نقطة اللاعودة.. حرب الدبابات.. لماذا قد تقلب “أبرامز” الأمريكية و”ليوبارد” الألمانية مسار الحرب في أوكرانيا؟

متابعات - الأمة برس
2023-01-26

صورة التُقطت في 19 أيار/مايو 2022 تُظهر دبابة ليوبارد بولندية في نوفوغرود في بولندا (ا ف ب)

قرار إرسال دبابات أبرامز الأمريكية وليوبارد الألمانية إلى أوكرانيا يمثل نقطة اللاعودة في الحرب، فهل تتعرض روسيا للهزيمة "المستحيلة"؟ أم ينفذ بوتين تهديده النووي؟ أم يخسر بايدن الرهان؟

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن، الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني، أن واشنطن سترسل إلى أوكرانيا 31 دبابة من طراز "أبرامز إم 1" بما يعادل "كتيبة دبابات"، مشيراً إلى أن تسليمها يحتاج "إلى بعض الوقت"، موضحاً أن موعد تسليم أوكرانيا تلك الدبابات المتطورة يتوقف على مدى جاهزية قواتها والاستعداد لاستخدامها.

كما كشف بايدن أن ألمانيا بصدد تزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ باتريوت، وذلك بعد موافقة برلين على تزويد أوكرانيا بـ14 دبابة من طراز ليوبارد 2، والسماح لدول حليفة مثل بولندا بإرسال هذا النوع من الدبابات إلى كييف.

يأتي ذلك، بينما نقلت وكالة الأناضول عن مصادر أن الولايات المتحدة ستمنح أوكرانيا 8 دبابات من طراز النجدة "M88" لدعم دبابات أبرامز في حالة تعرضها لأي عطل، في حين نقلت عن مسؤول أمريكي قوله إن "التدريب على دبابات أبرامز سيتم خارج أوكرانيا".

لماذا تحظى دبابات أبرامز تحديداً بتلك الضجة؟

مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "لماذا تُعد إم-1 أبرامز الدبابة المناسبة للقتال في أوكرانيا؟"، رصد كيف أن دبابات القتال الرئيسية تعتبر جزءاً مهماً مفقوداً بالنسبة للأوكرانيين في تصديهم للهجوم الروسي، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر".

إذ إن إضافة هذه الدبابات تحديداً، جنباً إلى جنب مع مركبات قتال المشاة الحديثة -مثل برادليز 109 التي تنقلها الولايات المتحدة وماردرز 40 التي وعدت بها ألمانيا- والمدفعية المتنقلة ينتج عنها ثالوث قاتل في الحرب الآلية الحديثة، فدروع دبابات القتال الرئيسية ومدافعها الرئيسية 120 ملم وآلاف طلقات المدافع الرشاشة تجعلها أصولاً هجومية لا تُقدر بثمن.

فيمكنها العمل رغم نيران العدو لتدمير المركبات المدرعة والمباني الخرسانية، وجميع الحواجز أمام الأوكرانيين وهم يقاتلون هذا العام ضد القوات الروسية الراسخة على طول الطرق المؤدية إلى شبه جزيرة القرم ودونباس.

وتقول صحيفة Telegraph البريطانية إن الغرب يستعد لإرسال ما يقرب من 200 دبابة قتالية إلى أوكرانيا، في ضربة محتملة يمكن أن تساعد كييف في كسب حربها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جاء ذلك بعد أن استسلمت ألمانيا أخيراً لأسابيع من الضغط الدولي ووافقت على التبرع ببعض دبابات ليوبارد 2.

في غضون ذلك، أسقطت الولايات المتحدة معارضتها لإرسال دبابات إم-1 أبرامز -يُحتَمل أن تكون العشرات منها- في تصعيد كبير لمشاركتها. وأشار المسؤولون الأمريكيون، بحسب الصحيفة البريطانية، إلى أن خططهم انتهت، مع وجود خيارات لإرسال ما يصل إلى 50 دبابة من طراز أبرامز. وهو ما أعلن عنه بايدن بالفعل، وقد رُفِعَ العدد الإجمالي للدبابات التي يمكن أن تتوقع كييف امتلاكها تحت تصرفها إلى ما يقرب من 200 دبابة، مع احتمال وجود المزيد.

وتشير صحيفة Telegraph إلى أن البيت الأبيض والبنتاغون قد فوجئا بالتردد الألماني، ولم يتم التوصل إلى اتفاق في اجتماع لخمسين وزير دفاع للدول الحليفة في القاعدة الجوية الأمريكية في رامشتاين في ألمانيا يوم الجمعة، 20 يناير/كانون الثاني، لكن أخيراً وافقت الولايات المتحدة على شروط ألمانيا وتم الإعلان عن الموافقة على إرسال دبابات ليوبارد إلى أوكرانيا.

هل أصبحت أوكرانيا على طريق تحقيق النصر؟

يرى القادة الغربيون أن طريق أوكرانيا لاستعادة أراضيها وتحقيق الانتصار يكمن في الاستفادة من الآلات القتالية بدلاً من التضحية بالجنود، وهذا يتطلب مساعدةً من الخارج. وكما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس في مقال رأي نُشر مؤخراً في صحيفة Washington Post الأمريكية، فإن تردد الناتو في توفير المزيد من المعدات سيسمح لروسيا بتشديد قبضتها على الأراضي التي تسيطر عليها وإعادة تجميع صفوفها لشن هجمات جديدة. لمواصلة تحقيق مكاسب على السهول الشرقية أو وقف هجوم مضاد روسي كبير، سيحتاج الجيش الأوكراني إلى عدد كبير من الدبابات الجديدة – وفي وقت قريب.

فمع تضرر صناعتها الدفاعية بشكل خطير بسبب الضربات الصاروخية الروسية المستمرة منذ شهور، يوجد لدى أوكرانيا مساران أساسيان للحصول على دبابات القتال الرئيسية الإضافية التي هي بحاجة إليها: الأول هو الحصول على المخزون المتناقص من دبابات الحقبة السوفيتية المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، وتحديث هذه الدبابات، والبحث عن أي ذخيرة من طراز 125 ملم المتبقي.

والآخر هو الحصول على واحد من أكبر أسطول لدبابات القتال الرئيسية للناتو -الدبابة الألمانية ليوبارد 2 أو الأمريكية إم-1 أبرامز، وستكون دبابة القتال الكورية كيه-2 بلاك بانثر مرشحةً قوية؛ نظراً لالتزام خط الإنتاج الحالي لشركة هيونداي روتم تجاه بولندا، لكن تتحفظ الحكومة الكورية حتى الآن بشأن عمليات نقل الأسلحة المباشرة إلى أوكرانيا.

مارس بعض المشرعين الأمريكيين ضغطاً شديداً لإرسال دبابات إم-1 أبرامز إلى أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يحل عدم رغبة ألمانيا في نقل دبابات ليوبارد 2 -أو السماح لأي طرف آخر بإرسالها، وهو ما حدث بالفعل. لكن منتقدي إرسال الدبابات الأمريكية يشيرون إلى صعوبة الحفاظ على دبابة أبرامز وتعدد استخدامات دبابة ليوبارد. لكن مزيجاً من الاثنين (استخدام دبابات أبرامز كحل مؤقت، واستخدام دبابات ليوبارد كحل طويل الأجل) يمكن أن يكون مناسباً وفعالاً للغاية.

وتسعى بولندا الآن إلى إنشاء تحالف دبابات يطلب من ألمانيا الموافقة على إعادة تصدير ليوبارد 2 إلى أوكرانيا، لكنها سترسلها بغض النظر عن مشاركة دول متعددة. ومع ذلك، فإن مشكلة العمل الجماعي في أوروبا بشأن الدبابات، جنباً إلى جنب مع الحاجة الملحة للحفاظ على الزخم الأوكراني في كفاحها لطرد القوات الروسية، تشير إلى الحاجة إلى نهج جديد.

وقد تختار القوات المسلحة الأوكرانية دبابات ليوبارد 2 في نهاية المطاف لتكون الدبابة التي تستخدمها كحل طويل الأجل، لكنها بحاجة إلى دبابات أبرامز للقتال والفوز بالحرب التي هي فيها الآن، إذ إنها الدبابة الغربية الحديثة الوحيدة التي يمكن نقل المئات منها في شهور.

ما مواصفات الدبابة أبرامز؟

لدى الجيش الأمريكي حوالي 3500 دبابة من طراز إم-1 أبرامز في المخازن، وفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وعلاوة على ذلك، تخلى سلاح مشاة البحرية الأمريكي عن أسطول أبرامز المكون من 450 وحدة كجزء من إعادة توجيهه الاستراتيجي طويل الأجل نحو الصراع في المحيط الهادئ.

ونُقِلَت بالفعل 300 من هذه الدبابات إلى الجيش الأمريكي، ومن المقرر نقل الرصيد المُخزَّن في الخارج وعلى السفن البحرية هذا العام. وهناك طلب إقليمي بالفعل على دبابات أبرامز الأمريكية المستعملة، حيث وافقت وزارة الخارجية على بيع 116 دبابة منها إلى بولندا في ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى جانب 12 من مركبات الاسترداد من طراز إم-88، وثمانية جسور هجومية مشتركة من طراز إم-1110، وعناصر متنوعة أخرى -وهي صفقة توضح القيمة التقريبية التي قد تبدو عليها حزمة دبابات أبرامز الأولية إلى أوكرانيا.

ترى مجلة فورين بوليسي أن هذه الدبابات ستخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة وهي في الخدمة العسكرية الأوكرانية، بدلاً من تراكم الغبار عليها في المستودعات. ويمكن أن تُستخدَم بموجب الانسحاب الرئاسي، وهي سلطة استُخدِمَت 30 مرة حتى الآن لدعم أوكرانيا. ويمكن للولايات المتحدة أيضاً استخدام قانون الإعارة للدفاع عن الديمقراطية الأوكرانية لعام 2022 لإقراض أو تأجير دبابات أبرامز الفائضة (أو حتى تلك في الخدمة الفعلية) لأوكرانيا.

قدرت وزارة الاقتصاد الأوكرانية تدمير 130 ألف بناية منذ بداية الغزو الروسي بما فيها 2400 مدرسة (أ ف ب)

أثبتت دبابات أبرامز نفسها في القتال، بما في ذلك الاشتباكات الرئيسية في عاصفة الصحراء وغزو العراق، حيث هاجمت الدروع العراقية المصممة روسياً والتي غالباً ما تكون مطابقة تقريباً لما تسحبه روسيا الآن من مستودعاتها للحرب في أوكرانيا. ويمكن للأوكرانيين إغراق الفضاء المعلوماتي الروسي بصور الدروع العراقية التي دمرتها دبابات أبرامز بشكل كارثي في عامي 1991 و2003.

صحيح أن دبابات أبرامز، مثل المدرعات الأخرى، تتطلب قدراً كبيراً من الدعم في الميدان، ومع ذلك فقد أُمِدَّت بالعديد من الجيوش الشريكة للولايات المتحدة، بما في ذلك جيوش أستراليا ومصر والعراق والكويت والمغرب والمملكة العربية السعودية، وقد استخدمها العديد منهم في القتال الفعلي. وتُظهر التجربة حتى الآن الكفاءة الأوكرانية في الحفاظ على أسلحة معقدة من جانب الناتو في ظل ظروف قاسية.

علاوة على ذلك، فإن أحد العناصر الرئيسية لدبابات أبرامز -الطاقة التوربينية الغازية- يأتي في شكل عبوات معيارية ويمكن نقلها بواسطة الشاحنات للصيانة والإصلاح في المناطق الخلفية بمساعدة الفنيين الأمريكيين. ومن شأن الاعتماد على المخزونات الكبيرة في الولايات المتحدة أن يسمح للقوات الأوكرانية بالاستفادة من نظام مبادلة حزمة الطاقة لدعم الاستخدام المكثف في ساحة المعركة.

لكن إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا، وبخاصة الدبابات، يمثل خطراً داهماً إذ سيُقابل بمزيد من التهديد بالتصعيد من جانب روسيا، بما في ذلك شبح الحرب النووية، إلا أن هذا الخطر لم يمنع الولايات المتحدة من إرسال الدبابات، في مؤشر واضح على تغير موقف واشنطن بشكل شبه جذري منذ بدأت الحرب وحتى الآن.

ومنذ الصيف، قدم الناتو أكثر من 20 مليار دولار من المعدات العسكرية، بما في ذلك المدفعية، وأكثر من 1.5 مليون طلقة من ذخيرة المدفعية، وأنظمة صواريخ المدفعية عالية الحركة التي ساعدت في قلب مجرى الحرب في أواخر صيف عام 2022.

الخلاصة هنا هي أن الموافقة على إرسال دبابات أبرامز إلى أوكرانيا، حتى وإن كان ذلك سيستغرق شهوراً، يعني أن احتمال تعرض روسيا لخسارة الحرب أصبح وارداً، فهل سيتقبل بوتين هذا السيناريو؟ والحقيقة هنا هي أنه لا أحد في الغرب، ولا حتى بايدن نفسه، يتصور أن روسيا ستقبل الهزيمة دون تنفيذ تهديداتها النووية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي