رحيل سول كريبكه: بصمة في المنطق وفلسفة اللغة

2022-09-22

إذا كانت الكتابات الفلسفية التي تتناول مسائل راهنة وملحّة، وتُعالج أسئلة أخلاقية واجتماعية وفكرية ملموسة، تحظى بمقروئية جيّدة بشكل عام، فإن هذا الأمر لا ينطبق على المنشورات التي تنتمي إلى حقليْ المنطق والإبستيمولوجيا، ولا على كثير من المؤلّفين الذين يكتبون في مثل هذه التخصّصات الفلسفية.

حتى رحيله قبل أيام في مدينة برينستون بولاية نيوجرسي عن 82 عاماً، ظلّ اسم الفيلسوف الأميركي سول كريبكه مألوفاً فقط لدى شريحة محدودة من القرّاء خارج عوالم الفلسفة التحليلية، وهي شريحةُ المهتمّين بالمنطق وفلسفة اللغة، والقادرين على تلقّي نصوصٍه "التقنية" التي تتطلّب إلماماً بفلسفة الرياضيات وبتاريخ المنطق ولغته المجرّدة.

وتبقى قلّة المقروئية هذه مفارقةً لمكانة كريبكه، الذي يُعَد من أبرز فلاسفة المنطق في القرن العشرين، وواحداً من الذين تركوا أثراً كبيراً في المنطق الشَرطيّ (أو الطوري أو منطق الموجّهات)، ولا سيّما من خلال كتابه "التحليل الدلالي للمنطق الشَرطي"، الذي نشره وهو في الثالثة والعشرين فقط من العمر (1963)، وتحوّل فور صدوره إلى لحظة فارقة في هذا الحقل، حتى أن المنطقيين يستخدمون موضوعةً أو مُسَلَّمةً رياضية تحمل اسم K، في إشارة إلى اسم كريبكه.

كما تُحسَب للفيلسوف الراحل إسهاماته في نظرية المرجعية، ونظرية الأسماء، وكذلك نظرية الحقيقة، وذلك من خلال كتابه "التسمية والضرورة"، وهو عمله الوحيد الذي جرى نقله إلى العربية (دار "الكتاب الجديد"، ترجمة محمود يونس).

ومن الإضافات الأساسية التي يأتي بها كريبكه في هذا الكتاب، مثلاً، تجاوُزه للنظرية الوصفية في التسمية، السائدة حتى لحظة نشره للكتاب، والتي تُماهي بين أوصاف اسم ما (مثلاً، سُقراط هو معلّم أفلاطون) وبين هويّته.

ويحاجج الفيلسوف الأميركي بالقول إنه كان يمكن أن يموت سقراط طفلاً، الأمر الذي كان ليمنعه من أن يكون معلّماً لأفلاطون، غير أن هذا الأمر لم يكن ليعني أنه ليس سقراط. وبعد تفنيده للرؤية الوصفية هذه للأسماء، يقترح نظرية تجعل الاسم يقترن بالهوية، هوية الشخص أو الشيء الذي يحمله، وذلك في كلّ العوالم الممكنة.

ظلّ سول كريبكه مقلّاً في النشر رغم ممارسته التعليم الأكاديمي حتى السنوات القليلة الماضية، إذ صدر له ــ إضافة إلى "التحليل الدلالي للمنطق الشَرطي" و"التسمية والضرورة" ــ كتبٌ مثل "فيتغنشتاين حول القواعد واللغة الخصوصية" (1982)، و"إشكالات فلسفية" (2012)، و"المرجعية والوجود" (2013).







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي