البكاء وراء الشاشة… في رثاء صوت الفرات

2023-04-12

إبراهيم الزيدي

لأكتب وأخط بالقلم // وأحسب وراهم واعدّ

أنا لا أعرفه، أعرف صوته الذي يحملني إلى هناك، ذلك الصوت الذي يستدعي المستحيل، لأنه يلعب في المساحة الخاصة بالذكريات، فالأصوات تتقارب، وتتباعد، ولا تختلف إلا حين يكون الصوت موغلا في الخصوصية. وهذه سمات صوت معد الحسان.

أنا لا أعرفه، رأيت ابتسامته في الصورة، كما ترى قمرا في حضن الماء. فتذكرت قول عبد القادر الحصني « ثمة ما يُخجل إن دخل الحزن بيوت الناس، وألفى قلبك غير حزين.

أنا لا أعرفه، لا بل أعرفه حق المعرفة، أعرفه كما يعرف أهل الرقة نهر الفرات، وباب بغداد، وقصر البنات.

أنا لا أعرفه، لا بل أعرفه إذ لا توجد مساحة يمكن للإنسان أن يلتقي فيها مع حقيقة الآخرين أهم من مساحة الفن، ففي هذه المساحة لا أحد يخاف من أن يقول ذاته، فقدرة الفن تمثلها قدرته على مخاطبة الحيز الإنساني فينا.

أنا لا أعرفه، لا بل أعرفه كعلامة فارقة بين غناء، وغناء.. هناك حيث تأخذك الموليا من الكلام المستهلك الرديء، إلى ذلك الحزن النبيل الشفاف. فتدرك آنذاك أن «الأغنى ليس من يملك أكثر، بل من يحتاج أقل».

لم يكن معد الحسان مطربا، كان طريقا آخر إلى الرقة، الرقة التي في البال والخاطر، الرقة التي تنتظر ببيادر القمح، وليس الرقة المتوجسة من المستقبل.

كما «عيسى الشيخ حسن في «خربة الشيخ أحمد» يحاججُ في أهمية المكان في صناعة حكاية» كان معد الحسان يحاجج في أهمية الغناء في صناعة الذاكرة. منذ خمسين حزناً ونحن متهمون بالفرح، وها حزن جديد يتآمر علينا لمجرد أننا تركنا الأبواب مواربة للأغنيات التي لا تطال ممشوق ألحانها الحناجر المأجورة.

« جسرين بيهن كسر والثالث ضلوعي». هذه ليست كلمات أغنية، إنها خطوات تمشي بين تداعيات الأسئلة، والإحباطات المكدسة في النوافذ التي أغلقها الغياب. «جسرين بيهن كسر والثالث ضلوعي». هذه ليست كلمات أغنية، إنها الحزن الذي يتكئ على مناكبنا، إنها الخطوات التي مشتها الرقة منذ عام 2012 وما زالت آثار أقدامها على قلوبنا.

لست بصدد رثاء معد الحسان، فكلمات الرثاء كلها قصيرة القامة. ولا أنا بصدد كتابة تعريف به فالمعروف لا يعرف. أريد أن أقول: «لم تعد الرقة تبحث عن حزن على مقاس قدميها لتنتعله» إنها بحاجة لجلباب حزن، فالمسافة بينها وبين خيالك تحتاج إلى عينين بريئتين تذهب بهما الأحلام إلى أبعد من الظلام.

كاتب سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي