عاشق وايسال.. عنواناً لعام ثقافي تركي

2023-01-10

أحمد زكريا

مع التعميم الذي نشرته الجريدة الرسمية في تركيا قبل أيام، باعتبار 2023 "عام عاشق وايسال" (1894 - 1973)، أحد أهم ممثّلي الغناء الشعبي التركي، الذي تحلُّ الذكرى الخمسون على رحيله هذا العام، جرى الإعلان عن فعاليات واسعة النطاق في جميع المدن التركية، لتعريف الأجيال الجديدة به، واستخدام الصور والشعارات والوثائق المتعلّقة به في الشوارع والمؤسسات والمواصلات العامة.

ومن المعروف أنّ عاشق وايسال Âşık Veysel المولود في مدينة سيواس التركية هو امتداد للشعراء المُغنِّين الذين عُرفوا في آسيا الوسطى باسم "أوزان"، الذين كانوا يترنَّمون بحكايات "داده قورت"، وهي ملحمة شعبية تعبِّر عن عادات وقيم قبائل الأوغوز. استمرّ تقليد غناء الشعر الشعبي عند الأتراك في الأناضول، وصار يُعرف الشعراء والمغنُّون الشعبيون بالـ"عُشَّاق". يقوم العاشق بغناء الـ"توركو"، وهو شكل غنائي شعبي عرفه الأتراك قديماً، له ألحان وأوزان عروضية خاصة، وارتبط هذا النوع من الغناء ببعض الآلات الموسيقية مثل آلة الساز الوترية.

عُرف عاشق وايسال في قريته والقرى المجاورة له منذ أن كان في العاشرة من عمره، وقد تفرَّغ للعزف على الساز وتلقّي الأغاني من العُشَّاق السابقين، بعد أن أُصيب بداء الجدري في عينه اليسرى وهو في سنِّ السابعة، ثم فقد عينه اليمنى بعد ذلك في حادثة بالقرية. إلّا أن شهرته الحقيقية قد بدأت مع الشاعر أحمد قُدسي تَجَر (1901 - 1967) الذي عُرف بدراساته وأعماله في مجال الثقافة الشعبية. ولد تَجَر في القدس، ولذلك أُطلق عليه قُدسي، حيث كان والده مديراً لـ"مديرية الديون العامة" في القدس، ثم عاد مع عائلته إلى إسطنبول، وبعد إنهاء المرحلة الثانوية سافر إلى فرنسا للدراسة في جامعة السوربون، وبدأ اهتمامه بالأدب الشعبي التركي، رغم تخصّصه في علم الأحياء.

بعد عودة قُدسي إلى تركيا، بدأ بكتابة المقالات في مجلة "الفولكلور" حول الثقافة الشعبية التركية، وقام بتنظيم أول مهرجان للشعراء الشعبيين أو العُشَّاق عام 1931، وتعرَّف خلاله على عاشق وايسال. سعى قُدسي إلى العمل على اعتراف المؤسسات الرسمية بالموسيقى الشعبية وإذاعتها في الراديو، كما أنشأ جمعية للشعراء الشعبيّين. وكان "مهرجان العُشَّاق الأول" هو الانطلاقة الحقيقية لعاشق وايسال، الذي بدأ بالغناء في أغلب المدن التركية، واشتهر بغناء أشعاره حول الطبيعة وقيم الحبّ والتسامح والصداقة. بالإضافة إلى تدريسه للساز في "معهد الموسيقى بسيواس".

في الذكرى العاشرة للجمهورية التركية عام 1933، قام عاشق وايسال بغناء ملحمة شهيرة أمام أتاتورك، وأصبح من أبرز الشعراء الشعبيّين في تركيا، وتنوَّعت قصائده لتشمل التغيّرات الاجتماعية في تركيا وموضوعات أُخرى مثل الدين والسياسة. ولعلَّ أبرز ما يميّز تجربة وايسال هو جمعه بين الثقافة الشعبية التركية وشعر التصوُّف الذي تأثّر كثيراً بشعرائه، وعلى رأسهم الشاعر والمتصوّف التركي الشهير يونس إمرة.

جُمعت أشعار عاشق وايسال للمرّة الأولى في كتاب بعنوان "أقاويل" صدر عام 1944، ثم نُشر له عملٌ آخر بعنوان "أصوات من سازي" عام 1950، وكان العمل الشعري الأخير الذي يُنشر له قبل وفاته بعنوان "ليتذكَّرني الأصدقاء" عام 1970. رحل وايسال بعد ذلك بثلاث سنوات بعد إصابته بسرطان الرئة، ودُفن في نفس مكان ولادته بمدينة سيواس، وتم تحويل منزله إلى مُتحف يجمع كلّ مقتنياته.

جدير بالذكر أن عاشق وايسال قد افتتح قبل وفاته بعام واحد جمعية موسيقية باسمه، بهدف الحفاظ على تقليد الشاعر الشعبي/ العاشق. وما زالت الجمعية تُقدِّم العديد من الأنشطة الموسيقية حتى الآن.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي