رَحِمُ الحُبّ

2023-03-27

مازن أكثم سليمان

إلى (ريَام الحاج) في مَوجةِ هجرَةٍ جديدةٍ إلى الغَمْرِ

لا منَّةَ للجَمالِ عليكِ..

٭ ٭ ٭

كُلُّ ما هُنالِكَ:

أنَّ قمَراً اعتقَلَهُ مَخفَرُ القضاءِ والقدَرِ بتُهَمٍ أربعَ:

1 ـ إنَّهُ نَسَخَ خَمرَتَهُ الضَّوئيَّةَ آلافاً منْ أيائِلِ الفُوتوكوبِّي عنْ مَنابِعِ الشَّمسِ السِّرِّيَّةِ.

2 ـ وإنَّهُ وزَّعَها مَجَّاناً على عُشّاقِ الدُّنيا المُتسكِّعينَ ليلاً مُتخفِّفينَ منْ هَواجِسَ كثيرةٍ، منْها: إلى أينَ نمضي الآنَ؟ وما المَصيرُ أيُّها الوقتُ الحديديُّ الأعرَجُ؟

3 ـ وإنَّهُ تخابَرَ معَ عُصفورٍ أجنبيٍّ انتشَلَ نُوتَةً منْ حُفرَةِ التَّدوينِ مُسرِّباً مَقاسَ علاماتِها المُوسيقيَّةِ الدَّاخليَّةِ.

4 ـ وإنَّهُ حرَّضَ ذلكَ العُصفورَ على الاعتذارِ بريشةٍ مَنقوعةٍ في النَّبيذِ عن كُلِّ مُقارَنَةٍ حمقاءَ بينَ أجنحتِهِ المَغرورَةِ، وزُهورِكِ التي تُحلِّقُ بعيداً بقُوَّةِ الرَّحيقِ العاري.

ـ ولأنَّهُ لا منَّةَ للجَمالِ عليكِ كمَا في كُلِّ غَمْرٍ، لم ينتهِ الحدَثُ بتمويهِ فِخاخِ الذَّكاءِ العاطفيِّ أُضحيَّةً أُضحيَّة؛ ذلكَ أنَّ ماءً مُوثَّقاً في أرشيفِ الجبَلِ الحنطيِّ سالَ مِنْ جلساتِ مَنْ أحسَنَتْ إليهِم الينابيعُ، وهذهِ نميمَتي التي لنْ أندَمَ على اقترافِها حولَ ما طفا على السَّطحِ، وما غاصَ في القعرِ:

(لا تفويضَ للخَوفِ بتمثيلِكِ

في أيَّةِ مَلامِحَ سَترتسِمُ

على وُجوهِ التَّائهينَ بعيداً

داخِلَ حقْلٍ منْ بنادِقَ مُلقَّمَةٍ باتِّجاههِم)

٭ ٭ ٭

توسُّلاتُ المُسامَحَةِ

المَنثورةُ إرضاءً لاسمِكِ البرِّيِّ

لنْ تكونَ كافيةً يا ابنةَ الكرَزِ

لتبريدِ ألوانِ قوسِ قُزَحٍ الغاضِبَةِ

كُلَّما فاوَضَتْكِ الأشجارُ

مرَّةً على مُبادَلَةِ براعِمِها

بتفتُّحِ عينيْكِ في كُلِّ صباحٍ،

ومرَّةً على اقتراضِ اليَخضورِ

المُعتَّقِ في مَسامِكِ

ولَوْ لربيعٍ مُتلاشٍ فحسْبُ..

٭ ٭ ٭

الخطَأُ المُخطِئُ في دينِ الأشواقِ

أنْ نطبَعَ قُبْلَةً على الرِّيحِ

ثُمَّ أنْ نُحاوِلَ رُؤيتَها

كما لو أنَّها مرسومةً على ورَقةٍ.

٭ ٭ ٭

لنْ تنحنيَ الدَّهشَةُ

كعَجوزٍ تَعِبٍ على سَلالِمِ النِّسْيانِ

هيَ كَمَانٌ نرجسيٌّ

يُبعثِرُ روحَهُ على الإيقاعِ نفسِهِ لاهتزازِ نهديْكِ

ومهما تسرَّبَتْ منهُ الألحانُ نهراً نهراً

لا يُحبَسُ عَزفُهُ خلفَ سدٍّ شاهقٍ،

ولا تُحاكي حركتَهُ راقصاتٌ من سُلالاتِ المُقدَّسِ.

٭ ٭ ٭

العِناقُ يَمحُو أُمِّيَّةَ البَلاغةِ الوَقورَةِ،

وكلماتُكِ الشَّفويَّةُ

سيْلٌ يَقلَقُ كما يَليقُ بعرشٍ يُنادِي أعداءَهُ.

٭ ٭ ٭

لمْ تنطُقْ أحضانُكِ بجَلالِ السُّفُنِ

كي تحُلَّ مكانَ توقيعاتِ اليَقينِ فقط؛

إنَّما لتُسرِّحَ الذَّهابَ والإيَّابَ

منْ زنزانَةِ الغرَقِ مَحسومِ النَّتائِجِ

بينَ سُطورِ البَحرِ وزعيقِ النَّوارِسِ.

٭ ٭ ٭

بصْمَتُكِ الغافيَةُ في إبهامِكِ

كرَضيعٍ يَشعُرُ بالدِّفءِ

مُعتمَدةٌ في دوائِرِ الآلهَةِ

لتوليدِ جَماعاتٍ جديدةٍ

من خَوارجِ الهَوَى الكونيِّ.

٭ ٭ ٭

هَوادِجُكِ الرَّقميَّةُ

تتواصَلُ معَ قوافِلِ القبائلِ العربيَّةِ الرحَّالَةِ في الجاهليَّةِ

بانزياحِ طلَلٍ باتِّجاهِ أُنثى ما تزالُ تَستحِمُّ في واحةٍ

بينَ بُرجيْنِ عملاقيْنِ يطلُبانِ العِلمَ في الصِّين.

٭ ٭ ٭

الشَّغفُ الذي تُحرِّرُهُ زَلازلُكِ

مِنْ طَبَقاتِ الجُيولوجيِّينَ،

لنْ تستطيعَ حِمَمُ البراكينِ صَهْرَهُ

ودمجَهُ بالرُّوتينِ

حينَما يتجسَّمُ قطعاناً أليفَةً

في كمَّاماتِ العَمَلِ المُعقَّمَةِ.

٭ ٭ ٭

المُنقِّبونَ الذينَ انتدبَهُم الجَلادونَ القُدماءُ

لنْ يَعثُروا على جَوابٍ شافٍ

لألغازِ ما يَصنعُهُ ظلُّكِ

كُلَّما انسابَ على الطُّرُقِ الخطِرَةِ

بينَ أريافٍ ومدُنٍ تشابَكَتْ أفخاذُها بقُوَّةٍ

وضاعَتْ في أزقَّتِها الأنسابُ

وأُدخِلَ باحثُوها الأنثروبولوجيُّونَ

إلى مِصحَّاتٍ عقليَّةٍ

بعدَ أنْ التهَمَهُم

هَوَسٌ بالطَّواطِمِ البدائيَّةِ للحَلَمات.

٭ ٭ ٭

ليسَ هُناكَ ما يَنفي هُبوبَكِ:

لا على شاطئٍ مُكتظٍّ بالشَّهوانيِّينَ والزُّهَّادِ

وهُم يَعيثونَ غرابَةً بينَ الواقعِ والخَيالِ،

ولا في زُرقَةِ سَماءٍ سقطَتْ نُجومُها سَهواً

من جُعبَةِ التَّاريخِ

كمُعلَّقَةِ شاعرٍ مَجهولٍ

اكتُشِفَتْ منذُ أسبوعٍ مَنحوتَةً على صَخرَةٍ

نَقَشَ عليها كُلٌّ من الزِّير سالِم ورامبو

أروَعَ دُموعِ النَّشوةِ، والسَّرابِ.

٭ ٭ ٭

الأمرُ الشَّائِقُ في كُلِّ هذهِ التَّشقُّقاتِ

أنَّكِ مهما كُنتِ جسَداً فالِتاً منَ التَّعيينِ

كعَلاماتِ دريدا، أو كمَعاوِلِ فوكو،

يُمْكِنُ أنْ يُلمَحَ المَجهولُ لوهلَةٍ

جاثياً على رُكبتيْهِ على مَذْبَحِ الإيماءِ

مُعترِفاً بتحوُّلاتِكِ الرَّشيقَةِ

خارِجَ المَعابِدِ التي تترنَّمُ

بصدَأِ الإعجازِ والشَّيطنةِ.

٭ ٭ ٭

حبُّكِ أخَفُّ ندَىً ممَّا يتوقَّعُ المُؤوِّلونَ،

والهَشاشَةُ الأعنَفُ لطَاقاتِكِ

في هذهِ المِكواةِ التي تُسمَّى تجاوُزاً بالحياةِ

تتكوَّرُ هُناكَ

كنُدوبٍ غامِضَةٍ في باطنِ القلبِ

لتَندفِعَ كُلُّ نبضةٍ منْ نبضاتِهِ

مُختلِفَةً عنْ شقيقتِها التي سبَقَتْها

كأنَّها من عِرْقٍ آخَر.

٭ ٭ ٭

يدُكِ لا تَهُشُّ العُيوبَ

عنْ أُوكسجينِ النَّقصِ في الخَلايا

لكنَّها تترُكُ المَعاني تتملَّصُ كذرَّاتِ الغُبارِ

منْ مِكْنسَةِ القواعدِ

زائِغةً لهفتُكِ العسَليَّةُ

في سَرديَّاتٍ

عشَّقَها المَجازُ في أدخِنَةِ نراجيلَ

ها هيَ ذي تَطوي بها شُرفةً في الاستعارَةِ

وتَنأى..

٭ ٭ ٭

الكشْفُ تحتَ إبطيكِ

خَلْقٌ للإبادَةِ الجَماليَّةِ،

والمَحْوُ المُلتَفُّ وِشَاحاً صُوفيَّاً

على عُنُقِكِ

يُداعِبُ فَرادَةَ التَّلاعُبِ الصَّوتيِّ

بمَرَدَةِ النَّشازِ والتَّناغُمِ

في حُنجرَتِكِ الأشبَهَ بكُوخٍ

لجَأَ إليهِ الغُنْجُ

فِراراً من بلادٍ تُعاني من بُرودٍ عاطفيٍّ

في أَسِرَّةِ حُوريَّاتِ التَّشتُّتِ.

٭ ٭ ٭

خصْرُكِ

ينحَلُّ فجأةً،

وينسكِبُ خُيولاً

تتسارَعُ، وتصخَبُ،

مُورِّطَةً كينونةَ ما قبلَ الانفجارِ العَظيمِ

في تطايُرِ شَعرِكِ مُروجاً مُروجاً.

٭ ٭ ٭

أيَّتُها المُجرِمَةُ التي تُدلِّي الهديرَ

ثُريَّاتٍ منْ مَفاتِنِ الحُرِّيَّةِ

حسْبُكِ أنْ تتجاهلِي المَرايا

كيْ تُخبِّئي نظَراتِكِ مُفاجأةً لنظَراتِكِ

أو كنايةً عنْ كوكبٍ

لم يجلِسْ قَطُّ كطالبٍ مُهذَّبٍ

على مَقاعدِ صَفِّ دربِ التَّبّانةِ.

٭ ٭ ٭

أينَما توجَّهَتْ فراشاتُكِ

سيكونُ على العالَمِ الذي أمامَكِ

أنْ يسجُدَ للعُطورِ التي هرَّبَتِ الأحلامَ

كالمَغضوبِ عليهِم من النَّوافذِ،

وسيكونُ على العالَمِ الذي خلفَكِ

أنْ يلهَثَ كالضّالِّينَ علَّهُ يَحْظَى بالتفاتَةِ غيمَةٍ

ولَوْ على سَبيلِ الرَّذاذِ المُسكِّنِ

لصَبرِ الأرضِ السَّرمديِّ

بينَ وَهْمِ الإقامَةِ

ووَهْمِ الغِيابِ.

٭ ٭ ٭

للحُبِّ رَحِمٌ جَوَّالٌ

لا يَكِفُّ عنِ الغَدرِ بالكَمالِ

وإنجابِ أطفالٍ

لا هُمْ أبناءُ الوُجودِ

ولا هُمْ أبناءُ العدَمِ.

٭ ٭ ٭

الامتحانُ الأصليُّ يا حبيبتي

ليسَ في الجُلوسِ الخَرِفِ

داخِلَ خِيَمِ عَزاءِ الخُلودِ..

للفَجْوَةِ إذ يتبدَّدُ الغِناءُ، وتَفْنَى الأحيازُ،

تَخَلٍّ ساحِرٌ

لا يُقاسُ بخُطُواتِ عَقارِبِ السَّاعاتِ؛

بل بقَفَزاتِ الأنامِلِ المَجنونَةِ فوقَ أطواقِ اللَّهَبِ.

شاعر سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي