
القيادة الفلسطينية غير معنية بتحمل المسؤولية الحصرية عن الخطاب السياسي حول القدس والأماكن المقدسة، وتفضل نقل المسؤولية إلى المملكة الهاشمية التي، شبيهاً بالمملكة السعودية والمغربية، تعدّ جزءاً من السلالة التي أصلها النبي محمد، وتلعب دوراً في السياق المقدسي. الملك الأردني مسؤول عن الوقف الأردني في الحرم الشريف، والملك السعودي حامي الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وملك المغرب يقف على رأس لجنة القدس.
موقف السلطة الفلسطينية تحت قيادة محمود عباس يشبه الموقف الذي اتخذه ياسر عرفات والذي حرص على عدم تحمل مسؤولية عن القدس والأماكن المقدسة، وأوضح بأنها وديعة في أيدي الأمة العربية – الإسلامية، وهي المسؤولة عن البت في مصيرها. في آذار 2013 وقع عباس والملك الأردني عبد الله الثاني، على اتفاق بموجبه يتعين على الملك الذي يحمل لقب القيم ويخدم الأماكن المقدسة في القدس، حماية الهوية الإسلامية وكرامة الأماكن المقدسة، وأن يضمن مصالحها في المنتديات الدولية ويشرف على الأوقاف الأردنية في المدينة ويحافظ على وصول حر لإدارة مراسم العبادة الدينية.
تعهدت منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية باحترام الاتفاق، وعبر عباس عن ذلك في مناسبتين: الأولى في خطاب تلفوني أمام لجنة التوثيق التاريخي للمسجد الأقصى في حزيران 2022 حيث قال: “نحن وأخوتنا في المملكة الأردنية الهاشمية في خندق واحد، ندافع عن القدس، ونؤكد فخرنا بالرعاية الهاشمية التي ثبتناها بالاتفاق التاريخي الذي وقعناه مع أخي جلالة الملك عبد الله الثاني في 2013”. وفي المرة الثانية، في مؤتمر صحافي أنهى زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رام الله في تموز 2022 حيث قال: “نأمل في أن تؤدي هذه الجهود (في الإدارة الأمريكية) إلى وقف الاستيطان وعنف المستوطنين، وإلى احترام المكانة التاريخية للأماكن المقدسة للإسلام والمسيحية تحت الرعاية الهاشمية”.
وتعهدت إسرائيل أيضاً باحترام دور المملكة الهاشمية في فضاء الحرم الشريف وفي اتفاق السلام الذي وقعته معها في 1994 حيث كُتب: “إسرائيل تحترم الدور الخاص القائم للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. وفي الوقت الذي ستجرى فيه المفاوضات على المكانة الدائمة، ستمنح إسرائيل أفضلية عالية للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن المقدسة. سيعمل الطرفان معاً للدفع قدماً بالعلاقات الدينية بين الأديان الثلاثة التوحيدية، بهدف العمل من أجل فهم ديني والتزام أخلاقي وحرية عبادة وتسامح وسلام.
ولكن التعهد شيء والأفعال شيء آخر. في كل عام ومع قدوم رمضان، يستعد الإسرائيليون والفلسطينيون والأردنيون لمنع مواجهة عنيفة ولا ينجحون. خطاب اليهود الذين يحلمون ببناء هيكل وخطاب مسلمين يرددون “الأقصى في خطر” تشعل النار في الفضاء المقدس للديانات الثلاث، ويدهورونه إلى مواجهة عنيفة. في يوم ما كانت هذه المجموعات في الهامش، ولكنها غذيت في العقود الأخيرة بأيدي جهات معنية في إشعال الحرم، وإسرائيل تجر لاستخدام قوة جسدية لئلا تبدو ضعيفة، والوقف الأردني ضعيف لا يملك الأدوات التي تمكنه من منع شبان مسلمين عنيفين من الدخول إلى المسجد، وتفضل ألا تتواجه معهم كي لا ينظر إليها كمتعاون مع إسرائيل، والسلطة الفلسطينية مقصاة عن الحرم منذ عشرات السنين وليس لها علاقة بما يجري هناك.
إذا كانت إسرائيل والأردن والسلطة لا ترغب في فقدان ما تبقى من مكانتها في الحرم لصالح حماس والجهاد الإسلامي وجهات راديكالية أخرى، فعليهم أن يفكروا بمسار جديد. تهويد النزاع يبعد عنا كل من وقع معنا على اتفاق سلام وتطبيع، وأسلمة النزاع يقوض استقرار الحكم للسلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية. كل الأطراف تخسر.
لهذا حان الوقت لدراسة إنشاء حرس أردني – إسرائيلي – فلسطيني يتحمل مسؤولية مشتركة عن إدارة الحوض المقدس. شراكة كهذه ربما تخلق جواً أكثر راحة على الحرم، وقد ترد الثقة وتثبت للمسلمين بأن الأقصى ليس في خطر. قرار المستوى السياسي بعدم السماح لزيارة اليهود للحرم حتى انتهاء رمضان هو قرار صحيح، ولكن من المهم ألا يستخدم كإبرة أمان في الثوب الممزق، بل كبداية خياطة لثوب جديد واسع يكفي لمقاسات المسلمين واليهود على حد سواء. هكذا يمكنهما القيام بعباداتهما الدينية جنباً إلى جنب، وليس أحدهما على حساب الآخر.
رونيت مارزان
هآرتس 14/4/2023