نيويورك تايمز: بوتين فشل في تحويل أوكرانيا لدولة تابعة ولكنه نجح في جمهورية أفريقيا الوسطى

2022-12-26

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ا ف ب)

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا مطولا أعده روجر كوهين، قال فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجد الولاء في دول أفريقيا وهو يشن حربه في أوكرانيا، وأضاف أن مرتزقته من مجموعة فاغنر، استطاعوا السيطرة على جمهورية أفريقيا الوسطى بدون ردة فعل من الدول الغربية. وقال إن دبلوماسيا روسيا رفيعا، زار بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى، في آذار/ مارس، أي بعد ثلاثة أسابيع من غزو أوكرانيا، وكانت زيارة غير عادية، حيث طلب من المحكمة العليا الإبقاء على الرئيس الموالي لموسكو في السلطة لأجل غير محدد. وهذا يعني إلغاء الفترة المحددة بولايتين في الحكم حسب دستور البلاد. وأصر على أن الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، المنتخب لولاية ثانية، ويحيط نفسه بمجموعة من مرتزقة فاغنر، يجب أن يبقى في منصبه.

 وقالت دانيال دارلان (70 عاما) ورئيسة المحكمة في حينه: “لقد شعرت بالدهشة المطلقة”، وأضافت متذكرة لقاء 7 آذار/مارس: “حذرتهم من عدم الاستقرار النابع من محاولة رؤساء البقاء في السلطة للأبد”.

 وبعد سبعة أشهر، أطيح بدارلان من منصبها بمرسوم رئاسي عبّد الطريق أمام استفتاء على عملية تعديل الدستور بشكل يسمح للرئيس تجاوز فترتيه الرئاستين، وهو ما أكد وضعية جمهورية أفريقيا الوسطى كدولة تابعة للكرملين.

ويقول كوهين إن غزو بوتين لأوكرانيا أطلق العنان للفوضى في العالم، بشكل دفع أوكرانيا لتصوير الكفاح ضد روسيا بأنه مقاومة ضد التحول لجمهورية تابعة لروسيا، وهو أمر لقي صداه في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن انتصار بوتين في الدولة الأفريقية كان واضحا وبدون ردة فعل غربية. وأصبح مرتزقة فاغنر الذين يقاتلون اليوم في أوكرانيا، المجموعة التي تتحكم بجمهورية أفريقيا الوسطى، البلد الغني بالذهب والماس والمعادن الأخرى. وهم يتصرفون بدون خوف عندما يتحركون بعرباتهم المفتوحة ولثامهم الذي يغطي نصف الوجه وأسلحتهم الأتوماتيكية. والمصالح المعدنية والخشب التي تسيطر عليها روسيا، هي السبب الذي يجعلها بحاجة إلى حكومة مطيعة ولا تمثل لها تهديدا.

وقال كوهين الذي تجول في جمهورية أفريقيا الوسطى لمدة أسبوعين ونصف، إنه شاهد مرتزقة فاغنر من العاصمة بانغي ومدن أخرى، حيث كان المرتزقة هناك رغم الضغوط عليهم للمناوبة في أوكرانيا.

وحذر وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، أثناء قمة زعماء الدول الأفارقة في واشنطن الأسبوع الماضي عن فاغنر، وقال: “إنهم يهددون الاستقرار ويقوضون الحكم ويسرقون الثروات المعدنية للبلاد وينتهكون حقوق الإنسان”. ورغم هذا، يتم الترحيب بالمرتزقة الروس في هذا البلد الذي مزقته الحرب منذ عام 2014، أكثر من 14.500 جندي لقوات حفظ السلام في الأمم المتحدة.

وكما في أماكن الأخرى حول العالم، يبدو أن الغرب قد خسر عقول وقلوب السكان في أفريقيا الوسطى، فالإطار الذي يقترحه الرئيس جو بايدن حول النزاع العالمي بين الديمقراطية والاستبداد، لم يجد صداه في القارة الأفريقية. على العكس، فحرب أوكرانيا وربما بسببها، يبدو سكان القارة متشككين من “القيم” الغربية.

وأدى غزو بوتين لأوكرانيا لزيادة الأوضاع سوءا في أفريقيا الوسطى التي لا ليس لها حدود على البحر، فقد زادت أسعار زيت الطبخ بنسبة 50% أو أكثر. ويتم بيع الكاز في عبوات مهربة أو قناني، لأن محطات الوقود لا يوجد لديها شيء. وينتشر الجوع في البلاد، نظرا لأن الأمم المتحدة ليس لديها الوقود الكافي لنقله إلى المناطق المنكوبة. ولكن لا أحد في جمهورية أفريقيا الوسطى يحمّل اللوم لروسيا.

ويقول كوهين إن معظم الذين قابلهم في أنحاء البلاد، يميلون لدعم بوتين والسبب هو النفاق الغربي وعدم اهتمام قادة الدول الغربية بالحروب الطاحنة في أفريقيا قدر اهتمامهم بالحرب في أوكرانيا. وفي الوقت الذي استنكر الغرب الوحشية جراء المجازر التي ارتكبت في بوتشا وماريبول، إلا أن الوحشية الروسية في أفريقيا ساعدت في تهدئة النزاع الذي مضى عليه عقد تقريبا.

ويقول الكاتب إن أفريقيا بحلول عام 2050 ستمثل ربع سكان الكرة الأرضية، وتمارس فيها الصين تأثيرا من خلال الاستثمارات والقروض. وعقد بايدن مؤتمرا للّحاق بالركب و”البناء على القيم المشتركة” وتعهد باستثمار 15 مليار دولار في صفقة تجارية جديدة. وبالمقارنة، لم يبن بوتين أي شيء، فهو سيّد خدمات الحماية والنهب والدعاية، وكسب الولاء من خلال القوة العسكرية التي امتدت في عدة دول بالقارة الأفريقية بما فيها مالي والسودان. وكما هو الحال في سوريا، فقد عبّرت موسكو عن استعدادها لاستخدام القوة العسكرية وتقرير مسار الحرب الذي تريده.

وفي بداية آذار/ مارس، صوتت 28 من أصل 54 دولة أفريقية لشجب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي نفس الدول التي صوتت لشجب ضم الروس أربع مناطق  أوكرانية، مما يقترح ترددا في قبول السرد الأمريكي في أفريقيا بشأن الحرب. ويقول أكبر مسؤول حكومي في بريا، التي تبعد 280 ميلا عن العاصمة بانغي، هونور بيندو: “عندما يحترق بيتك فأنت لا تهتم بلون الماء المستخدم لإطفائه”، مضيفا: “يوجد هدوء هنا والفضل للروس، نعم عنيفون لكنهم فعالون”. ويعني بالفعالية، تدمير وتشريد المتمردين الذين نشروا عدم الاستقرار في البلاد في حروب متقطعة، قتل فيها الآلاف منذ عام 2012.

وعندما انتخب تواديرا عام 2016 كان يسيطر على 20% من البلاد. وبدأ بالبحث عن مساعدة الروس نظرا لعدم ثقته بجنرالاته أو القوات الفرنسية المنتتشرة في البلاد التي شك في قدراتها. وفي ذلك العام، أقرت الأمم المتحدة عرضا من الكرملين لإرسال مدربين عسكريين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. وتطور المدربون إلى مرتزقة فاغنر. ووجد تقرير للأمم المتحدة أدلة على “عنف مفرط وقتل بدون تمييز واحتلال مدارس ونهب على قاعدة واسعة”.

وتحولت فاغنر اليوم إلى حرس جمهوري لتواديرا، الذي يحصل على حماية من القوات الراوندية، مقابل رخصة بدون ضريبة لاستغلال وتصدير الماس والذهب والخشب من الغابات ومن مناجم المعادن الروسية وسط البلاد. وقال باسكال بيدا كوياغبيل، المقرب من تواديرا ووزير الاستثمار الإستراتيجي: “اليوم لدينا 5.000 روسي في البلد” و”يعود الفضل لهم في استعادتنا نسبة 97% من أراضينا”، مع أن بعض الوزراء قالوا إن النسبة هي 80%.

وعندما سأل كوهين، كوياغبيل عن الانتهاكات أجاب: “في الحرب، كما في العراق، تحدث أمور”. ويصف كوهين جمهورية أفريقيا الوسطى بأنها أكبر من أوكرانيا، ولكنها واحدة من أفقر دول العالم، وعانت من حرب طائفية.

وشاهد الكاتب ملصقات لفيم “غرانيت” الذي أنتجته فاغنر ويصور بطولات  الميليشيات الروسية دفاعا عن تواديرا. وفي العاصمة إلى جانب نهر أوباغني، أقام الروس مركزا ثقافيا يقدم الألعاب للأطفال ودورسا بالروسية للكبار، ويقع ما بين السفارة الروسية والفرنسية، ويرمز للتنافس بين الدولة المستعمرة السابقة وروسيا. وفي إشارة عن الكراهية بين البلدين، اتهم يفغيني بريغوجين، المقرب من بوتين والمدير لفاغنر، فرنسا بإرسال طرد متفجر أصاب ديمتري ستيتف الذي يقول المسؤولون الغربيون إنه مسؤول عن عمليات شحن الماس من جمهورية وسط أفريقيا، وهي تهم رفضتها فرنسا.

وتلعب الدعاية الروسية المعادية للغرب، دورا في تشكيل الرأي العام، ومعظمها ينشر من خلال إذاعة لينغو سونغو. ورفض صحافي السماح لكوهين بزيارة مجمع الإذاعة بدون إذن روسي. وقال زميل آخر له: “نحن جيل جديد، ذهبت روح الهيمنة والحرب الباردة. الروس هم شركاؤنا اليوم”. وأشار كاتب إلى تصرفات المرتزقة الروس في مطعم ضد حارس رفض منح الشراب لهم: “لقد ضربوه في جهازه التناسلي ومسحوا أيديهم بالعلم الأمريكي… اتصلت مع السفارة الروسية والشرطة دون رد”، كما قال صاحب المطعم. وأضاف أن الروس يتعاملون مع الأفارقة مثل العشب الميت.

ولم يحصل كوهين على رد لمقابلة الرئيس. وفي رد على أسئلة حول العنف والأهداف السياسية لفاغنر قال بريغوجين: “كل أسئلتك استفزازية… لو كنت مستعدا لتقديم  ضمانات قانونية رسمية لنشر أجوبتي، فعندها أنا مستعد  للتعليق”.

وقال الكاتب إن جمهورية أفريقيا الوسطى تعاني منذ استقلالها عن الفرنسيين في عام 1960 من انقلابات مستمرة وتمردات. وفي الماضي، كان النزاع على السلطة، ولكنه تطور منذ عام 2012 إلى حروب متعددة بين المسلمين والمسيحيين والحكومة والمتمردين، وحروب بالوكالة تدعمها دول الجوار، والتنافس على مصادر البلاد الطبيعية.

ومن بين 6.1 مليون نسمة، يعيش 700 ألف مهجر في دول الجوار، و 430 ألف نازح داخل البلاد، و4.3 مليون نسمة بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. وترك الجوع وفقر التغذية والخوف ونقص المياه الصحية، آثاره على الوجنات الغائرة والعيون المحمرة. والمعاناة محفورة في كل البلاد حيث تعيش نسبة 70% من السكان على أقل من 1.90 دولار في اليوم.

والتقى الكاتب مع لاجئة في مدينة بريا، وقالت ضاحكة إن قوات  حفظ السلام تقوم بدوريات وتلتقط صورا عندما يقتل أحد، أما الروس فيقتلون “لقد جلبوا لنا نوعا من السلام”. وقال مدير برنامج الغذاء العالمي في بانغي، بيتر شولر، إنهم طلبوا تعاونا من الروس فرفضوا، وقالوا إنهم لا يتواصلون إلا مع الرئيس. مضيفا أنهم أحيانا يشوّشون موجات الإذاعة في المناطق التي يعمل فيها البرنامج. وقال إن المرتزقة الروس يسرقون البنزين من المطار.

وقال جين سيرجي بوكاسا، وزير الداخلية السابق والذي رحب بالروس قبل أن يصاب بالخيبة: “نحن مستعمرة روسية اليوم”، وهو نجل جان بيدل بوكاسا، الذي حكم البلاد 14 عاما منها عامان كإمبراطور. والروس يسيطرون على كل شيء كما يقول عبد العزيز سالي، الاقتصادي المتخصص بالتعدين، مضيفا أن فاغنر أنشأت شركات لاستغلال مناجم الماس والذهب والخشب و “هم متغطرسون وعدوانيون وعندما يأتون للقاء لا يجلسون”. وأشار كوهين إلى انسحاب القوات الفرنسية من جمهورية أفريقيا الوسطى، وهناك مخاوف من منح الحكومة فاغنر السيطرة على المطار الدولي.

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي