا تنذر بشرٍ أو كارثة للولايات المتحدة. وقال ميلر إن الولايات المتحدة لديها 3 مصالح في الشرق الأوسط: قتال الإرهاب، ضمان مرور النفط للسوق العالمي، ومنع انتشار السلاح النووي. وتقوم الولايات المتحدة بعمل جيد في المجالين الأولين، ولكن في الأولوية الثالثة تواجه أمريكا مشكلة.

فلو أصبحت إيران نووية، فالسعودية والإمارات وتركيا لن تكون متخلفة عنها. وظل بايدن يقول إنه لن يسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي، لكنه لم يقل كيف.

ولا يتخيل أحد أن يشن بايدن حربا ضد إيران وعليه ألا يفعل، فهو لم يعبّر عن استعداد لتقديم الضمانات الأمنية للسعودية كثمن للتطبيع مع إسرائيل. وقال ناصر: “ليس من الواضح ماذا يعني الردع لأمريكا، لهذا تريد السعودية والإمارات أن تخرجا من قائمة الاستهداف الإيرانية”.

وفي النهاية، على الإدارة الأمريكية القيام بتفكير عميق حول ما يجب عمله لحماية مصالحها وسط الرمال المتحركة في الشرق الأوسط.

فالتظاهر بأن التحول في السلطة لم يحدث، وأن الولايات المتحدة لا تزال القوة المهيمنة، لن يكون فاعلا. وعليها الخروج من حالة الإنكار والتعامل مع الواقع. فلأول مرة منذ عقود، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتنافس على التأثير في الشرق الأوسط بدلا من التعامل مع تفوقها كأنه أمر واقع. وربما وجدت واشنطن نفسها مضطرة للتعامل مع الدور المتزايد للصين، وهو ما يجعل الكثير من الأمريكيين غير مرتاحين. ولكنه الثمن لإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، التزامات أقل وتأثير أقل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي