"الليلة واللي فيها".. دراما تكسر التوقعات وتتخطى الحدود

الشرق - الأمة برس
2022-10-09

الملصق الدعائي لمسلسل "الليلة واللي فيها" (المكتب الإعلامي لمنصة شاهد)

أثار مسلسل "الليلة واللي فيها"، الذي عُرض على منصة "شاهد" على مدار الأسابيع الماضية، ردود فعل متباينة تتراوح من الإعجاب إلى الانزعاج، وفي الحالتين كانت الدهشة من جرأة العمل وقدرته على كسر العادي والمألوف في الدراما العربية. 

هذه الجرأة لا تقتصر على وجود مشهد أو اثنين في الحلقة الثانية من العمل اعتبرهما البعض "فاضحين"، ولكن الجرأة الحقيقية في "الليلة واللي فيها" تظهر في عناصر فنية أخرى على رأسها السيناريو واختيار الممثلين وأسلوب التمثيل. 

يحوّل كاتب السيناريو محمد رجاء، بذرة فكرة تقليدية طالما لعبت عليها الميلودراما المصرية حول الزوجة التي تتعرض للابتزاز من قبل ماضٍ مجهول رأساً على عقب، تتحول بموجبه الزوجة التي كانت تبدو ضحية إلى خائنة وقاتلة بدم بارد، ويمتد هذا المفهوم للواقع المعقد، غير النمطي إلى سائر عناصر السيناريو.

ويفهم هاني خليفة، مخرج العمل، أن مثل هذا الالتباس وقلب المألوف يحتاج إلى ممثلين وأداء تمثيلي من نوع خاص فيعهد بالبطولة لممثلة، هي زينة، التي لطالما اختلف الجمهور بشأنها، تحمل في ملامحها وصوتها وطريقة أدائها مشاعر مركبة ومتناقضة تثير التعاطف والاستفزاز معاً، يمكن أن تكون ضعيفة وخاضعة في لحظة، وشريرة قاسية في لحظة أخرى.

منذ فيلمه الأول "سهر الليالي" 2003، الذي شارك في بطولته عدد كبير من نجوم السينما، وأحدث دوياً بجرأته، يتميز هاني خليفة بقدرته على اختيار الممثلين وتوجيههم، وفي "الليلة واللي فيها" تتجلى هذه القدرة في ممثليه، بالإضافة إلى زينة.

قدرة المخرج برزت في توظيفه لمغن راب من مشاهير الجيل الحالي اسمه "أبيوسف" وهو اسم يحمل تلاعباً بالألفاظ يعبر عن المغني والجيل الذي يسمعه، حيث يربط اسم "يوسف"، وهو اسم طيب ومقدس، بكلمة "أبيوسف" الإنجليزية التي تعني مغتصب أو متحرش، ومن الغريب والمدهش أن الصفتين تنطبقان تماماً على الشخصية التي يؤديها أبيوسف في مسلسل "الليلة واللي فيها".

الاختيار الثاني الملهم للممثلين، هو الاستعانة بالنجمة شبه المعتزلة سماح أنور للعب شخصية حماة قوية الشخصية متحكمة، تحمل أيضاً خليطاً عجيباً من القسوة والضعف، وتلعب سماح أنور الشخصية ببراعة وطبيعية ويبدو أن مسيرتها الفنية ستشهد نقلة ومحطة جديدة بعد هذا الدور.

ويمتد اختيار الممثلين الجيد إلى بقية الأسماء: يبرز علاء مرسي في شخصية سائق فقير يجمع أيضاً بين الضعف والقدرة على الأذى، كما تبرز الوجه الجديد آلاء سنان في شخصية زوجة الأخ المستضعفة التي تتعرض للخيانة والتعنيف، لكنها تحمل أيضاً قدراً كبيراً من الرغبات الممنوعة والقدرة على الشر.

وبشكل عكسي يمتد هذا الرسم المركب للشخصيات إلى الأخوين الزوجين، اللذان يبدوان كرجلين شرقيين تقليديين، مسيطرين ومستبدين في بيت الزوجية ومتعددي العلاقات خارج البيت، لكنهما في الحقيقة ضحيتين للأم المتحكمة ومغفلين كبيرين من قبل زوجتيهما.

مسلسل سينمائي

يتكون "الليلة واللي فيها" من 6 حلقات فقط، وبناءه أقرب لفيلم من مسلسل، حيث تدور معظم أحداثه خلال ليلة واحدة، باستثناء بعض مشاهد "الفلاش باك" ومشهد النهاية "الفلاش فورورد" (المستقبلي).

وتتناول حبكة العمل حدثاً واحداً، ويركز على شخصية رئيسية هي الزوجة رشا (زينة) وعلاقتها بباقي الشخصيات، ويبدو أنه كان فكرة فيلم تم تحويلها لمسلسل بسبب الظروف المتعثرة حالياً لصناعة السينما في مقابل الازدهار الملحوظ لعالم الدراما التلفزيونية.

وهذا النوع من المسلسلات القصيرة مكثفة الأحداث نادر في الدراما العربية بسبب ظروف التوزيع والعرض عبر الفضائيات، ولكن المنصات الحديثة، ومنها "شاهد" المنتجة والعارضة لهذا العمل، فتحت أفاقاً جديدة أمام الدراما لتقديم قوالب وأشكال مختلفة.

من ناحية ثانية، فإن القالب الدرامي الذي تقدم من خلاله فكرة ومضمون "الليلة واللي فيها" ليس مجرد وعاء. فنفس هذه الفكرة وذات المضمون لم يكن ليحدثا هذا التأثير نفسه إذا قدما في فيلم سينمائي.

 ورغم أن هذه الفكرة تبدو غريبة، لكن الواقع يؤكد أن المتلقي يتأثر بالوسيط والقالب أكثر من المضمون، فما يقدم في كتاب قد لا يقبله المتلقي ولا الرقابة في السينما، وما يقدم في السينما قد لا يتقبله المتلقي في مسلسل، وهذه الحدود التي كانت "منيعة" بين السينما والتلفزيون بدأت في الذوبان مع صعود المنصات التي أصبحت وسيطاً فريداً بينهما.

وتطبيقاً على "الليلة واللي فيها" يتبين هذا جيداً، إذ يبدو موضوع وشكل العمل هجيناً غير مألوف بالنسبة للمشاهد العربي من الدراما التلفزيونية والسينما، ليس فقط على مستوى القالب "6 حلقات في حوالي 4 ساعات"، ولكن أيضاً في العناصر الفنية المختلفة، مثل وحدة الحدث، والشخصيات، والاختزال والإيقاع السريع، وكذلك في الموضوع والأفكار التي يطرحها العمل.

نهاية غامضة

من ناحية ثالثة، تتبين صعوبات هذا الدمج بين الدراما التلفزيونية والسينما في نهاية "الليلة واللي فيها" التي أثارت الجدل الأكبر بين المشاهدين، فبعد أن قامت الزوجة "رشا" بقتل عشيقيها على مرأى ومسمع من "مي" (زوجة شقيق زوجها)، ينقطع التدفق الزمني فجأة لنرى على الشاشة عبارة "بعد مرور عام"، وفي عجالة سريعة نعلم أن زوج  "مي" مات، ثم نرى "مي" مع زوج "رشا" يهمان بفعل الخيانة على مرأى ومسمع من رشا.

نهاية غير تقليدية وغامضة، أثارت ردود فعل متباينة، ولكن تحليل هذه النهاية فنياً، يُبين أن هناك أشياء غير منطقية، فهل قامت "مي" بقتل زوجها مثلاً؟، أم أنها كانت تتوقع موته ولذلك انتظرت عاماً كاملاً حتى تتاح لها الفرصة؟، في حين أنها كانت تستطيع أن تتخلص من رشا على الفور بكشف جريمتها، وساعتها كان سيخلو لها المجال تماماً مع شقيق زوجها.

عدم المنطقية التي تتسم بها نهاية "الليلة واللي فيها" يخفي غالباً كثيراً من التعديلات التي أجريت على هذه النهاية لكي تتلائم رقابياً واجتماعياً مع جمهور المنصة، وجمهور "السوشيال ميديا" المتربص بالدراما والأفلام، وغالباً لجأ صُنّاع العمل إلى هذه الصياغة المتلعثمة كحل وسط يخفف من وقع الصدمة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي