
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه إن الحكومة الإيرانية تعتمد على الموالين لها كجاحز ضد الاحتجاجات، وتقوم بتقوية المدافعين عن حالة الأمر الواقع مثل الباسيج من خلال الأسلحة وتوفير الوظائف لهم.
وفي تقرير أعده بينوا فوكون، قال إن الجيش الإيراني بث صورا لمحمد زاره مؤيدي، أحد عناصر الحرس الثوري الذي قُتل الشهر الماضي بمواجهات مع المتظاهرين، ظهر فيها رجل معمم ممسكا بيد مؤيدي الخشنة من عمله سنوات في الزراعة. وصرخ رجل الدين قائلا: “أظهروا راحة أيديكم يا من تزعمون أنكم تريدون تحرير الناس، هل أيديكم مثقبة مثل المسامير أيضا”.
وكان مؤيدي واحدا من أهم المتحمسين للجمهورية الإسلامية الذين تعول الحكومة في طهران عليهم لوقف الاحتجاجات المستمرة منذ ثلاثة أشهر. فمن الحرس الثوري إلى الميليشيات الأقل رسمية، قام المؤيدون هؤلاء بمواجهة المتظاهرين في الشوارع، ودافعوا عن قيم الجمهورية الإسلامية وماتوا أحيانا من أجلها.
وبحسب استطلاع أجرته مجموعة الاستطلاعات “أنلايزينغ أند ميجرنغ أتيديودز” في إيران، وهي منظمة غير ربحية مقرها في هولندا، فهناك واحد من كل خمسة إيرانيين عبروا عن رضاهم عن النظام الحالي. وتقوم الحكومة أحيانا بتقوية هذه الأقلية، ومعظمها من أرضيات اقتصادية واجتماعية متواضعة محافظة، بالمحفزات مثل الوظائف والأسلحة بشكل يجعلها قوة تدعم الوضع الراهن في البلاد.
ونقلت الصحيفة عن سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الدولي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” في لندن: “هناك بنية خفيفة لكنها قوية موالية وبعمق” وبدونها “لكان النظام قد تشرذم”، مضيفة أن “المدافعين (عن النظام) حتى الموت لا مكان لهم للهروب إليه” و”لهذا يبدو النظام واثقا ومسيطرا” على الوضع.
وتشير الصحيفة إلى أن ولاء هذه الأقلية أصبح محل امتحان في ظل مواجهة الجمهورية أكبر تحد لها منذ أكثر من عقد. وقُتل على الأقل 62 من الموالين للحكومة في الاحتجاجات، إلى جانب 502 محتجا حسب وكالة ناشطي حقوق الإنسان التي توثق الانتهاكات في إيران.
وبدأت الاحتجاجات في أيلول/ سبتمبر، عندما توفيت الشابة مهسا أميني وهي محتجزة لدى شرطة الأخلاق، التي اتهمتها بخرق قوانين ارتداء الحجاب، ثم تطورت إلى دعوات للإطاحة بآية الله خامنئي والنظام الإسلامي الحاكم. وفأجا استمرارها المراقبين من الخارج، مع أن تقييمات الدول في الشرق الأوسط والدول الغربية ترى أنها لا تمثل تهديدا وجوديا على النظام بدرجة تقود للإطاحة به.
ولعل أهم ميليشيا ظاهرة وتلعب دورا في قمع المتظاهرين، هي الباسيج، وهي قوة من المتطوعين مكونة من 700 ألف عنصر، وتم تشكيلها كجماعة شبابية في عام 1979 وأصبحت منذ ذلك الوقت مؤسسة تسربت إلى كل مفاصل المجتمع الإيراني. والباسيج هي الخط القوي للدفاع عن الجمهورية الإسلامية ونظامها السياسي، وعلى رأسها آية الله خامنئي كمرشدها الذي لا يُنازع. ويدعم شباب الباسيج الحفاظ على غطاء الرأس والتحركات العسكرية الإيرانية في المنطقة، ضد أي عمليات تطبيع مع الولايات المتحدة أو إسرائيل.
وهناك الحرس الثوري بعناصره الـ210 آلاف، والمكرس للدفاع عن الحكومة والبلاد ضد الهجمات الأجنبية، ويدعم الجماعات الوكيلة لإيران في الخارج مثل حزب الله اللبناني.
ويقول سعيد غولكار، الخبير في القوى الأمنية الإيرانية، والذي يدرّس بجامعة تينيسي الأمريكية، إن إيران تهيئ الشباب من أبناء العائلات المحافظة لكي ينضموا إلى الباسيج وتدرسهم المبادئ الدينية وكراهية الغرب في المعسكرات المخصصة للأطفال والنوادي. ويمنح الموالون للنظام أولوية للدراسة في أحسن الجامعات الإيرانية، مما يجعلهم جاهزين للعمل في المواقع البارزة في الحكومة والشركات التي تدفع لهم رواتب مغرية، وتسيطر عليها الفصائل المتشددة في النظام.
وتمثل جماعات الباسيج قوات الصدمة التي أرسلتها الحكومة لاحتواء المتظاهرين في العاصمة طهران ومدينة شيراز في الجنوب، وكذا منطقة سيستان- بلوشستان، والمناطق الكردية التي اتخذ فيها العنف طابعا عسكريا، حسب الإعلام الرسمي. ويلعب عناصر الباسيج دورا في حماية مراكز الحكومة، مع تراجع دور شرطة الأخلاق إلى الخلف بعد وفاة أميني. وأصبحوا يلعبون دورا في فرض القوانين بشأن الزي في الأماكن العامة والسلوك وأحيانا بطريقة عنيفة. وظهر عناصر الباسيج في المناوشات التي حدثت داخل حرم بعض الجامعات الإيرانية.
وفي أثناء احتجاجات نظمها طلاب جامعة شريف للتكنولوجيا بطهران، التي تدرس فيها النخبة، كان زعيم طلاب الباسيج محمد رضا ضيائي، مسؤولا عن الحملة ضد الطلاب الذين تظاهروا مطالبين بتغيير النظام الإسلامي. وناقش ضيائي و50 من رجاله الكيفية التي يجب أن يُعاقب فيها الطلاب الذي دعوا لرحيل مرشد الجمهورية.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” ما قاله ضيائي في فيديو بثه في تشرين الأول/ أكتوبر: “لو رفعوا شعارات ضد خامنئي فسنقف ضدهم”. وداهم رجال شرطة بالزي المدني حاملين الهروات والبنادق الجامعة بعد ذلك.
وانتقدت منظمات حقوق الإنسان، الباسيج والحرس الثوري لاستخدامهما العنف والرصاص الحي ضد المتظاهرين. وقالت إنها وثقت استخدام الذخيرة الحية والخرطوش والرصاص المعدني والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. وفرضت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات على قادة الباسيج لاستخدامهم العنف ضد المحتجين.
وفي الوقت الذي عبّر فيه الممثلون والحرفيون عن دعمهم لحركة الشارع، خص آية الله خامنئي الباسيج بالذكر، وقدمهم كنموذج للدفاع عن الأمة، وذكر أن عددا منهم قُتل وهم يكافحون ما أسماه الشغب، وقال: “لقد ضحوا بحياتهم من أجل حماية الناس من المشاغبين”. واستهدف المحتجون الباسيج وحرقوا مكاتبهم وواجهوهم في الشوارع. ومعظم أحكام الإعدام الصادرة ضد المحتجين، جاءت بتهم قتل عناصر من الباسيج، ومن بينهم مجيد رضا رانفارد، الذي أُدين بتهمة قتل عنصريْ باسيج، وأعدم في بداية كانون الأول/ديسمبر.
وينتقل معظم عناصر الباسيج لأدوار رسمية في الحرس الثوري، وهو المسار الذي اتبعه مؤيدي، الذي نشأ في مزرعة في قرية قرب مدينة شيراز، وانضم للباسيج، وأصبح إماما، ثم انضم لفيلق القدس التابع للحرس الثوري. وشارك مؤيدي قوات فيلق القدس للدفاع عن حكومة بشار الأسد، ونجا من المواجهات ضد تنظيم الدولة حسب إعلام الحكومة الرسمي. وكان من المقرر عودته إلى سوريا كقناص في كانون الأول/ ديسمبر بعد نهاية مهمته في مواجهة المتظاهرين الإيرانيين، وذلك وفق ما قالته عمته لوكالة أنباء فارس.
وفي تظاهرة بمدينة شيراز، تلقى مؤيدي ضربة على الرأس من قنبلة مولوتوف في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، ومات لاحقا متأثرا بجراحه وأخبر شقيقه عبد الرحيم وكالة أنباء الجيش “دفاع” أن شقيقه “كان مستعدا للتضحية بحياته”، و”تحققت رغبته في النهاية”.