هآرتس: حين تلتقي الدوافع الأيديولوجية والشخصية لدى "رئيس العصابة".. نتنياهو: "الضم" إرثي 

2023-04-19

بنيامين نتنياهو (ا ف ب)

ثمة تفكير دارج بأن الدوافع الأيديولوجية ليست هي التي تقف على رأس أولويات نتنياهو، بل اعتباراته النفعية المجردة المتأصلة في الطمع وحب السلطة وغريزة بقاء سياسي نادرة. هذه الفرضية تبدو صالحة بشكل خاص في هذه الفترة الكئيبة، حيث يعمل نتنياهو بشكل منهجي وبدون كلل على تقويض المناعة الدستورية والأمنية والسياسية والدبلوماسية لدولة إسرائيل بهدف إلغاء محاكمته. ولكن الحقيقة هي أن نتنياهو كان وما زال شخصاً أيديولوجياً في دمه، وبالذات في هذه الأثناء، في الوقت الذي لا أحد فيه يشكك وبحق بأن كل ما يعنيه هو النجاة من رعب المحاكمة – إرثه الأيديولوجي المسمم والمدمر آخذ في التعاظم بدرجة أقوى من تحت الأرض.

بدون نفي مركزية مركب الأنا الشخصية والانتهازية في أسلوبه السياسي، يجب الاعتراف بحقيقة أن نتنياهو بقي خلال حياته المهنية ملتزماً بدون أي قيود بالهدف الفكري – السياسي الأول، الذي دخل إلى الحياة السياسية لتحقيقه، وهو أن يدفن القضية الفلسطينية إلى الأبد، مع نزع الشرعية عن معسكر السلام الإسرائيلي وتحطيم الحركة الوطنية الفلسطينية، وإضرار واسع ومنهجي بتطبيق حل الدولتين، وفوق كل ذلك إبعاد مسألة الاحتلال عن جدول الأعمال الإسرائيلي والدولي.

هذا المشروع الظلامي والانتحاري الذي ستسبب نهايته دماراً وخراباً ليس فقط الوطنية الفلسطينية، بل مساً بالبنى الأساسية السياسية – الأخلاقية الوجودية للمشروع الصهيوني، دفع به نتنياهو قدماً بتصميم ومهارة في النصف الثاني للتسعينيات، حين شغل دوراً أساسياً في تحريض قاتل ضد اتفاقات أوسلو، أدى إلى قتل إسحق رابين. وواصل تشجيع البناء وراء جدار الفصل وتحقيق سياسة محسوبة وتقريباً معلنة لتقوية حماس (“كل من يعارض إقامة الدولة الفلسطينية فعليه تأييد تحويل الأموال من قطر لحماس، هكذا سنقضي على إقامة دولة فلسطينية”، قال في 11 آذار2019 في لقاء مغلق مع أعضاء الليكود).

الجزء الأكبر ممن يعارضون “الإصلاح القضائي” يميل إلى رؤية السبب الرئيسي، إذا لم يكن الحصري، لطموح الحكومة الكهانية لإخضاع مؤسسات سلطة القانون لسيادة الأغلبية البرلمانية اليمينية، في رغبة من رئيس الحكومة إنتاج وترسيخ بصورة قانونية واقع قضائي يمكّن من إلغاء محاكمته. هذا بالطبع خطأ بصري مؤسف ومحير.

جهود البقاء القانوني للمتهم نتنياهو هي في الحقيقة العامل المهم والجوهري الذي يقف وراء الهجوم منفلت العقال والمدمر لليمين العنصري على السلطة القضائية. ولكنه ليس سوى نوع من المشغل، دافع ظرفي فقط. الجذور العميقة لتوق اليمين للسيطرة على جهاز القضاء مغروسة في الأيديولوجيا العرقية – الدينية المسيحانية التي تقف في علاقة وثيقة وتأسيسية مع مشروع الاحتلال والاستيطان. هذه الأيديولوجيا تسعى لتحطيم استقلالية القضاة في إسرائيل من أجل إزالة العائق الأخير الذي يقف أمام إجراءات الضم والتأسيس الرسمي لدولة الأبرتهايد بين النهر والبحر. كل ذلك من خلال تعزيز وتطوير آلية قمع لحقوق الإنسان والمواطن لسكان الفضاء كله، عرباً ويهوداً على حد سواء. بالمناسبة، تأكيد صدق المقولة العبقرية لكارل ماركس من العام 1870: “الشعب الذي يستعبد شعباً آخر إنما يعزز قيوده بنفسه”. لولا محاكمة نتنياهو لكان على أصحاب هذا الحلم المشوه أن يجدوا لهم فرصة أخرى مناسبة لتحققه.

ولكن في حالة الطوارئ السياسية المتطرفة الحالية، في الوقت الذي تم فيه أخذ دولة بأكملها كرهينة، وبدأ الخاطفون المتوحشون بقطع جزء من أعضائها بهدف ابتزاز إنقاذ رئيس العصابة من كرسي المتهم؛ في مثل هذا الواقع الغريب، من لديه الوقت والطاقة للتعامل مع العوامل الأيديولوجية العميقة التي تحفز الخاطفين؟ ولكن من الطبيعي أن يوجه كل مواطن عاقل جهوده الآن لمحاولة إنقاذ ما بقي من الدولة التي وقعت ضحية الإساءة السادية دون أن يسأل نفسه الأسئلة الوطنية والسياسية الأساسية، التي تم تصوريها بأنها من الكماليات في هذا الوقت غير المسبوق.

 

 ديمتري شومسكي

هآرتس 19/4/2023









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي