هآرتس: اتفاقات إبراهيم في خدمة بن غفير

2022-12-05

لو كان عندنا يسار سليم لأمكن توقع موجة احتجاج ضد الاتفاقات مع الأنظمة الظلامية (أ ف ب) 

قلنا الكثير بأن ما يسمى “اتفاقات إبراهيم” هو ضربة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن الذين يسمون عقلانيين سخروا من ذلك. كان صعباً عليهم فهم لماذا نعارض هذه الاتفاقات. العيون انبهرت، دول الخليج كانت تشبه المغناطيس الذي جذب إليه جميع الإسرائيليين تقريباً، الذين يحبون السلام والذين يحبون الحرب، الذين يحبون الفلسطينيين والذين يكرهونهم أيضاً. معسكر “فقط ليس بيبي” خرج عن أطواره كي يبارك الاتفاقات التي وقع عليها “معسكر بيبي”. لكن وفي ذروة الاحتفال، تجمع الفلسطينيون في أحد الأحياء أو في أحد مخيمات اللاجئين ثم بكوا على إخوتهم العرب الذي تخلوا عنهم أمام الجندي الإسرائيلي الذي كان يأمرهم “أحضر الهوية” أو “اذهب إلى البيت”.

لست نبياً، لكن لي عينين لا أستخدمها للزينة فقط. رأيت أن الأمر يتعلق بمادة مشبوهة، وانتقدت هذه الاتفاقات بشدة، وانتقدت أولئك الذين اعتبروها أفقاً للسلام مع الفلسطينيين. نبتت داخل هذه الاتفاقات صفقات سلاح بعشرات مليارات الدولارات. اتفاقات إبراهيم قلبت المعادلة التي آمن بها العالم رأساً على عقب: أولاً السلام، ثم التطبيع. كانت الأطروحة: التطبيع أولاً، وبعد ذلك السلام. سأدفع لك أولاً ثم تحضر البضاعة. الشخص الذي يعرض هكذا بضاعة سيصفه التجار بالغباء.

لكن الأذن صمّت إزاء شروحات الفلسطينيين، وظهر شعار “الفلسطينيون لا يفوتون فرصة لإضاعة الفرص”. هذا الأمر يشبه ما حدث بعد اتفاق السلام مع مصر. ففي حينه، قلنا بأن الأمر يتعلق باتفاق مشبوه لأنه يبقي المشكلة الرئيسية تنزف على جانبي الشارع. ورداً على ذلك، طردونا من ميدان المدينة. لم تمر بضعة أشهر حتى شنت إسرائيل حرب لبنان الأولى. كان سلاماً غريباً، سلاماً ولد الحرب وانهار من الدماء. السيناريو يكرر نفسه أيضاً في “السلام” الحالي. فمنذ التطبيع الملعون مع دول الخليج، أصبحت يد إسرائيل خفيفة جداً على الزناد. ازداد القمع، وارتفعت خطط التطهير العرقي في مناطق “ج” عدة درجات. في غضون ذلك، بدأ اليمين الاستيطاني في حملة إقناع، وتساءل أمام الإسرائيليين وقال: ما الذي تحتجون عليه؟ ها هو العالم العربي يقيم علاقات حتى أمنية معنا، وبرنامج بيغاسوس الإسرائيلي يعمل ساعات إضافية هناك لتعقب منظمات حقوق الإنسان. نفهم العرب الذين لا يفهمون إلا لغة القوة.

لقد كان صعباً علينا، نحن اليسار الحقيقي، التصرف في مثل هذا المناخ. عرضونا كبقايا ديناصورات أيديولوجية. وشعارنا “الشعب الذي يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً” أثار موجة من الضحك. ولكن الكذب، حتى لو طال وقته، سيكشف في النهاية. لذلك، عليكم التعلم من الآن: عودة بشارات كان محقاً. الآن الإسرائيلي يرتجف من خطط ايتمار بن غفير التي تزرع الظلام في المجتمع اليهودي، في حين أنه بات نجماً صاعداً في ساحة الإمارات المحببة على من يحبون السلام.

لو كان عندنا يسار سليم لأمكن توقع موجة احتجاج ضد الاتفاقات مع الأنظمة الظلامية. هم هنا لا يتجاهلون هذه القذارة، بل ويحتفلون معها أيضاً. “الطيور على أشكالها تقع”، كما يقول المثل العربي. ستكون هناك أخوّة تربط بين الديكتاتوريين والمحتلين.

إضافة إلى ذلك، حاولنا بيان أن هذه الاتفاقات تعزز الاحتلال، وبعد ذلك سيضر الاحتلال بحياة الواقعين تحته. رفضونا. الآن يجدر بالجميع الاقتناع. وإذا لم يقتنعوا فستأتي الأيام التي يسير فيها الرجال الطاهرون على جانب من جوانب الشارع وتسير النساء المتدينات على الجانب الآخر.

الآن يشرحون لنا في الإمارات بأن الاستقبال الذي أعدوه لبن غفير ما هو إلا محاولة للتأثير على “خطوات حكومة نتنياهو القادمة” (تسفي برئيل، “هآرتس”، 4/12). يكفي التنكيل بالقراء، الوضع أصبح خانقاً هنا.

هآرتس 5/12/2022

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي