
الخطاب الأمريكي يحتفظ بمكان شرف لكلمتي “شخصية رئاسية”، فالقوة العظمى تريد أن ترى زعماءها يجسدون الحلم: ابتسامة عريضة تكشف أسنانا بيضاء؛ غرة تتطاير على نمط كيندي، وقدرة على العرض أمام الأمة للأمر الأهم: الأمل. هذه الصورة المثلى تحطمت عندما ظهر دونالد ترامب وأثبت بأنه حتى الشخص الأزعر الذي يلوح بالفوضى كأداة حكم، يمكنه إدارة الدولة. لكن ألقي بالرئيس من البيت الأبيض بعد ولاية واحدة، وصعد جو بايدن إلى المنصة كمنقذ للأمة المحطمة.
خطب الرئيس بايدن أول أمس خطاب الأمة التقليدي. فقد تحدث عن وضع الأمة، لكنه استعراض للمزاج أكثر من أي شيء آخر: الرئيس ابن الـ 80 كان يحتاج للاجتهاد أكثر كي يثبت حتى للمشككين في حزبه بأنه أهل بما يكفي للمنافسة على ولاية ثانية. الرسالة الكبرى التي جلبها في خطابه كانت “تعالوا ننهي العمل”، والتي كررها بضع مرات. كان هذا تلميحاً شديد الوضوح على أنه لا يعتزم الرحيل إلى بيته.
عندما هتفوا له من بين صفوف الجمهوريين “كذاب” بعد أن اتهم الحزب الخصم بأنه يريد إسقاط العواميد المركزية للرفاه – التأمين الصحي والتأمين الوطني – رد الضربة: “يسعدني سماع أنكم غيرتم فكركم. لقد أثبت بايدن بأنه لا يزال يتحكم بالكرة المرتدة للكلمات، ويقدم بعض الفكاهة”.
لقد تباهى بايدن وعن حق بأنه نجح في خلق 12 مليون مكان عمل جديد لزيادة التصدير وتقليص العجز. لكن الرسالة الأهم التي أطلقها لم تكن اقتصادية. فقد قال الرئيس إن الولايات المتحدة ستقاتل في سبيل الديمقراطية. وأشار إلى أحداث السادس من كانون الثاني واقتحام الكابيتول من قبل مؤيدي ترامب ممن صدقوا كذبة سرقة الانتخابات، وعندها دعا الأمريكيين بالبقاء متفائلين ومفعمين بالأمل في وجه الخطر الذي تقف أمامه الديمقراطية “في الولايات المتحدة وخارجها”.
شرح الرئيس بأن هذا التفاؤل مهم لتوفير الإلهام لمؤيدي الديمقراطية في أرجاء العالم أيضاً. “لن نكون مراقبين على حياد التاريخ”، وأضاف: “يجب أن نواجه الكراهية والتطرف”. هذه السطور، كما ينبغي الافتراض، كانت موجهة إلى إسرائيل أيضاً. يعرف نتنياهو كيف يقرأ خطابات الزعماء الأجانب، ومن بين السطور.
في هذه الخطابات لم يذكر بايدن إسرائيل ولم يكرر الالتزام المقدس وأن علاقاتها مع أمريكا غير قابلة للجدال. كما أنه لم يتحدث عن التهديد الإيراني. في الخلفية، لم يتلقَ نتنياهو بعد دعوة إلى البيت الأبيض. تبدو هذه الظن رسالة لإسرائيل بأن الديمقراطية قيد اختبار عظيم.
الولايات المتحدة اليوم في أزمة زعامة. في الأفق لا يبدو مرشحون جدد جذابون، لا من اليمين ولا من اليسار. لهذا السبب، فإن فرصة بايدن في البيت الأبيض لا بأس بها. إذا لم تزل إسرائيل راغبة في تلقي عناق كبير من واشنطن، وكذا صنبور أموال مفتوح، فقد أتاح لها البيت الأبيض ذلك شريطة ألا يكون مس، أو حتى خدش في عصفور روح العالم المتنور: الديمقراطية. ليس صدفة أن وزير الخارجية بلينكن لقن نتنياهو درساً في المواطنة.
بقلم: أورلي أزولاي
يديعوت أحرونوت 9/2/2023