إندونيسي عانى سابقاً من الجذام يصنّع أطرافاً للسكان المصابين بهذا المرض

ا ف ب - الأمة برس
2023-01-30

علي ساغا يعرض يداً اصطناعية (يمين) مقارناً اياها بيده، داخل مشغله في تانغيرانغ الاندونيسية بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير 2023 (ا ف ب)

حوّل الإندونيسي علي ساغا معاناته من الجذام الذي شُخصت إصابته به قبل 40 عاماً إلى عمل مفيد لقضية مجتمعية، إذ يصنع يدوياً أطرافاً للسكان المصابين بهذا المرض لمساعدتهم في العودة إلى الحياة الطبيعية. 

ويتذكّر ساغا كيف ابتعد المرضى ومقدّمو الرعاية بسرعة عندما رأوه يدخل إحدى عيادات العاصمة الإندونيسية جاكرتا. ويقول الرجل البالغ 57 عاماً دامعاً "صاح الطبيب فجأة +تراجعوا إنّه يعاني مرض الجذام+!".

ويقول ساغا الذي شُخّصت إصابته بالجذام في سبعينات القرن الفائت "ربما لم أشعر بأوجاع في بشرتي بقدر ما كانت روحي جريحة".

والجُذام الذي كان يُعتبر مدعاةً للخجل، هو مرض يطال الجلد والأعصاب الطرفية وقد يؤدي إلى مضاعفات خطرة جداً. أما اليوم، فالخزعة كافية لتشخيصه والمضادات الحيوية لمعالجته.

وعلى غرار مرضى سابقين كثر، يعيش ساغا في قرية تانغيرانغ حيث يقع مستشفى سيتالانا الذي أقام فيه عدد كبير من المرضى، قبل أن يقرروا البقاء في المنطقة بعد إنهاء علاجهم.

- "مستعمرة الجذام" -

وأطلقت وسائل الإعلام على هذه القرية الواقعة على مقربة من جاكرتا تسمية "مستعمرة الجذام" بسبب إقامة هؤلاء المرضى الذين كانوا يعتبرون منبوذين فيها.

وكان لهذه التسمية أثر في انتشار أفكار خاطئة عن مرض الجذام، فعدد كبير من الإندونيسيين يعتقدون أنّ الجذام المعروف باسم مرض هانسن أيضاً، هو نقمة إلهية تنتقل بين الأفراد بمجرد احتكاك بسيط مع المصابين.

ويكافح علي ساغا على طريقته الخاصة هذه الأفكار النمطية التي تنطوي على أثر بدني بقدر ما تحمل تداعيات اجتماعية.

وداخل مشغله المليء بالغبار، تتدلى أطراف اصطناعية من الجدران، في انتظار أن تساهم في تغيّر حياة مَن يحتاجها، على غرار كون سان (70 عاماً)، وهو جار ساغا، الذي استعاد القدرة على الوقوف بعدما بُترت إحدى ساقيه عندما كان شاباً وفقد الثانية عام 2007.

ويقول كون سان الذي يعمل خيّاطاً "كنت أعتقد أنني لن أتمكن من المشي مجددا... لكنّني اليوم ممتن جداً لأنني قادر على المشي بشكل طبيعي".

وتُعد إندونيسيا البلد الثالث عالمياً بعد البرازيل والهند لناحية عدد المصابين بالجذام الذي ينتقل عن طريق الاحتكاك لفترة طويلة بمصابين لم يُعالَجوا.

وفي إطار اليوم العالمي للجذام الذي صادف الأحد، أفادت وزارة الصحة الإندونيسية بأن 15 ألف شخص يتلقون علاجاً طبياً للجذام، بينهم أكثر من 11 ألف حالة جديدة سُجّلت العام الفائت.

ويعيش نحو 500 مريض سابق في تانغيرانغ بعد أن تلقوا علاجاتهم في المستشفى.

وتصدّر مستشفى سيتانالا عناوين الصحف عام 1989 عندما صافحت الأميرة ديانا مريضاً مصاباً بالجذام كان يتعالج هناك.

ويشغل معظم المرضى السابقون وظائف بسيطة كمنظفي شوارع أو سائقي عربات ريكشا.

وبفضل علي ساغا، استعادوا جزءاً من الراحة والقدرة على أداء مهامهم بصورة طبيعية.

- تحدٍّ كبير -

ومن بين هؤلاء المرضى السابقين جومانغن (60 عاماً)، وهو سائق خسر إحدى ساقيه في شبابه واضطر لفترة طويلة للاكتفاء بساق من الخيزران، لأنّ الطرف الاصطناعي الفعلي مكلف جداً له.

ويقول لوكالة فرانس برس "كان الوضع مؤلماً وكان عليّ استخدام عصا لتثبيت نفسي عندما أمشي".

وحصل جومانغن مجاناً على طرف اصطناعي من تصميم ساغا. ويقول "أشعر وكأنها ساق حقيقية"، مضيفاً "لم أعد أشعر بالألم عندما أسير".

ويشعر ساغا بتأثر عندما يتطرق إلى ماضيه المؤلم، فيما يفضّل التركيز على ما يمكنه القيام به لمساعدة مرضى سابقين آخرين على العودة إلى حياتهم الطبيعية.

وقد يصل سعر الطرف الاصطناعي إلى 10 ملايين روبية إندونيسية (نحو 669 دولاراً)، إلا أنّ ساغا يوفّر عدداً منها مجاناً أو يبيعها لقاء مبالغ صغيرة.

ويؤكد أنه صنّع منذ عام 2005 أكثر من خمسة آلاف ساق اصطناعية لمرضى سابقين من مختلف أنحاء اندونيسيا.

ويشير خبراء إلى أنّ الجذام لن يتم القضاء عليه قريباً، ويعود ذلك تحديداً إلى الأفكار النمطية التي تُشعر المرضى بالخزي، مما يجعلهم يبتعدون عن تلقي العلاجات.

ويقول أسكين سيناغا، وهو مدير منظمة "ان ال آر اندونيسيا" غير الحكومية التي تكافح الجذام، إنّ "الإصابات بالمرض لن تتوقف وسيستمر تسجيل حالات إعاقة" ما لم تُزَل هذه الحواجز.

وتسعى إندونيسيا إلى القضاء على الجذام بحلول العام المقبل، في تحدٍّ يُعد كبيراً لهذا الأرخبيل الذي خصّص موارد مالية كبيرة لمكافحة كوفيد-19.

أما أولئك الذين عانوا مرض الجذام، فيرغبون ببساطة أن يُعامَلوا كالآخرين.

ويقول كون سان "آمل أن يتوقف الناس عن إطلاق أحكام علينا وأن يوفروا مساعدة لنا بدل ذلك".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي