فورين أفيرز: المتشددون ينتصرون في إيران والتظاهرات تزيدهم قوة وخطرا

2023-02-06

هددت إيران بالخروج من معاهدة وقف انتشار السلاح النووي والتحول لدولة نووية، بشكل سيضعها في مواجهة مع إسرائيل (أ ف ب)

قال ولي نصر، أستاذ الشؤون الدولية والشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز إن المعسكر المتشدد ينتصر في إيران، مؤكدا أن أشهرا من الاحتجاجات قوت نظاما محاربا.

 وأشار بمقال نشرته “فورين أفيرز” للتظاهرات التي تعصف بإيران منذ الخريف وطالبت بداية بنزع الحجاب وحرية المرأة وانتقلت لاحقا للمطالبة برحيل النظام. ومثلت الاحتجاجات أكبر تحد للجمهورية الإسلامية منذ عام 1979 وأثارت تكهنات عن رحيل نظام اليوم كما رحلت الملكية بالأمس.

 وظل النظام يملك اليد العليا بسبب آلة القمع التي استخدمها وغياب القيادة والتنسيق بين المتظاهرين، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والعقوبات تجعل من اندلاع تظاهرات جديدة أمرا محتوما. وهذا الوضع المحفوف بالمخاطر الذي يحوم حول مستقبل الجمهورية دفع عددا من رجاله بالداخل للتخلي عنه ونقده علنا، حيث انتقدوا سيطرة مجموعة صغيرة من المتشددين بقيادة الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي على مقاليد البلاد وطريقة ردهم القمعي على المتظاهرين.

ومن هؤلاء الذين أبعدوا أنفسهم عن الخط الحكومي، مرجعيات كبرى في النجف وقم ومسؤولون بارزون سابقون في الحكومة وعسكريون سابقون يحملون أرفع الرتب في الحرس الثوري. ولامت الصحف والوسائل الإعلامية المقربة من المتشددين والقريبة من الحرس الثوري وبشكل علني رئيسي على سوء إدارته للاقتصاد، إلى جانب أنصار النظام مثل الرئيس محمد خاتمي وحسن روحاني ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني الذين شجبوا القمع المفرط من الحكومة على المحتجين. وطالب النقاد بتغيير ذي معنى للتغلب على العاصفة.

ولا توجد أية إشارة عن استماع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فهو ومجموعة مقربة منه أحكموا السيطرة على زمام الأمور ويعارضون التحاور مع الغرب والعودة لاتفاقية 2015 النووية. ويفضلون في الداخل سياسة العزلة والتحكم بالمجالين الاجتماعي والسياسي. وعلى المستوى الإقليمي، فهم يفضلون سياسات عدوانية وزيادة التعاون مع روسيا. وبدلا من وضع التظاهرات النظام في مكانه ودفعه للتغير، فإن النظام الذي خرج منها دعا للحرب بدرجة أكبر وهو عدواني أكثر من السابق.

ويعتقد نصر أن رغبة النظام في قمع المتظاهرين لا علاقة لها بالدفاع عن الأيديولوجية الإسلامية بقدر ما ركز خامنئي في كل خطاباته على التدخل الأجنبي. فهو يتعامل مع الاحتجاجات كمؤامرة أمريكية نظمت بالتعاون مع إسرائيل والسعودية.

وعليه يرى خامنئي أن على إيران تعبئة كل جهودها لمواجهة هذه الهجمة. ولامت أجهزة الأمن التي تستلهم سياساتها من أحاديثه شبكات التلفزة المعارضة في الخارج ومنصات التواصل الاجتماعي واتهمتها بالتحريض على قلب النظام بالداخل. بل وحملوا الأقليات الكردية والبلوشية مسؤولية الاضطرابات إلى جانب التدخل الأجنبي.

ففي الخريف الماضي حشدت إيران قواتها قرب الحدود مع أذربيجان وحذرت العراق من أنها قد تجتاز الحدود لإغلاق معسكرات مقاتلين أكراد. ويعتقد نصر أن خامنئي الذي حكم إيران منذ 3 عقود، وهناك شائعات تقول إن المرشد البالغ من العمر 83 عاما مريض، مصمم على تأمين إرثه ويعتقد أن أي تنازلات أو تسويات مع المعارضة ستترك آثارا عكسية. وشاهد كيف قدم نظام الشاه تنازلات عام 1979 عجلت بنهايته.

وبدلا من الاستجابة لمطالب المتظاهرين أو الاستماع لنقاده، لجأ خامنئي إلى العنف وسجن الآلاف وقتل المئات وأعدم أربعة من المحتجين إلى جانب مئات ينتظرون المقصلة. واستخدم النظام الرقابة الدقيقة والتهديد ضد عائلات المتظاهرين والموظفين والمصالح التجارية إلى جانب الدعاية لقمع الاضطرابات. وبات خامنئي يعتمد أكثر فأكثر على نصيحة المتشددين في الحرس الثوري والمخابرات والبرلمان، فهؤلاء يفهمون مثله المشكلة ويشاركونه عدم الثقة بالغرب ويعتقدون أن الاتفاقية النووية هي مصيدة لحبس إيران. ويعتقد أن تشككاتهم صحت ولهذا يجب تقويتهم ودعمهم لمقاومة الغرب والبحث عن استقلال اقتصادي وسياسي.

ويعلق الكاتب أن الاحتجاجات أثرت على منظور العودة لاتفاقية 2015، وباتت الدول الغربية حذرة في حديثها عن رفع العقوبات مقابل الاتفاقية، وتتردد إدارة بايدن بمتابعة ملف السجناء الأمريكيين في إيران خشية أن تثير ردة فعل محلية لو اقتضى التبادل رفع القيود عن أموال إيرانية في أمريكا. إلا أن المتشددين ليسوا منزعجين من التجاهل الغربي لهم، وبل وجلبوا على أنفسهم عقوبات جديدة وإمكانية تصنيف الاتحاد الأوروبي الحرس الثوري كمنظمة إرهابية. ووضع إيران ليس أحسن في الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث حذر مديرها البرلمان الأوروبي من تخصيب طهران كميات من اليورانيوم كافية لإنتاج أسلحة. وربما قامت الوكالة بإحالة إيران إلى مجلس الأمن وفرض العقوبات من جديد عليها، نظرا لأن فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا تريد استمرار حظر تصدير الأسلحة والصواريخ للحرس الثوري.

وهددت إيران بالخروج من معاهدة وقف انتشار السلاح النووي والتحول لدولة نووية، بشكل سيضعها في مواجهة مع إسرائيل التي ضربت في الشهر الماضي منشأة للسلاح قرب أصفهان وكذا الولايات المتحدة التي هددت إدارتها بأنها لن تتسامح مع إيران نووية.

وردت إيران على العزلة الدولية من خلال التقارب مع روسيا، حيث يشترك خامنئي مع رئيسها فلاديمير بوتين في الموقف المعادي للغرب. وقربت الحرب في أوكرانيا الطرفين. وتجاهل خامنئي النقد من الداخل وصادق على تمرير المسيرات الإيرانية المتقدمة لموسكو. وناقش خامنئي أهمية تحالف بلاده مع روسيا لمواجهة الولايات المتحدة والأوروبيين وشركائهم في الشرق الأوسط. وتظل إيران مهمة لروسيا، لأنه طالما ظلت موسكو تعتمد على أسلحتها فلن تدير هذه ظهرها لطهران. وأغضب تحرك إيران نحو روسيا الغرب وبخاصة تزويدها بالمسيرات، لكن ذلك كان مفرحا للمتشددين الذين طالما دعوا لتوثيق العلاقات مع موسكو والابتعاد عن الغرب.

 وتحاول إيران أن تصبح الحليف الذي لا يستغنى عنه لروسيا. وكلما احتاجت موسكو للمسيرات كلما تجاهل بوتين القيود الدولية وزود إيران بالمقاتلات وأنظمة السلاح المتقدمة. وذكرت مصادر إعلامية إيرانية أن طهران ستحصل على عدد من مقاتلات سوخوي-35 في آذار/مارس وتتطلع للحصول على مروحيات ونظام أس-400 القادر على تتبع واكتشاف مقاتلة أف-35. وحصولها على هذه الترسانة يعني تطوير النظام قدراته الدفاعية لمواجهة الطيران الإسرائيلي في سوريا والعراق وتحمل الضغوط الأمريكية في منطقة الخليج.

 لكل هذا تشعر الدول الجارة بالخوف من التقارب الروسي- الإيراني لأنه سيعزز من قوة المتشددين ويجعلهم نظاما أخطر. وسيواجه الغرب معضلة ليس في التعامل مع كل من روسيا وإيران بل مواجهة خطر تحالفهما معا. ويأمل المعلقون في الغرب أن تؤدي سيطرة المتشددين لزيادة التظاهرات التي تعجل بنهاية نظامهم، لكن الأمل ليس بديلا عن الفعل.

 وحتى هذا الوقت اعتمدت أمريكا وأوروبا على العقوبات والتهديد بالحرب، إلا أن إسرائيل غير راضية وقد تؤدي عملياتها لتوسع مواجهة أمريكا وحلفائها، وهي ليست جاهزة لها وسط مواجهة مع روسيا والصين. وعلى أمريكا وحلفائها البحث عن استراتيجية تجمع ما بين الوعد والوعيد والحوار على عدة موضوعات منها دور إيران في أوكرانيا والملف النووي. والتقى المسؤولون الإيرانيون والأوكرانيون في عمان للبحث في موضوع الحرب. ويجب على أمريكا وحلفائها التحاور مع إيران بعيدا عن الملف النووي المتوقف وشمل الموضوع الأوكراني ومواضيع الإقليم الأخرى، وإلا واصل المتشددون دفع البلاد إلى اتجاه أخطر.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي