
في الإسلام مصادر مختلفة للإرشاد: القرآن الكريم، وهو كلام مُنزَّل مباشرة من عند الله، والحديث وهو أفضل سبيل لفهم ما ورد في القرآن الكريم. وكلا المصدرين يعمل بشكل مترابط. فهذه النصوص المقدسة تحدد معايير الصلاح وقواعده، وتفصل وتصوغ طبيعة الصفات الأخلاقية والفضائل الإنسانية.
بعبارة أخرى، تقدم هذه النصوص إرشادات ومبادئ واضحة، حول السلوكيات والتصرفات التي يجب اتباعها، والتي عليها ستكافأ في يوم القيامة. ففي كل جانب من جوانب الحياة، يتم إرشادنا بأمثلة مختلفة إلى ما يجب فعله، وما يجب تجنبه، وأحد هذه المواضيع قضية الرفق بالحيوان. ويؤكد الإسلام أهمية معاملة الحيوانات بالحسنى، ونهى عن ممارسة أي شكل من أشكال التعذيب والقسوة والعنف بحقها.
وهناك أحاديث كثيرة تكلم فيها سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بشكل كبير، عن قضية الرفق بالحيوان. فعلى سبيل المثال، هناك قصة لرجل توقف - أثناء رحلته - عند بئر؛ ليشرب بعض الماء ويروي عطشه، فرأى كلباً في حالة يُرثى لها، يحوم بالقرب من البئر؛ بحثاً عن الماء. فنزل الرجل مرة أخرى إلى البئر، وملأ حذاءه بالماء، وسقى الكلب. وقد اعتبر هذا عملاً صالحاً؛ ونتيجة لذلك غُفرت ذنوبه، كما ورد في الحديث: «فشَكَرَ الله له، فغَفَرَ له.. في كلِّ كَبدٍ رَطْبَةٍ أَجْر».
في مثال آخر، أمر الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ثامن الخلفاء الأمويين، ذات مرة، بنثر حبوب القمح على قمة الجبل، للتأكد من أن الطيور المهاجرة لم تترك بلداً مسلماً وهي جائعة، عند الهجرة إلى بلد آخر. وذلك لتشهد نيابة عنه يوم القيامة.
تجدر الإشارة، هنا، إلى أن الطيور لم تكن ملكاً لأحد، بل كانت طيوراً مهاجرة. وبغض النظر عن ذلك، فإن الخليفة عمر بن عبدالعزيز بذل جهوداً كبيرة لإطعامها؛ انطلاقاً من شعوره بواجب أخلاقي لرعايتها، ومعاملتها كما لو كانت ملكه.
وفي الحديث عن الصحابي عبدالله بن عمر، عن امرأة عذبت قطة، وحبستها حتى نفقت جوعاً، وكيف تم توبيخها بعد ذلك. وبعد تصرفها القاسي هذا، لم تُرحم المرأة، وتعرضت للتعذيب، وأدخلت النار.
وفي الإسلام، وفي يوم القيامة، سيقف هذا القط أو أي حيوان آخر أسيئت معاملته أمام أولئك الأفراد عند الحكم عليهم، ولن يرحموا، كما ذكر: «مَنْ قَتَلَ عصْفوراً عَبَثاً عَجَّ إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القيَامَة يَقول يَا ربِّ إنَّ فلاَناً قَتَلَني عَبَثاً، وَلَمْ يَقْتلْني لمَنْفَعَةٍ».
وتبين لنا هذه الأمثلة القيمة أنه، في الإسلام، لا تعتبر معاملة الحيوانات برفق وبلطف خياراً وإنما هي أمر، مهما كانت الظروف. لذلك، من واجب الوالدين غرس مثل هذه المشاعر السامية في أطفالهما، تماماً كما يشعران بأنهما ملزمان بتعليمهم أن يكونوا لطفاء مع بعضهم بعضاً. وفي نهاية المطاف، الحيوانات تماماً، كالبشر، أرواح حية.
قد نكون في قمة السلسلة الهرمية للكائنات الحية، لكن هذا لا يشير - بأي حال من الأحوال - إلى أنه «من المقبول» غض الطرف، أو التصرف بازدراء تجاه الحيوانات.
لنعطي مثالاً قد نصادفه في حياتنا اليومية: هناك العديد من القطط والكلاب المصابة أو الجائعة على الطريق، في مثل هذه الأحوال الجوية القاسية، ما احتمالات أن يتوقف المرء ويساعدها؟.. لنكن صرحاء، الاحتمال ضئيل جداً، أليس كذلك؟!
ماذا لو كان هناك إنسان مصاب وممدد على الطريق؟.. ما مدى الاحتمال هنا؟
لدينا هذا الشعور السامي بالمسؤولية تجاه مساعدة البشر، إنه شعور تلقائي، أو لنفترض أنه فطري، ومع ذلك، ولسوء الحظ، لا يتم التصرف هكذا دائماً، عندما يتعلق الأمر بالحيوانات؛ لأنه للأسف لا يوجد لدينا، دائماً، هذا الشعور بالمسؤولية والوحدة مع الحيوانات.
بصورة مماثلة، غالباً يتم تبني هذا التفكير التمييزي؛ عندما يتعلق الأمر بامتلاك حيوانات أليفة. من الشائع، عندما يرغب الإنسان في اقتناء حيوان أليف، أن يتوجه إلى متجر للحيوانات لشرائه، على اعتبار أن الحيوان تم إحضاره من بيئة محبة، أو أنه «نظيف»، أو «آمن»، مقارنة بالحيوانات الضالة. ومع ذلك، من السذاجة للغاية افتراض مثل هذا الشيء.
عدد كبير من الحيوانات الأليفة، التي يتم شراؤها من المتاجر، اليوم، تم احتجازها، وتعرضت لمعاملة سيئة طوال حياتها. بالإضافة إلى ذلك، وُلد الكثير منها في ما يسمى «مطحنة جرو»، حيث يكون الغرض الوحيد من تربية كلبة مثلاً هو التكاثر، وبمجرد أن تتوقف الكلبة عن أداء وظيفتها، يتم التخلص منها.
في السابق، وردت حالة عن كلبة تمت تربيتها بغرض التكاثر، وبعد الولادة تم طردها مع جرائها حديثة الولادة. ورغم الظروف القاسية التي عاشتها، وبدلاً من الفرار، فقد بقيت هذه الكلبة وفية، وتوسلت للبقاء في مكانها.
هذه القصة تؤكد أن الحيوانات تماماً مثل البشر لديها مشاعر وعواطف، ويحق لها أن تُعامل بعدل.
بعد معرفة خلفية من أين تأتي هذه الحيوانات الأليفة، هل تشعرون بالراحة لدعم مثل هذه المتاجر، التي تشارك في مثل هذه الأنشطة؟
يجب أن يدرك المرء أنه بإمكانه امتلاك حيوان أليف، دون أن يضطر إلى شرائه من متجر، وإنما عن طريق تبنيه. ويعتبر التبني بدلاً من الشراء من متجر للحيوانات الأليفة، أو من مربى كلاب غير مسؤول، أفضل بكثير، حيث توجد حيوانات كثيرة بأمس الحاجة إلى منزل.
وبعض هذه الحيوانات تعيش معظم حياتها في مأوى، ولا تعرف معنى أن تكون محبوبة. في المقابل، هناك حيوانات، رغم وجودها في منزل، فقد يتم إهمالها من قبل أصحابها البشر. إظهار الحب والرحمة لهذه الحيوانات يمكن أن يغير حياتها، ويضيف قيمة لها بشكل كبير.
أنا أدعم وأشجع الأفراد الذين يختارون تبني الحيوانات المحتاجة.
هناك، أيضاً، العديد من الطرق الأخرى لمساعدة الحيوانات، إحداها دعم المنظمات، من خلال التبرع بالأساسيات اللازمة، مثل: الطعام، والبطانيات، والأسرّة، أو حتى المساعدة في فواتير الأطباء البيطريين، حيث إن العديد من هذه الملاجئ تستقبل الحيوانات المريضة، والتي تعرضت للإساءة، على أمل إنقاذها.
وهناك طريقة أخرى أساسية جداً للمساعدة، هي خلق الوعي في المجتمع.
ولا ينبغي أن يكون كل شخص مالكاً للحيوانات الأليفة، إذا لم يكن الفرد مستعداً لبذل جهود كبيرة في الرعاية، ليس من الناحية المادية فحسب، وإنما أيضاً العاطفية، وأن يكون متاحاً باستمرار، فلا ينبغي - وقتها - أن يمتلك حيواناً أليفاً.
في ما يتعلق بالجيل القادم من أطفالنا، أحرص على التأكيد أنه من واجبنا أن نعلمهم ونوجههم ونكون صارمين معهم، عند رعايتهم لحيوان أليف. ويجب تحميل الأطفال مسؤولية رعاية الحيوان الأليف الذي يريدونه، كما يجب توبيخهم إذا أصبحوا مهملين، أو يريدون بدلاً منه؛ عندما لا تسير الأمور بشكل جيد.