
كراكاس(فنزويلا) - على وقع موسيقى تصدح من جهاز ستيريو في غرفة معيشة سيرا مدريد، تنتظر المرأة 83 عاماً بفارغ الصبر زيارة إحدى المتطوّعات في منظمة "كونفيت" غير الحكومية التي توفر مساندة لكبار السن الفقراء في فنزويلا.
وتسعى المنظمة غير الحكومية لمساعدة كبار السن حتى يتغلبوا على ما تسببت به الازمة الحادة التي تعصف بفنزويلا منذ العام 2013، كهجرة أفراد الأسرة أو خسارة القدرة الشرائية أو إفلاس النظام الصحي.
وتقول سيرا مدريد لوكالة فرانس برس إن جلسات الدردشة على كوب من القهوة وبعض البسكويت ليست مجرد مناسبة لتناول وجبة خفيفة، بل إنها "ضوء" في نفق الوحدة.
وتتوجه موريلا روسيان لها بالقول عند وصولها "صباح الخير أيتها الشابة! كيف حالك؟ هل تتمتعين بأشعة الشمس؟"
عندها، يلمع وجه السيدة العجوز، رغم أنها تروي لمندوبة المنظمة غير الحكومية عن معاناتها من آلام في المفاصل في الأيام الأخيرة.
وقد دفعت الأزمة في فنزويلا بسبعة ملايين شخص إلى مغادرة البلاد، "في إحدى أكبر أزمات النزوح في العالم"، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويجازف كثيرون بحياتهم لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر عبر أميركا الوسطى والمكسيك لمحاولة الوصول إلى الولايات المتحدة. لكن معظمهم، ما يقرب من ستة ملايين، يعيشون في بلدان أخرى في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وهاجر نجل سيرا مدريد إلى كوستاريكا في عام 2015.
وتقول السيدة المتقاعدة بعينين دامعتين "لم يكن يتصل بي، لكنه خابرني أخيراً، لأني قلت له يوماً + اسمع يا بني، نحن نمضي وقتاً (سيئاً) هنا +".
وبسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم المفرط، شهدت قيمة المعاشات التقاعدية تقهقراً كبيراً، وباتت لا تتجاوز في كثير من الأحيان 10 أو 20 دولاراً في الشهر. وتوضح سيرا مدريد أن ابنها لم يرسل لها يوماً ولا حتى "نصف سنت".
وهي التقت بموريلا روسيان قبل بضعة أشهر، وعلى مر الأيام، أصبحت الأخيرة أكثر من مجرد متطوعة بالنسبة لها.
وتقول سيرا مدريد، التي تغلبت أخيراً على سرطان الثدي "أحياناً، أشعر بإحراج... للاتصال بها، لأني أدرك أنها منهمكة بأمور كثيرة، لكنها بالنسبة لي (...) كفرد من العائلة".
- "غذاء للروح" -
وتضم فنزويلا نحو خمسة ملايين متقاعد بحسب الحكومة التي أطلقت برنامجا في 2011 لكبار السن، من دون أن تُعرف نتائج هذه المساعدات.
وتندد منظمة "كونفيت" بالعزلة التي يعيشها المسنون، وتشير تقديراتها إلى أن نصف مليون شخص يعيشون بمفردهم وأن "الكثيرين يعتمدون حصراً على دعم الأسرة أو التبرعات أو الوظائف غير الرسمية أو المساعدات الإنسانية".
وأُطلقت المنظمة غير الحكومية عام 2020 في منطقة كراكاس، ووهي تعتزم توسيع نشاطاتها إلى جميع أنحاء البلاد.
لا تساعد "كونفيت" الأشخاص المعزولين فحسب، بل تساعد أيضاً العائلات التي تواجه صعوبات.
وتشرح ماريا كارولينا بورخيس (58 عاماً) التي تمضي الكثير من الوقت مع ماريا دولوريس خايمس (76 عاماً)، أن "دورنا لا يقتصر على تقديم الطعام لهم على طبق، بل تقديم غذاء للروح".
على عكس سيرا مدريد، لا تعاني ماريا دولوريس من الشعور بالوحدة. فهي تعيش مع اثنين من أبنائها الأربعة وكلبين وببغاء. لكنها تشعر بقلق دائم من عدم قدرتها على تلبية احتياجات الأسرة.
وتشرح ماريا كارولينا، التي تعتبرها ماريا دولوريس بمثابة ابنتها، "نحن المتطوعين، نقول لهم +أنتم قادرون+" على الوصول إلى هناك".
وتقول بامتنان "إنها يقظة جداً (...) تتصل بي كل أسبوع".
وتضيف "لطالما أحبّتني كثيراً"، مخفية تنهدات تسارع ماريا دولوريس إلى تهدئتها قبل معانقتها بحنان.