اليد المسمومة

2023-04-17

متظاهرون يرفعون العلم العراقي في بغداد في 27 شباط/فبراير 2023 (ا ف ب)

حسن أكرم

نحن في العراق، نستخدم المفردات بغير معناها في المعاجم، فمثلاً نقول عن الشيء مسموماً أي أنه يحمل حقداً أو غلاً ما، وعادة يأتي هذا الوصف للبشر أكثر منه لبقية الأحياء والجمادات. فمثلاً لو قلنا إنَّ هذا الرجل مسموم فيعني أنه يحمل حقداً للناس، أو أنه ينتظر الفرصة لكي يصيب أحداً بمكيدة ما، لذا استعرت هذا الوصف، وألحقته بيدي. فمنذ ولادتي، ومع تراكم وتكرار الأخطاء، تيقّنت أن يدي تحمل حقداً ما للأشياء، وأقصد في ذلك المقابض والأواني الزجاجية والأزرار والأساور والقلائد، وكل شيء تقريباً. فلو أني وضعتها على كوم من التفاح أبتغي واحدة لي، لخرّ كل التفاح إلى الأرض، ولو أني عزمت أن أفتح باباً أو خزانة أو شباكاً سيتعطل فيه المقبض فوراَ، ولو أني صافحتك أو وضعت يدي على كتفك أشدّ عليها معاتباً أو مادحاَ، لن تعود إلى بيتك دون المرور بطبيب يعالج تلك الكتف.

أصبح ذلك هوسي وقلقي الدائم، وجعلني أخسر حياتي، فقبل كل حركة أنوي القيام بها عليّ أن أُحصي خسائري، ولو أنني صادفت رجلاَ لا يعرف شيئاً عن قصتي هذه، سيصعب عليه فهم ترددي في مدّ يدي للسلام. وعلى الرغم من أني مسالم، إلا أن يدي لا تعرف السلام. هي في حرب دائمة مع الأشياء والأجسام.

ولو أني قصصت قصتي لأحدهم، دون أن يتأكد من ذلك بخسائر واضحة، فلن ينتهي إلى تصديقي أبداً.

وصرت أحياناً استعمل كوع يدي في فتح الأبواب، وفي إلقاء التحية على الأصدقاء، وقدمي في إغلاق الأبواب وفتحها، وساعدَي في تثبيت القبعة على رأسي.. لقد وجدت حلّاً لكلّ شيء تقريباً ما لم يكن طارئاً وجديداً عليّ.

لكن حين أسهو وأستخدم يدي تقع كارثة ما، وهذا ما جعلني أعيش حياة ناقصة، لا يمكنني الاستمتاع بها بشكل طبيعي، لكن سرعان ما تنبّهت جدتي لمأساتي، وقررت أن تحرّرني من هذا السجن، فلجدتي خبرة واسعة في الحياة وقدرة سحرية على حلّ المشاكل.لذا قررت أن تَحوك لي قفازاً من الصوف، كان مصنوعاً من خيط رفيع فيروزي اللون، قالت: "البس هذا، سيكفي الناس شَرك"، فصرت أستخدمه طوال اليوم، وحدث أني تنبهت فعلاً أن القفاز يحدّ من سمّية يدي، ولم أعهدها تفسد الأشياء مثل السابق، ففرحت لذلك فعلاَ، ثم تساءلت ماذا كان سيحدث لو أن جدتي قبل عشرين عاماً كانت قد حاكت قفازاً مشابهاً لجورج دبليو بوش؟

كاتب من العراق








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي