"معرض رمضان للكتاب ".. القراءة في مدينة تراثية مُصغَّرة

متابعات - الأمة برس
2023-04-01

محمد هديب

اختارت وزارة الثقافة القطرية مقرّ "درب الساعي"، المعلَم الحديث الذي يُحاكي العمارة التقليدية القديمة، لتُقيم فيه الدورة الثانية من "معرض رمضان للكتاب"، والتي انطلقت فعالياتُها الخميس الماضي وتستمرّ حتى الأربعاء المُقبل.

و"دربُ الساعي"، الفضاء الواسع في منطقة أُمّ صلال (15 كيلومتراً شمال الدوحة)، أتاح الفرصة لأنشطة ثقافية وترفيهية مُصاحِبة عديدة على هامش مشاركة 79 دار نشر ومكتبة من داخل قطر وخارجها، كأنّها تدور جميعها في مدينة تراثية مُصغَّرة.

تُشبه أماكن عرض الكتب الدكاكين الموزَّعة على أزقّة (تُسمّى الدواعيس) ذات مُفردات عمرانية سهلة، مصمَّمة بذات الأسلوب الذي يتضمّن أبواباً وشبابيك (درايش) خشبية بزجاج يجمع بين العادي والمُعشَّق، وأعمدة تشبه تلك القديمة التي كانت تُرفع بالحجارة والجصّ، وإنارة على شكل مصابيح الكيروسين، وأسقف من الخوص.

تحضر هذه المرّة تنويعاتٌ أوسع من عروض الكتب، بما يغاير النسخة الأُولى التي عُقدت العام الماضي في إحدى ساحات سوق واقف، وقد كان يغلب عليها المكتبات القطرية، ووجود ضعيف لدور النشر.

ووفق ما قاله غانم المعاضيد، الوكيل المساعد للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة، فإنّ المشاركات من قطر في معرض رمضان 2023 تصل إلى 31 دار نشر، إلى جانب 48 داراً من 14 بلداً عربياً وأجنبياً؛ هي: السعودية، وتركيا، والكويت، ومصر، والأردن، والإمارات، والعراق، وسورية، ولبنان، وتونس، والجزائر، وكندا، والمملكة المتّحدة.

وتتضمن فعاليات المعرض مبادرة "قطر تقرأ"، وسلسلة محاضرات وندوات دينية وثقافية على المسرح الرئيسي في "درب الساعي"، ومعرضاً للمشاريع الإنتاجية، إضافة إلى أنشطة فنّية وتراثية للأطفال والكبار، والاحتفال بـ "ليلة القرنقعوه" التي تصادف ليلة النصف من شهر رمضان، واحتفالية يوم المخطوط العربي.

وخصّصَت الدورةُ الثانية من المعرض مجلساً رمضانياً تتحدّث فيه شخصياتٌ بارزة عن تجاربها، وندوات ثقافية ودينية يومياً. وكان اليوم الأول مع عبد العزيز السبيعي، وزير التربية والتعليم الأسبق، الذي جال في مسيرة التعليم والثقافة في قطر منذ الخمسينيات؛ مع تأسيس أوّل مدرسة ابتدائية عام 1951، لم تكن تضمّ سوى 57 تلميذاً من البنين، حيث كان المجتمع رافضاً تعليم البنات، لافتاً إلى أنّ نظام الكتاتيب هو الذي كان سائداً، قبل أن تعرف قطر أوّل ملامح التعليم النظامي.

وصف السبيعي قطر في مطلع الخمسينيات بأنّها لم تكن بيئة جاذبة للمعلّمين، ومنهم الروّاد الذين استُقدموا من سورية وفلسطين، وكانوا يمضون بضعة أشهر ثم يستقيلون من الوظيفة.

وخاض المتحدّث في جوانب عديدة من سيرة التعليم، وهو الذي تولّى عدّة مناصب مبكّرة، مشيداً بمن حملوا قضية التعليم عبر حوافز للطلّاب من غذاء وملابس ورواتب للعائلات، وكذلك مواجهة رفض تعليم الإناث، ومعها محو الأمية وتوسيع تعليم الكبار في نهج وصفه بأنّه "غاية الاحترام والكرامة"، إذ كان الحاصل على شهادة محو أمية يتقاضى علاوة بقيمة 150 ريالاً.

أمّا افتتاح "جامعة قطر" عام 1977، فقد سبقته حكايةٌ تعود تفاصيلها إلى الفترة المباشرة بعد تولّي خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم عام 1972، والذي أوعز بتأسيس جامعة قطرية.

يروي السبيعي أنّه جرى الاتصال بالسفير البريطاني لهذا الشأن، في سياق البحث عن خبراء يؤسّسون أول جامعة في البلاد، فما كان منه إلّا أن انتدب اثنين من "جامعة درم" في بلاده. وبعد زيارتهما مواقع عديدة وعقدهما بضعة لقاءات خرجا بتقرير من 15 صفحة مفاده ألّا حاجة لجامعة في قطر، ويُكتفى عوضاً عنها بإنشاء صفّ واحد بعد الثانوية يلتحق بعدها الطالب بـ"جامعة درم"، مُعلّقاً بأنّ هذا "هو الفكر الاستعماري"، وعليه رُفض تقريرهما ومضت قطر فيما قرّرته.

الأمر الآخر الذي استعادته أمسية السبيعي يتعلّق بوزارة المعارف (التربية والتعليم) التي قال إنها هي التي كانت تقود الفعل الثقافي، فتأسّست في منتصف السبعينيات المواسم الثقافية، وكان كلُّ موسم يتواصل لأربعة أشهر، وتحضر فيه أسماء بارزة من البلاد العربية، مقارناً بين ذاك الزمن الذي كان تشهد فيه الفعالية مئات الحضور مع الركود القائم حالياً.

وممّا تحدّث عنه السبيعي تلك الأمسية الشعرية للشاعر عمر أبو ريشة (1910 - 1990) التي كان سيقدّمه فيها، بيد أن الشاعر استأذنه قائلاً: "اسمح لي يا ابني الصغير أن أقدم نفسي"، فقال:

ربِّ ضاقت ملاعبي، في الدروب المقيَّدة

أنا عمرٌ مخضٌب، وأمانٍ مشرَّدة

ونشيدٌ خنقت في، كبريائي تنهّده

ربِّ ما زلتُ ضارباً من زماني تمرّده

بسماتي سخيَّة، وجراحي مضمّدة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي