عذب الكلام

2023-04-14

عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الجمالُ أبرزُ صِفات الأسلوب الأدبيّ، ومَنشؤه ما فيه من خيالٍ رائعٍ، وتَصْويرٍ دقيقٍ، وإِلباسِ المَعْنويِّ ثوبَ المَحْسوس، وإِظهارِ المَحْسوس في صورة المَعْنويِّ؛ فالحمّى، لا يراها المتنبّي، كما يراها الأَطباءُ، أَثراً لجراثيمَ تَدْخلُ الجسم، فترفعُ حرارته، بل إنّها زائرة:

وزَائِرَتي كَأنَّ بهَا حَياءً

فَلَيْسَ تَزُورُ إلّا في الظّلامِ

بَذَلْتُ لهَا المَطارِفَ والحَشايا

فَعافَتْها وباتَتْ في عِظامي

يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وعَنْها

فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقامِ

والغُيومُ لا يراها ابنُ الخيّاط، كما يراها العالِمُ بُخاراً مُتراكِماً يَصيرُ ماءً، إذا صادف في الجوّ طبقة باردة، ولكن:

كأنَّ الغُيومَ جُيُوشٌ تَسُومُ

منَ العَدْل في كُلِّ أرضٍ صَلاحا

إذا قاتلَ المَحْلَ فيها الغَمامُ

بِصَوْبِ الرِّهامِ أجَادَ الكِفاحا

وسَلَّ عَليْهِ سُيوفَ البُروقِ

فأثْخَنَ بالضَّرْبِ فيهِ الجِراحا

دُرر النَّظم والنَّثر

لَبَّيتُ فيكِ الشَوقَ

البُحتريّ (بحر الكامل)

لَبَّيتُ فيكِ الشَّوْقَ حينَ دَعاني

وعَصَيْتُ نَهْيَ الشَّيْبِ حينَ نَهاني

وزَعَمْتِ أَنّي لَستُ أَصْدُقُ في الَّذي

عِنْدي مِنَ البُرَحاءِ والأَشْجانِ

أَوَ ما كَفاكِ بِدَمْعِ عَيْني شاهِداً

بِصَبابَتي ومُخَبِّراً عَنْ شاني

تَمْضي اللَّيالي والشُّهورُ وحُبُّنا

باقٍ على قِدَمِ الزَّمانِ الفاني

قَمَرٌ مِنَ الأَقْمارِ وَسْطَ دُجُنَّةٍ

يَمْشي بِهِ غُصنٌ مِنَ الأَغْصانِ

رُمْتُ التَسَلّي عَنْ هَواهُ فَلَمْ يَكُنْ

لِيَ بِالتَّسَلّي عَنْ هَواهُ يَدانِ

وأَرَدْتُ هِجْرانَ الحَبيبِ فَلَمْ أَجِدْ

كَبِداً تُشَيِّعُني عَلى الهِجْرانِ

أَرَبيعَةَ الفَرَسِ اشْكُري يَدَ مُنْعِمٍ

وَهَبَ الإِساءَةَ لِلمُسيءِ الجاني

رَوَّعتُمُ جاراتِهِ فَبَعَثتُمُ

مِنْهُ حَمِيَّةَ آنِفٍ غَيْرانِ

من أسرار العربية

في تَقْسِيمِ السَّوادِ على أشْياءَ تُوصَفُ بِهِ: لَيْل دَجُوجِيٌّ. سَحابٌ مُدْلَهِمٌّ. شَعْر فاحِمٌ. فَرَس أَدْهَمُ. عَيْن دَعْجاءُ. شَفَة لَعْساءُ. نَبْتٌ أَحْوَى. وَجْهٌ أَكْلَفُ. دُخان يَحْمُوم.

وفي سَوادِ أَشْياءَ مُخْتَلِفَةٍ: الحاتِمُ: الغُرابُ الأسْوَدُ. السِّلابُ: الثَّوْبُ الأَسْوَدُ تَلْبَسُهُ المَرْأَةُ في حِدادِها. الوَيْنُ: العِنَبُ الأسْوَدُ. الحالُ: الطِّينُ الأسْوَدُ.

ويقال: عَيْشٌ أَخْضَرُ. مَوْتٌ أَحْمَرُ. نِعْمَةٌ بَيْضاءُ. وأَسْوَدُ حالِكٌ. أبْيَضُ يَقِقٌ. أَصْفَرُ فاقِعٌ. أخْضَرُ ناضِرٌ. أَحْمَرُ قانِئٌ. وفي ألوانٍ متقاربة: الصُّهْبَةُ: حُمْرَةٌ تَضْرِبُ إِلى بَياضٍ. الدُّكْنَةُ: لَوْنٌ إِلَى الغُبْرَةِ بين الحُمْرَةِ والسَّوادِ. الكُمْدَةُ: لَوْنٌ يَبْقَى أَثَرُهُ ويزولُ صَفاؤُهُ. الشُّرْبَةُ بَياض مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ. الشُهْبَةُ بَياضٌ مُشْرَبٌ بِأدْنَى سَوادٍ. العُفْرَةُ بَياض تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، ومنه الأعفر، من الظباء؛ قالَ الْكُمَيْتُ:

وكُنَّا إِذا جَبَّارُ قَوْمٍ أَرادَنا

بِكَيْدٍ حَمَلْناهُ عَلى قَرْنِ أَعْفَرا

هفوة وتصويب

يخلط بعضُهم، بين لفظ كلمتيّ «حَسَب»، (بفتح السين) و«حسْب» (بتسكينها)، وفي معاجم اللغة: «حسَب»: القدر.. تقول «عَلَى حَسَبِ مَا أَسْدَيْتَ إِلَيَّ، شُكْرِي لَكَ». أَيْ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ.

أما «حَسْبُ»، فبِمَعْنَى كفَى. و«حَسْبُكَ ما فَعَلْتَ، أي كفَاكَ؛ قال الشاعر:

إِذَا كانَتِ الْهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ الْعَصا

فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

وهناك من يقول: تعوّدْتُ على كذا، أو اعْتَدْتُ عَلَيْهِ» وهي خطأ، والصَّوابُ: «تعوّدت كذا واعْتَدْتُهُ». وفي صحيح اللغة: تَعَوَّدَ الشَّيْءَ وعادَهُ وعاوَدَهُ مُعاوَدَةً وعِوَاداً، واعْتادَهُ واسْتَعادَهُ وأَعادَهُ أَيْ: صَارَ عَادَةً لَهُ؛ قال الشاعر:

تَعَوَّدْ صالِحَ الْأَخْلَاقِ إِنِّي

رَأَيْتُ الْمَرْءَ يَأْلَفُ مَا اسْتَعادا

من حكم العرب

فلا تَتَّكِلْ إلّا على ما فَعَلْتَهُ

ولا تَحْسَبَنَّ المَجْدَ يُورَثُ بالنَّسَبْ

فَلَيْسَ يَسودُ المَرْءُ إلّا بِنَفْسِهِ

وإنْ عَدَّ آباءً كِراماً ذوي حَسَبْ

البيتان لابن الرّومي، يقول: مَهما يَكن مَحْتِدُ الإنْسان وأصلُه وذووه، في ذرا العَلياء كَرَماً وشَرَفاً، فإن عملَه النبيلَ وَحْدَهُ، هو الذي يورثه المَجْدَ والعُلا والرِّفْعة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي